آراء

التكيف الإستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط

قهرمان مرعان آغا

أطلق الباحثون والمحللون مصطلح التكيف الإستراتيجي، لمجمل السياسات الامريكية في الشرق الأوسط، حيث يمر بمرحلة التصدعات الكبرى، وهي أشبه بموجات الزلازل المرتدة على تلك السياسات التي شابها الكثير من اللغط في عهد الرئيس أوباما، الذي أولى جل إهتمام إدارته بالضمان الصحي وصناديق المرضى لبعض الولايات الأمريكية وانسحاب قواته من العراق، بعد وجوده اللوجستي لعقد من الزمن، دون أن يحقق للشعب العراقي الأمن والإستقرار السياسي، ناهيك عن الديمقراطية والمصالحة الوطنية وأبقى باب الصراع القومي مع الشعب الكوردستاني على مصراعيه، وكذلك الصراع الطائفي محتدماً بين معظم المكونات، طبعاً لصالح التغلغل الإيراني الأمني والمذهبي المباشر .

فالاستراتيجيات، عادة توضع وفق خطط وبرامج مرسومة ومتكاملة، من خلال البحث والتقصي، لها أهداف معلنة أو مستترة، و لتحقيق غايات ومصالح آنية أو مؤجلة، وقد تكون لها بدائل في حال تعثر تنفيذ جزئياتها …إلخ والتي تحتاج دائماً إلى التقييم والمراجعة، ويبدو أن سرعة الأحداث حالت دون اعتمادها.
حدث الإنسحاب الأمريكي في الوقت الذي كانت المنطقة تعج بالثورات؟ حيث كانت الثورة السورية لم تزل سلمية! ولم يجرفها النظام المجرم إلى مستنقعه الأمني والعسكري، وكانت المنطقة برمتها في مهب تغيرات دراماتيكية أنتجتها ظروف محلية، (سلطات قمعية ودكتاتورية) وإقليمية (تحالفات تقليدية مشبوهة)، ودولية (إبقاء مصالح الدول الكبرى بتلك الأنظمة وديمومتها)، تبينت حجم الافتراضات المنتكسة التي بنت الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها عليها.
ولعدم وجود إستراتيجية معلنة ﻷمريكا وحلفائها في الشرق، حيث الثورات والانقلابات، فأصبحت تلتفت إلى تلك الاحداث عن بعد، وبعين الترقب والانتظار، بحيث تتدخل لتتوائم سياستها مع تلك المستجدات والأمر الواقع، من خلال حالة الاستدراك السلبي للأمور، دون التدخل السريع والمباشر لحسمها لصالح الشعب الثائر و القوى الحية والديمقراطية التي تحبذ العيش الإنساني المشترك، وهكذا يبقى التدخل أسير بيئات الأمر الواقع المحلية التي تضطر للتعامل معها كحليف آني ومؤقت، وهذا ما حدث في الانبار (أضطر الأمريكيون لدفع الحكومة العراقية للتعامل مع العشائر السنية لمواجهة داعش) وكذلك في كوباني (التعامل مع ب. ي . د) ريثما يتم إيجاد حليف آخر على الأرض، ربما يكون القوات التي تقوم بتدريبها السعودية والأردن، من خلال حليفتها الأطلسية تركيا.
العودة الى العراق، من خلال الضربات الجوية أو المدربين، ليس بجديد، فالأمريكيون، ينفذون منذ زمن ضربات جوية ضد القاعدة في باكستان واليمن، دون أن يكسروا شوكة طالبان باكستان، وكذلك سقوط العاصمة صنعاء بيد أحد فرقاء الصراع (الحوثيين) الطائفة الزيدية التي حكمت اليمن لعقود من خلال دولة الإمامة، وهذا الوضع سيزيد من الإلتفاف السني حول القاعدة في مواجهة الحوثيين، ناهيك عن خيارات الحراك الجنوبي بعودة الاستقلال، وكذلك تبعات التدخل الإيراني على منطقة نفوذ السعودية ومصالح الغرب في الخليج عموماً.
إستراتيجية التكيف التي يتبعها الأمريكان في كوردستان، في مواجهة ( داعش) هي جزء من حربه على الإرهاب، من خلال الإعتماد على القوى المحلية، ولا يهم الغرب صنف هذه القوات سواء من البشمركة الأبطال أو من غيرهم بحيث تبقى قواتها بمنئى عن الخسائر البشرية، ما دامت العملية برمتها تحقق لهم أهدافهم في مواجهة الإرهاب في بيئاته التقليدية على إمتداد الفرات العظيم (من بغداد إلى الرقة) وهم غير جادون لدعم إقليم كوردستان بوجود الدولة المركزية. وخير دليل تصريح الرئيس البارزاني الأخير (بعدم تلقي إقليم كوردستان للأسلحة الثقيلة لدحر داعش بأقل الخسائر وفقاً للوعود). وفي إعتقادي الضربات الجوية على (داعش) جزء من سياسات الغرب لمنع إنهيار الدولة المركزية في العراق و (دولة الأسد إلى اﻷبد) في سوريا، وهجوم (داعش) وامتداد سطوته الإجرامية على كوباني البطلة التي تجسدت فيها معاني البطولة والفداء وامتزج فيها الدم الكوردستاني كانت جزء من سياسة المهادنة للقوى الكبرى بالتزامن مع مؤامرات حلفائهم الإقليميين (النظام السوري، إيران ، تركيا) كلاً من محوره، لجر الكورد إلى أتون الحرب الأهلية، وكانت الحركة السياسية للشعب الكوردي في كوردستان الغربية حريصة خلال الثورة أن تبقى بمنئى عن الصراعات العرقية، ومعادات تركيا للحل الفيدرالي لكوردستان الغربية هو تحصيل حاصل لدولة غاصبة لكوردستان، وما يتناقله الإعلام حول وحدة سوريا أرضاً وشعباً ليست سوى تكرار ممجوج لما حدث من تكالب على تجربة كوردستان العراق الفيدرالي، (قد يأتي زيارة نائب الرئيس الامريكي السيد بايدن ضمن هذه الإستراتيجية وإشراك تركيا كلاعب أساسي في أي تغيير مرتقب لوضع سوريا المستقبلي، بينما بقي باقي الفرقاء من الحلفاء مشغولين بأمر الإنقلاب في مصر، السعودية والإمارات وقطر، وكذلك الصراع في ليبيا).
وتبقى تركيا بإمكاناتها العسكرية والإقتصادية المتنامية ذات التقاليد الديمقراطية أقرب الحلفاء إلى الغرب، ناهيك عن موقعها الجيوبوليتيكي، وخاصة إنها باتت شريكة الغرب في استجرار الغاز التركماني إلى أوروبا، دون المرور بروسيا، إذاً نحن أمام دور جديد لتركيا في سوريا تحديداً. قد يكون منطقتها الآمنة من اولويات ذاك التوجه.

فالأمريكيون وحلفائهم الاوربيين ليست لديهم إستراتيجية تقليدية ثابتة، فهي قابلة للتغيير و التعديل، وهم دائماً يبحثون عن استراتيجية فعالة تتوافق مع مصالحهم لمواجهة مختلف سيناريوهات الحرب، في ظل تصاعد الإرهاب والعنف المنتشر في معظم بلدان ثورات ربيع الشرق، وسياساتهم قابلة للتكيف مع المستجدات، وفق رؤيتهم الخاصة للصراعات، في منطقة مثخنة بالجراحات العرقية والطائفية والمذهبية، ورسم مستقبل الشعوب لن تكون بالتأكيد رهن مصالحهم المتمثلة في الحفاظ على البنى التقليدية لأنظمة الحكم المركزية، المتمثلة بالدولة القومية المنهارة بفعل الثورات وضمان توريد الطاقة (النفط والغاز) لن تكون بمنئى عن الصراع الإقليمي بين إيران والخليج إلى ما لا نهاية. وحتى أمن دولة اسرائيل، دون حل قضايا الشعوب كأولوية، وفي مقدمتها حق شعب كوردستان في نيل حريته في جهاته المكانية الأربعة.

إنتهت في 2014/11/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى