آراء

التواصل وأهمية التعددية اللغوية

شفان إبراهيم
نشر موقع الأورينت نيوز بتاريخ 24/9/2016 مقالة للزميل باسل العودات بعنوان «الأكراد وفوبية العربية» تدور حول عدم إلمام قيادات كوردية باللغة العربية, كلغة مشتركة بين السوريين. لم ينسى الزميل عودات أن يذكر مناقب وأهمية وضرورة اللغة الكوردية في الوسط السوري, لكنه ربما قسا في أفكار أخرى ضمن المقال ذاته.
تُعدّ اللغة مفتاح التواصل بين الشعوب. وتُعدّ من بين أبرز واجهات الدولة وحيوية حضارة الثقافة. إضافة إلى أهمية اللغة في عمليات التوظيف والاشتغال المدني والسياسي وغيرها.
المشكلة بين الكورد واللغة العربية, ليست مشكلة عداوة لغة قوم تأخذ مكانة لغة قوم أخر. على الدوام وحتى اليوم, يُستدل على أهمية اللغة العربية بإقحام القرآن الكريم كدليل على سمو هذه اللغة على باقي اللغات, متناسين أن كتاب الله جاء لهداية فئة تتقن لغة وحيدة. ازدادت المشكلة مع مطالبة الكورد باحترام لغتهم في ظل القمع والنكران والكبت والضغط والقيود المفروضة على اللغة الكوردية.
ضمن السياق ذاته يُمكن التدليل على تشبث الكورد بلغتهم بإسقاط لغة المناهج المدرسية في سوريا على النطق غير السليم للغلة العربية من جانب الطلبة الكورد من جهة, وعدم نسيانهم للغتهم الكوردية حتى بعد انقضاء فترة الدراسة الجامعية. هذه الحالة لاترتبط بعنصرية أورغبة كوردية في عدم الإلمام بلغة محكية مهمة, بل عائدة إلى تشبث الفرد بلغته الأم من جهة, ومن جهة أخرى تصديه لكل محاولات التشويه والتعريب الممنهج.
على صعيد السياسة الكوردية من المفروض أن يكون الكورد وخاصة من في موقع المسؤولية وبشكل أخص الملزمين بالخروج على شاشات الفضائيات والمحطات الناطقة باللغة العربية أن يكونوا على بينة وقدرات عالية بالنطق باللغة العربية بغية إيصال الفكرة السليمة مع حركاتها وترقيماتها, لكن ربط ضرورة تعليم اللغة العربية كدليل على صدق نوايا الكورد في البقاء ضمن سوريا أمر يعود بنا إلى الذهنية المترسبة في العقلية العربية في سوريا والعراق عن التآمر الكوردي على العمق العربي ورغبة الكورد في نسف الوجود العربي.
سيتساءل أحدهم: هل يمكن استخدام القياس ذاته؟ أي هل عدم إلمام القيادات العربية باللغة الكوردية دليلاً على النية المبيتة بالسوء ضد الكورد؟ وهل عدم تمكّن شخصية سياسية كوردية الحديث باللغة العربية أصبح المقياس الجمعي وشمولها لمقدمات جميعها والحصول على النتائج ذاتها.
وضمن الحديث عن أهمية اللغة العربية, كلغة تخص شعب وقومية, وليس فقط العرب في سوريا وحدهم. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يدفع أبناء العرب في الإمارات وقطر والجزائر وتونس التحدث بالإنكليزية والفرنسية أكثر من التحدث بالعربية مع بعضهم ومع الآخر, ولو قورِنت أهمية اللغة والنطق بها, لكانت الجدارة للعرب في الحديث بالعربية, ثم للكورد والعرب في الاتفاق على الاحترام المتبادل للّغات الحية.
فهل الحل يكمن في ضرورة تعلم اللغة العربية وحدها, أم أن ازدواجية اللغة الرسمية في دولة مختلطة وفيها مكونات عديدة هو الحل؟ لذا ثمة ضرورة ملحة في التعلم المزدوج للّغات سواء المحكية الرسمية كالعربية حتى اليوم أو الواجب بالضرورة دمجها مع اللغات الرسمية كالكوردية حتى لغات الأقليات الأخرى كالأشورية. لكن اقتصار التوصيف على الاندماج بتعلم لغة محددة كما ورد عن الدول التي تشترط تعلم لغتها ربما هي أكثر بعدا عن الواقع، فمثلا في سويسرا أي لغة يجب أن يتعلمها طالب اللجوء؟ وهل على الكوردي أن يتعلم العربية كجواز عبور أو نجاح في امتحان الحصول على الجنسية أم أن الأمر يحل بتنشئة الجيل الجديد على تعددية اللغة حسب النظام التربوي السليم.
خاصة وان الحديث عن ضرورة بلورة هوية جامعة – هذا إن اتسع الوقت لتلك الهوية- يستلزم بالضرورة تعلم وإدراج اللغات الأكثر حيوية والأكثر نطقا واستعمالا ضمن اللغات الرسمية في سوريا«العربية والكوردية والأشورية».
المشكلة هي ذاتها تعاد ولو بنكهات أو تسميات جديدة، فحصر اللغة الكوردية ب10%, يخلق متاهاتٍ ستجد النخبة السورية نفسها ضائعة وسط حقل ألغامها, فمثلا من حدد نسبةال10%, ثم عن أي هوية جامعة نتحدث أن بقيت هذه اللغة ضمن المختصين الناطقين بها فقط, إضافة إلى أن الأكثرية العددية في الإقليم أو المنطقة المحددة هي الأخرى تتحول إلى الغالبية فمثلا هل يمكن للكورد أن يطلبوا من الأشوريين ألا يتكلموا سوى الكوردية لأن عددهم أقل من عدد الكورد في كوردستان سوريا, أو هل يمكن سحب موضوع النسبة على العرب في محافظة الحسكة.
يجب أن ندرك أن الكورد خدموا اللغة العربية حتى وهم يخدمون قوميتهم لسبب بسيط أن جل الكتابات القديمة للكورد من شعراء أو مفكرين أو مؤلفي نأو…إلخ كانت باللغة العربية. واللغة عامل مهم في نقل التراث والفكر والإرث الحضاري والحفاظ على الأنا الكوردية مقابل الآخر المختلف لغوياً وقومياً وثقافياً. ومن أشهر الشخصيات الكوردية التي ساهمت وأغنت شتى مجالات الحياة سواء عند العرب أو الفرس أو الترك نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر«زرياب،ابن الأثير،الدينوري،ابن النديم» كتبوا بالعربية وليس باللغة الكوردية, فهل هناك من يتحدث عنهم أنهم كورد خدموا اللغة العربية.
الأكثر إزعاجاً في مقالة الزميل باسل العودات أنه ربط مفهوم البقاء ضمن الدولة السورية بضرورة حصر النطق الرسمي بلغة وحيدة من جهة, ومن جهة ثانية كدليل على رفض التقسيم أو الانفصال كتُهم جاهزة معلبة للكورد دوماً.
بعيداً عن لغة ربط التوصيف الوطني بشرط اللغة العربية, فإن تعلم اللغات المحكية ضمن النطاق الجغرافي الواحد أمر مهم يقابله من الأهمية تعلم أبناء الحيز الجغرافي لجميع اللغات الموجودة.
تعرضت اللغة الكوردية لغزو ثقافي فكري ممنهج, استهدفت الكورد في وجودهم, وكرغبة في العمل على انزياحهم الثقافي والتراثي عبر فرض اللغة العربية عليهم. حتى ضمن أروقة كلية الآداب كانت اللغات الإضافية في الأدب العربي والأدب الإنكليزي والفرنسي تتسع دوماً لتشمل جميع اللغات المحكية دولياً وإقليمياً وعالمياً بما فيها اللغة العبرية. لكن وحدها اللغة الكوردية كانت من المحرمات والموبقات والممنوعات. اليوم سيكون من المعيب جداً أن يكون شرط رسمية اللغة الكوردية في كوردستان سوريا كأحد الامتيازات التي تمنحها المعارضة السورية للكورد.
بقي أن نذكر أنه لا منهجية لحركة سياسية ما لم تكن مطلعة ومتقنة للغة الطرف المُحاور معه حول أي قضية كانت, خاصة في ظل عدم تكافؤ موازين القوة والمصالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى