آراء

إيران “تقايض” النووي بالنفوذ والقادم أسوء

عدنان بدرالدين
الرئيس الأمريكي باراك أوباما وخلال مؤتمر صحفي عقده إثر الإعلان عن توصل القوى الدولية الست إلى إتفاق مع إيران يرمي إلى منعها من إمتلاك سلاح نووي صرح بإنه يعتبر هذا الإتفاق بمثابة حدث تاريخي يأمل العالم أن يمهد الطريق لعودة إيران إلى “طريق التسامح والحل السلمي للنزاعات…طريق المزيد من الإندماج في الإقتصاد العالمي والحوار مع المجتمع الدولي”.
التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية تفيد بأن الإتفاق العتيد الذي إستغرق التوصل إليه عشرين شهرا من الحوارات المكثفة بين الأطراف المعنية، والعديد من اللقاءات السرية بين مفاوضين أمريكيين وإيرانيين سيؤدي، في حال تنفيذه، إلى تخفيض حاد في مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يكفي حاليا، بحسب الواشنطن بوست، لإنتاج عشر قنابل نووية، بنسبة قد تصل 98%، ووقف العمل بثلثيي أجهزة الطرد المركزي الذي يناهز عددها الآن 19000 جهاز، مع إستمرار العمل بالحظر على بيع أو شراء أية معدات عسكرية من أو إلى أيران لمدة عشر سنوات والصواريخ الباليستية لمدة ثماني سنوات. ويقول مؤيدوا الإتفاق بأنه يفرض على طهران تجميع كافة نشاطاتها النووية في منشأة نووية واحدة مما سيسهل من عملية متابعتها و التحقق من مدى تقيد القائمين عليها ببنود الإتفاق الأخير الذي جوبه حتى قبل التوقيع عليه بمعارضة شرسة من جانب نواب الحزب الجمهوري واللوبي اليهودي ذو النفوذ الكبير في السياسة الأمريكية بالأضافة إلى إسرائيل وبعض حلفاء أمريكا التقليديين في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

تشكيك عميق بآليات التفتيش

يقول منتقدوا الإتفاق بإنه لايوفر ألية فعالة لمتابعة ورصد الخروقات الإيرانية المحتملة رغم أن الرئيس الأمريكي أكد في أكثر من مناسبة بأنه/ أي الإتفاق/ “لايقوم على أساس الثقة وإنما على أساس التحقق”. في هذا الإطار يشير المنتقدون بالبنان إلى بند صريح ورد فيه يعطي لإيران مهلة 24 يوما قبل أن تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة أية منشأة إيرانية يشتبه بخرقها لنصوص “إتفاق النووي” أو لتعهداتها النابعة من توقيعها كبلد على معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية. علاوة على أن أية إعادة للعقوبات الدولية يستلزم موافقة خمسة أعضاء من أصل ثمانية هم قوام اللجنة المعنية، أي بالضرورة أصوات الولايات المتحدة الأمريكية وأربعة من حلفائها الأوربيين. وحتى لو لجأ الرئيس الأمريكي في حال تحققه من أن طهران تخدع فعلا إلى إعادة فرض العقوبات عليها، وهو أمر ممكن نظريا بحسب الواشنطن بوست، فإن العملية ستستغرق 65 يوما، كما أن عملية تمريرها في مجلس الأمن ستكون صعبة للغاية. وعلى هذا يقول معارضوا الإتفاق أن إيران ستنجح مجددا في خداع المجتمع الدولي مثلما فعلت ذلك مرات عديدة في الماضي.

أموال ونفوذ

يعتبر معارضوا الإتفاق أنه يأتي بمثابة جائزة يانصيب كبرى يقدمها أوباما وحلفاءه إلى الإيرانيين على طبق من ذهب. فالإتفاقية تنص على أن إيران ستستلم خلال السنوات القادمة ما مقداره 150 مليار دولار أمريكي من أموالها المجمدة في البنوك العالمية. وفي الوقت الذي يأمل فيه الرئيس الأمريكي في أن الحكومة الإسلامية في طهران ستستخدم هذه الأموال الطائلة لتلبية حاجات إقتصادها المتهالك، فإن النيورك تايمز التي دعمت بقوة الإتفاق الأخير في مقالة إفتتاحية إدعت فيه أن التفاهم مع طهران “يقلص من فرص الحرب” وجدت نفسها مع ذلك مجبرة على الإعتراف بمخاطره المتوقعة، حتى بمنظور السياسة الأمريكية، عندما كتبت في الإفتتاحية ذاتها مايلي:
” يجب أن لايساور أحد أية أوهام حيال إيران التي تعتبر إسرائيل عدوها اللدود، وغالبا ماتدين الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعم حزب الله ومجموعات إرهابية أخرى. وعند رفع العقوبات عنها ستسنح لها فرصة الحصول على مليارات الدولارات المجمدة في البنوك العالمية، ومن الصادرات النفطية وصفقات تجارية أخرى.”
لكن الأهم بالنسبة إلى قادة الجمهورية الإسلامية هو أن الإتفاق يعترف، وإن بصورة مواربة، بنفوذها وسياساتها في المنطقة ويجعلها لاعبا أساسيا في إعادة الصياغة السياسية للإقليم الذي تتذابه المواجهات والصراعات الدامية. العديد من المحللين يعتقدون أن الإتفاق جاء أيضا كإشهار لتعاون أمريكي – إيراني غير معلن في ملفات ذات طابع إستراتيجي تشمل إفغانستان والعراق وفي مسألة التصدي لخطر داعش وأن هذا التعاون يمكن أن يمتد في المستقبل ليشمل ملفات وجغرافيات أخرى في سورية واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها. وهو مايعني أن المنطقة قادمة على مزيد من الكوارث والدماء، إذ أن إنحياز واشنطن والغرب عامة بهذه الصورة السافرة لإيران ومخططاتها التي يعتبرها العرب عدوانية وتوسعية يمنح فرصة نادرة لدعاية داعش وأخواتها في الإرهاب للتغلغل أكثر في صفوف الشباب العربي اليائس وجذبه إلى معركة “الجهاد ضد الكفار والروافض”. أحد أبرز كتاب الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، الهندي الأصل، فريد زكريا الذي يدافع بقوة مع زميله في المهنة ديفيد إغناتيوس عن الرئيس أوباما وسياساته “السلمية” كتب في تبرير تنسيق إدارة أوباما الخفي مع طهران وحلفائها مايلي: “صحيح أن إيران تدعم الميليشيات الشيعية في العراق وسورية، لكن هذه الأخيرة هي القوة الوحيدة الأكثر فعالية على الأرض من بين القوى التي تحارب الدولة الإسلامية. هل يجب أن تتوقف عن فعل ذلك؟.” لاحظوا معي أنه لايذكر البيشمركة أو قوات حماية الشعب ودورهما الحاسم في محاربة داعش، ولكن هذه قصة أخرى لن نتوقف عندها الآن.

تداعيات الإتفاق كرديا

النظام الإيراني هو نظام معاد للحقوق الكردية. فهو يمارس سياسة إضطهاد بشعة بحق الملايين من أبناء شعبنا في كردستان الشرقية، ويتدخل في شؤون إقليم كردستان العراق من خلال العمل المستمرعلى شق وحدة الصف الكردي، وتشكيل محاور موالية له، بوسائل عديدة، مالية، وإستخباراتية، وعن طريق الإغراء والترهيب والإبتزاز. وقد بلغ تآمر النظام الإيراني ذروته مؤخرا حينما نجح في تأليب بعض القوى الكردستانية على القيادة الشرعية والمنتخبة للإقليم تحت حجج وذرائع واهية وذلك من أجل وقف المسيرة الكردية نحو الإستقلال، كما أنه ما فتئ يوجه أذرعه ومخالبه في العراق ممثلة بميليشيات الحشد الشعبي الطائفية نحو كردستان وشعبها في تحالف غير معلن مع داعش التي تحاول غزو كردستان وتقويض التجربة الكردية من الأساس. علاوة على دعم نظام الملالي القوي لنظام بشار الأسد الدموي والمعادي للحقوق والطموحات الكردية. ولهذا فإن إغراق هذا النظام بمليارات الدولات وإعادة تسويقه دوليا وغض الطرف عن سياساته الإجرامية يشكل خطرا ماحقا على الشعب الكردي في كل أجزاء وطننا المجزأ. إن إعادة ترتيب البيت الداخلي الكردي، وخاصة في كردستان العراق وسورية، والإلتفاف حول القيادة الشرعية لكردستان العراق من أجل دحر داعش وحماية مكتسبات شعبنا،و إحياء وتعزيز التحالف الإستراتيجي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، والتصدي لظواهر المحسوبية والفساد، وإقرار دستور دائم للإقليم ليكون المرجعية العليا لحل كافة القضايا التي يواجهها شعبنا بما في ذلك مسألة الرئاسة، وشكل النظام السائد وغيرها من المسائل المصيرية، وتعزيز علاقات الإقليم مع القوى الإقليمية والدولية، نقول إن كل هذا يمثل مهاما عاجلة تنتظر التنفيذ لمواجهة تداعيات الإتفاق النووي الإيراني.

آراء في الإتفاق النووي

السيناتور الأمريكي والمرشح الرئاسي – ليدسي غراهام- في تقييمه للإتفاق: “حكم بالإعدام على إسرائيل” و “إعلان حرب واضح على العرب السنة”
راندي ويبر – عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية تكساس: “أي قسم من عبارة (الموت لأمريكا) لا تفهمها الإدارة”
السيناتور الديمقراطي السابق – جو ليبرمان-: “إنه إتفاق سيئ لأمريكا ولجيران إيران في الشرق الأوسط وللعالم على حد سواء”
إفتتاحية- النيورك تايمز- ” سيكون تصرفا لا مسؤولا إن نحن بددنا هذه الفرصه لكبح البرنامج النووي الإيراني.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى