ملفات و دراسات

أكرم أوديشو خير من مثّل أبقراط

اعداد برزان شيخموس

بدى المكان موحشاً خاوياً بلا حراكٍ أو اكتظاظ على خلاف ما أخبرتُ به من أهل البلدة، فلا مراجعين ولا مرضى يفترشون رصيف عيادته البسيطة بعد إن كان رصيفه وصالته كما دفتر مواعيده مُمتلئ بأسماء وأجساد الوافدين من جميع الطوائف والأعراق ، نعم كل شيءٍ مغاير وعلى النقيض، فالزمان أمضى حقبة على  ليلة الثالث والعشرين من شباط في السنة الخامسة عشرة من الألفية الجديدة، والمكان عيادة الدكتور أكرم لازار أوديشو ملاك الرحمة كما نعتتهُ اللسنة أبناء بلدته الذين استفقدوه وأهاتهم وحسراتهم تسبق لفظ وتمتمات أحرف اسمه، إذ غاب الدكتور في ليلة غدرٍ على يد قوى الظلام (داعش) التي استهوت القتل والتدمير واستباحت كل جميل في حياة البشر.
الطبيب أكرم أوديشو خير من مثل أبقراط في أخلاقيات مهنته بالتوازي مع اتقانها وإجادتها بحرفية في روايات وشهادات أبناء البلدة التي كانت متشابهة لغاية التطابق ولم يكن بينها متناقضات حاولت أن أعثر عليها كدأب مهنتي في السلطة الرابعة، لكنني لم أحظى بها فالمتشابهات والمتطابقات كان الموجود والتي تسرد ماهية وجود أوديشو في أفئدة من عاصروه إلى أوراق صحيفتنا.

من هو أكرم لازار أوديشو

“هو الانسان الخلوق المؤدب المؤمن المسالم”…. هذه الكلمات كانت باكورة ما نطق به الاستاذ فايز كوركو أحد اصدقاء الدكتور جواباً لاستفسارنا عنه، مُجزمً “إن البشرية قد أنجبت اعداداً قليلة من أمثال أكرم”، والد ماريا الوحيدة ابن قرية تل شاميران وحيد أبيه لازار الاشوري من مواليد 1967 ،  والذي أتم تعليمه في قريته ومدارس تل تمر بلدته الوديعة، طبيب عام متخرج من يوغسلافيا .
كوركو أضاف “إن الدكتور أكرم خير من قام بأخلاقيات مهنة الطب، إذ لم يدخر جهداً في اسعاف مريض أو معالجته بكل إمكاناته بعيداً عن أي طمع أو جشع أو حتى التفكير في الأجر الذي قد يكسبه من وراء المعاينة، الجميع دون استثناء مرضى وبحاجة لمساعدته بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، فقط هم بشر وليس أكثر”.

كان انساناً قبل ان يكون طبيباً

“جمعتني بالدكتور أكرم صداقة قديمة، اذ كانت تجمعنا علاقة حميمة منذ الصف السابع أي قبل أكثر من ثلاثين عاماً”، هكذا روى بهجت شيخو أحد أبناء بلدة تل تمر معرفته بالدكتور المختطف لجريدة يكيتي والحسرة تنضح من عينه على فراق رفيق الصبا والفتوة.
شيخو أكمل قائلاً” أكرم منذُ صباه كان يحمل جميع الصفات الحميدة، بعيداً عن التعصب أو أي شكل من أشكال العنصرية كان محباً للجميع مخلصاً في جميع علاقته مضحياً وفياً سخياً محباً، حتى إنني سألته بعد عودته من يوغسلافيا لم عدت قالها لي بالحرف الواحد: ” أنا درست وتعلمت كي أخدم أبناء بلدي فهم أحق الناس بعلمي وخبرتي ومعرفتي “.

ماذا قدم أوديشو لأبناء تل تمر حتى حصل على هذه المكانة في أفئدتهم

يسرى اسماعيل ممرضة الدكتور التقتها جريدتنا لتبين لقرائنا ماذا قدم الدكتور لأبناء البلدة فكان جوابها متأخرٍ، اذ بكمها شريط الذكرى لأخلاقيات وأصالة نادرة قل ما اتصف بها أحد من أبناء مهنة أبقراط.
الممرضة اضافت قائلة” الدكتور أكرم حالة فريدة، إذ كان يولي المريض كامل اهتمامه دون تقصير مهما كانت الحالة المريضة بسيطة، موصياً ذويهم بالمراجعة والاتصال به للاطمئنان على حالة المريض حتى إنه بلغ الاتصال بهم بنفسه، يقدم لهم الأدوية موصيينِ بعدم أخذ أجرة المعاينة لكل من بسط سبيل حياته الأجرة التي كانت 100 ليرة والتي عدلت إلى 200 بعد شكوى اطباء البلدة عليه لدى النقابة”.
يسرى سردت الكثير الذي لم يكن بالمقدور حصره في هذه المادة إلا أنها روت أنه “لم يولي أوقات فراغه واستراحاته أي اهتمام ففي أي وقت وفي أي زمان كان يحضر فوراً، لم يقفل هاتفه يوماً، كان ملبياً للكل دون استثناء لا يأبه بنقله بسيارة أو راجلاً أو حتى على دراجة نارية، همه الوحيد كان معاينة المريض وتشخيص حالته، في أقسى وأعتى الظروف الأمنية كان يذهب مع ذوي المرضى غير آبهاً بالمخاطر المتمثلة في الخطف والاعتقال، غير رادٍ على نصحنا بالحذر واخذ الحيطة”.

حتى دواء المرضى تكفل به الانسان الطبيب

“لا أستطيع ان أحصى عدد المرات التي قدم فيها الدكتور أكرم الدواء للمرضى على حسابه الخاص”، هذا ما روته لنا الصيدلانية روجين حسون مالكة صيدلية “ممو ” القابعة بالمقابل من عيادة الدكتور أكرم مضيفة انه “دائما كان يطالبني بمراعاة المرضى كونهم بحاجة للمساعدة، وإن مهنتهم إنسانية قبل أن تكون مهنة لجمع المال والاغتناء والاكتناز”.
الصيدلانية تابعت حديثها بأن “الدكتور حالة فريدة قل نظيرها من اتقان للمهنة والاخلاص لها وتقديم كل ما بوسعه حتى بلغ به الامر التبرع من جيبه الخاص لشراء الأدوية لمرضاه”.
حسون والتي اغلقت صيدليتها بعد الأحداث الاخيرة تمنت كما باقي كل من التقيناهم في مادتنا عودة الدكتور بأقرب وقت ممكن مع جميع المختطفين، قائلة” الدكتور أكرم كان إنساناً بكل ما في الكلمة من معنى ولا يستحق إلا أن يكرم كإنسان وملاك للرحمة”.

  • قد يحسب القارئ لقصة الدكتور أكرم وللوهلة الاولى إنها قصة خيالية ليس لها وجود في أيامنا الراهنة، أو أنها من حبكة قاص أو أحد روائي الادب، أو هي من نتاج كاتب ذو مخيلة خصبة أتقن خلق أفكار أو صور عن عوالم أشخاص غير واقعية كلياً أو جزئياً، إلا أن القصة حقيقية وكان بطلها موجوداً منذ أمدٍ ليس بالبعيد. ونحن نتمنى له العودة من جديد كي يعيد للحياة رونقها وبهجتها مبعثاً الامل في نفوس من تقطعت به السبل بأن مازال في الدنيا خيرٌ.

 
 

    المادة نشرت في العدد 217 من جريدة يكيتي

 
 
بدون عنوان
xez
 
 
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى