آراء

أوباما وفشل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط

فؤاد عليكو
في آخر استطلاع أمريكي أظهر فيه الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما بأنه أضعف رئيس مرت على أمريكا خلال نصف قرن، ويبدو أن هذا الإستطلاع قريب من الواقع العملي لهذا الرئيس الذي لم يكتب له طيلة السنوات المنصرمة موقفاً واحداً يسجل له أو قضية عالمية استطاع معالجتها لا بالعكس من ذلك فقد ترك كافة القضايا العالمية خلف ظهره وتم الإكتفاء بتصريحات الإستنكار والتنديد دون فعل جدي كما كان يتوقع العالم من أمريكا أن تفعله، لأنها تبوأت صدارة القرار السياسي الدولي بجدارة بعد إنهيار لاتحاد السوفيتي 1991 والمنظومة التابعة له من المعسكر الشرقي (الإشتراكي) والتي كانت تسمى بحلف وارسو وخرجت روسيا منهكة كقطب رئيسي منافس لأمريكا.
واستطاعت أمريكا التحكم بالقرار الدولي وتوجيهها بما يخدم مصالح أمريكا والشعوب المستضعفة والتي كانت تعاني من التهميش والدكتاتوريات المقيتة، وتساهم في تعزيز ونشوء الدول ذات التوجه الديمقراطي، خاصة بعد أن أعلن الرئيس السابق جورج بوش في مراجعة نقدية لسياسة أمريكا الخارجية (بأننا دعمنا الأنظمة الدكتاتورية خلال ستون عاماً وخسرنا شعوبهم واليوم سوف ندعم الشعوب من أجل القضاء على الأنظمة الدكتاتورية)، وهذا الموقف الصريح والواضح دفع بالعديد من الأنظمة إلى إعادة النظر بسياستها والإنفتاح على شعوبها والقيام بإصلاحات سياسية مقبولة تجنباً للتصادم مع السياسة الأمريكية الجديدة كما حصل في تركيا والمغرب وباكستان والأردن، كما أظهر الأمريكيون مناصرتهم للشعوب التي كانت تعاني من دكتاتوريات مقيتة كما حصل مع نظام سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغسلافيا السابقة من خلال تدخل عسكري مباشر في البوسنة والهرسك وكوسوفو وتمكنت من إنقاذ مئات الآلاف من المدنيين من التطهير العرقي الممارس بحقهم من قبل الصرب وتحويل القادة المجرمون إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لينالوا جزاءهم العادل، كما تدخلت بعدها في أفغانستان في 2001 لينهي بذلك حكم الطالبان والقاعدة ولينقذ الشعب الأفغاني من أعتى الأنظمة الإرهابية والمتخلفة في التاريخ الحديث، كما تدخل عسكرياً أيضاً في العراق وأنهى حكم الطاغية صدام حسين وتم تأسيس حكم ديمقراطي فيدرالي تمتع فيه الشعب الكردي لأول مرة في التاريخ الحديث بإقليم فيدرالي معترف به دولياً، وهكذا كان الموقف الأمريكي صريحاً ومباشراً وتهديداً عملياً للأنظمة القمعية ومشروعاً لبناء أنظمة ديمقراطية في العالم، وبالطبع فأن مثل هذا المشروع الكبير سوف يستقطب شرائح كبيرة من المجتمع الدولي ومن الشعوب التي تعاني من الأنظمة القمعية، كما أن تطبيق المشروع الإستراتيجي الكبير يحتاج إلى تضحيات بشرية ومادية كبيرة من الشعب الأمريكي، وقد أستغل أوباما هذه التوجه الخارجي من قبل الجمهوريين المكلف أمريكيا نقطة ارتكاز لدعايته الانتخابية لكسب أصوات الأمريكيين الذين تضرروا من الحروب الأمريكية في الخارج مؤكداً بأنه لن يذهب بالجنود ليحاربوا خارج أمريكا ولن ينهك الاقتصاد الأمريكي في حروب خارجية وأنه سوف يسحب الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان وغيرها من مناطق التوتر.
كما استغل الأزمة الاقتصادية التي مرت بها أمريكا في تلك الفترة وعزا ذلك إلى كلفة الحروب الأمريكية الخارجية الكبيرة، وبمعنى أوضح أنه سيمارس سياسة الانكفاء على الذات أمريكياً، وفعلاً بعد أن فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية طبق سياسته كما دعى لها، وبالتالي فقدت أمريكا هيبتها الدولية تدريجياً إلى أن وصلت إلى مرحلة فقدان الثقة من قبل أقرب حلفائها التاريخيين مثل تركيا والسعودية، وكان الدب الروسي الجريح بوتين يراقب توجه أوباما الخارجي وتردده في اتخاذ القرارات الحاسمة عن كثب واستغلها بجدارة للعودة إلى لعب دوره الدولي كقطب ثان ورئيسي في المعادلة السياسية الدولية كما كان في السابق وكذلك العودة إلى المياه الدافئة، عبر البوابة السورية والإيرانية، مستغلاً الخلاف النووي بين إيران والغرب وكذلك الوقوف إلى جانب النظام السوري في وجه ثورة الشعب ضد النظام، وذلك من خلال استخدامه لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ثلاث مرات متتالية ضد أي قرار يطال النظام السوري وبذلك أثبت للعالم أجمع بأن الروس لن يتخلوا عن حلفائهم مهما كانت المبررات والمسوغات لذلك، وبالتالي أصبحت الثورة السورية في وضع لا يحسد عليها سياسياً وعسكرياً وأصبح المجتمع الدولي مقتنعاً بأن أي حل للأزمة السورية يجب أن يمر عبر البوابة الروسية.
كما ترك أوباما العراق للتغلغل الإيراني يفعل بها ما يشاء عبر رجله القوي المالكي الذي استهتر بكل القوى السياسية العراقية ومارس الغطرسة السياسية بحق حلفاء الأمس من العرب السنة والكرد وحتى بحق بعض التيارات الشيعية العراقية وبدعم وتوجيه مباشر من إيران وغض للنظر من قبل أوباما وكأن الأمر لا يعنيه وكأن أمريكا لم يقدم آلاف التضحيات ومليارات الدولارات من أجل تحرير العراق من الدكتاتورية ليستبدله بدكتاتور طائفي لا يقل عن الأول في قساوته تجاه معارضيه وحتى حلفائه، وحول العراق إلى محمية إيرانية بامتياز وأصبحت أمريكا خارج المسرح السياسي العراقي تماماً ولم يعد لها أي تأثير على القرار العراقي، كما أن أقرب مقربيه من الساسة الأمريكيين ينتقدون ضعفه وتردده أمثال وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون وفورد سفير سوريا السابق ومسؤول ملف سوريا فيما بعد ليُسرحا بأن أوباما يتحمل المسؤولية الكاملة عما آل إليه الوضع في سوريا حيث رفض وحتى الآن تسليح الثورة السورية ومنع الآخرين أيضاً من تقديم الدعم للشعب السوري، وهكذا نستطيع القول بأن أمريكا خسرت الكثير دولياً وقد يحتاج إلى ثمان سنوات قادمة لترميم ما دمره أوباما في فترة حكمه من وصول هيبة وسمعة أمريكا الى الحضيض، ومن سوء القدر أن الشعب السوري أول من دفع ضريبة هذه السياسة الفاشلة وكانت الضريبة باهظة وباهظة جداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى