من الصحافة العالمية

اعتذار من خالد مشايخ

هوشنك أوسي

نحن الكُرد، شأننا شأن شعوب الشرق الأسود (الأوسط)، مُهترئون من الداخل، وكل شخصٍ فينا يجد نفسه أحد أباطرة الفكر والفقه والسياسة والثقافة، وأنه لم ينجب بطنٌ في العالم مثيلاً له. لا مكان للمراجعات النقديّة بيننا. وإن كانت، فستأتي سِفراً لا نهاية له من المدائح الذاتيّة! نطفو على بحار خرافات أمجاد الذات والأجداد، والانتقاص من الآخر، وأحياناً، الطعن فيه. المظلومية التي عشناها حولّتنا إلى ظالمين. وما من أحدٍ ظَلَمَنا أكثر من ظُلمِنا لأنفسنا. حيثما وجدنا الحقيقة التي تصفع وجوه خرافاتنا، حاولنا اقتلاعها وقتلها، وفي أفضل الأحوال، مقتها وإسكاتها، وتشويه الناطق بها! مستعدوّن لأن نفتح ألف قبر لشخصيّة مناضلة ومتنوّرة وأكاديميّة كالراحل نور الدين ظاظا. ذلك أنه حتّى ونحن نحتفي به، نزيد عدد قبوره، لأن هذا الاحتفاء هو بداعي استثمار ذكرى ظاظا لأغراضٍ حزبيّة.
لذا، اسمح لي، أيّها المناضل أن اعتذر منك، قبل أن تصبح نور الدين ظاظا الثاني أو الثالث…، في تاريخنا، بحيث يستذكرك الكرد، بعد رحيلك، ويتفننون في سرد القصص عن مناقبك وشمائلك ومحاسن أفعالك ونضالك الخ…، في حين أنه في حياتك، لم يتجاهلك الكُرد، بنخبهم وساستهم وسلطاتهم وعجرهم وبجرهم فحسب، بل مارسوا عليك التضليل والتشويه والتجاهل والإهمال، والافتراء والسطو أيضاً.
أيّها الثمانيني، لأنك لم ترضخ لضغوط والدك، كي تترك السياسة والنضال لأجل حقوق الكرد نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وأبيت إلاّ أن تكون إلى جانب شعبك المظلوم (الذي ظلمتك نُخبه في ما بعد)، ولأنك تركت حزبك منتصف الستينات، ولم تكن جزءاً من أيّة حالة انشقاق، ولم تدعم أو تساند أي شكل من أشكال التفسّخ السياسي الكردي في سورية، ولم ترضَ بأن يتلطخ ماضيك النضالي بالفساد والإفساد الحزبوي، ولأنك كنتَ وما زالت عصاميّاً، وكنت ناقداً حين كان يمدح الكثيرون المصفّقون والصفيقون، وكنتَ ناقداً، حين سكت الكثيرون، وحين تاجروا بقضايا شعبك، للأسباب السالفة، وأضعاف أضعافها من هذه الخصال التي تمتلكها، فمن البديهي أن تسطو سلطة «حزب الاتحاد الديموقراطي» عليك وعلى دارك ومصدر رزقك. وكان من الطبيعي أنه حين تهرب لاجئاً إلى كردستان العراق، يتجاهلك الإعلام والساسة والسلطات الكردية السورية، ولا يتحدّث أحد عن منحتك وعن نضالك وتجربتك السياسيّة في سجون حافظ الأسد بين 1972 و1980. ومن الطبيعي أن تحصل على الإقامة في كردستان العراق، بشق النفس، انت الذي ناضلت من أجل أن ينعم هذا الجزء من كردستان بما ينعم به الآن. وعليه، وجب عليّ الاعتذار منك على تجاهل الأكاديميين (والأكاذيبيين) والإعلاميين وكل الساسة الفاسدين والمفسدين لمحنتك وأنت في العمر الذي تستحق فيه التكريم كرمز من رموز النضال الكردي في سورية. فعلوا ذلك، لأنك لم تنتمِ إلى بيئتهم وبطاناتهم ورطاناتهم في فقه التمجيد والتسبيح بحمد هذا الزعيم أو ذاك.
الطريق إلى قصر رئيس كردستان العراق، السيد مسعود بارزاني، سالك بصعوبة، بسبب تزاحم الوشاة والفاسدين وتزايد الحواجز الأمنيّة التي تتلقى تقاريرها من مفارز الأحزاب الكردية السورية المقيمة في كردستان العراق على نفقة حكومة الإقليم. وطالما أن هناك من ينظّرون في «البارزانيزم» ويفلسفون الشقاق والفساد والإفساد، فمن البديهي والطبيعي جداً أن ينالوا الحظوة والسطوة والحماية والخدم والحشم، ويتجاهل الجميع الحيف اللاحق بك من قبل الأحزاب الكردية السورية، ومن قبل سلطة فرع «العمال الكردستاني» في سورية. لذا، وجب عليّ الاعتذار منك عما أنت عليه.
لن يشفع لك أنك كنت في مطلع الستينات موفد الصلح بين الزعيمين الراحلين ملا مصطفى بارزاني وإبراهيم أحمد (رئيس المكتب السياسي في الديموقراطي الكردستاني). لن يشفع لك أنك حملت رسالة بارزاني الأب إلى خصمه المنشق عنه. ولن يشفع لك أنك حين خرجت من سجن حافظ الأسد عام 1980، لم توقّع على «تعهّد» بعدم ممارسة العمل السياسي (على رغم أنك سبق أن انقطعت عن الحياة الحزبيّة عام 1965)، بينما وقّع عليها مَن كانوا يزاولون العمل الحزبي والسياسي!
نحن في بلادٍ لا شفاعة فيها لمناضل. نحن في بلادٍ يشفع في الفاسد للفاسد، والفاسد للمناضل. وكثيرون يعلمون أن صمتك يخفي خلفه خزائن فضائحهم. أما أنا فأقفُ عاجزاً عن ردّ واحد في المئة من ديونك علينا، لذا، وجب عليّ الاعتذار الشديد.
 
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى