آراء

الضربة العدوانية التركية ومآلاتها

وليد حاج عبد القادر
لم يعد خافيا على أحد النيات التركية المتراكمة واستماتتها في خلق وإيجاد كما وانتزاع اللحظة المناسبة / التي يوفر لها بكل أسف / ولتمد يدها الأخطبوطية فتتدخل في صميم المرحلة التي زرعتها هي – تركيا – في الأصل وجعلتها تتقيح ذاتيا منذ أن وفد أجدادهم العثمانيون المنطقة، والمتأمل لمسارات الأحداث وتسلسلها وطريقة كما توقيت توجيه هذه الضربات العدوانية وانتقائية الأمكنة تشي ببساطة شديدة بأنها قد حددت كما نفذت بدقة بعد تراكم معلومات استخباراتية هائلة مضافا إليها المتابعات الإلكترونية والاتصالات، هذا الكم الذي لا يستطيع توفيرها له سوى جينات مزروعة في العمق البنيوي للمواقع المستهدفة من جهة وأيضا الإحداثيات التي ارتقت إلى سوية الخبرة الروسية والأمريكية من حيث دقة الإحداثيات وإصابة الأهداف.
تلك الدقة التي ما خلت من التوقيت السياسي الآني أيضا والذي جاء بعد اجتماع طهران الثلاثي الأخير / قبل عدة أيام / بين روسيا وإيران وتركيا من ناحية وترتيبات المصالحة – الشعبوية – ربما بين أردوغان وترامب من جهة وتضعضعها مع روسيا / أو أقلها هكذا يريدونها أن تتمظهر / وترافق أيضا مع عدة عوامل ما ابتدأت بسياسة المد والجزر قبل بدء معركة تحرير الموصل وموضوعة معسكر بعشيقة وتمدد ب ك ك في سنجار بعد اجتياحها من قبل داعش وبعدها ترتيبات الحشد الشعبي في طوز خورماتو ومن ثم تمدد إيران عبرها في المنطقة والقيام بشراء أو فتح باب التطوع أمام تشكيلات محدثة في عمق كوردستان ومناطق النزاع أيضاً وبالتماس هنا مع كشف مخطط النظام الإيراني وطريق حريرها الذي بدأ يرتسم علانية في بعض المناطق ومدى تلاقح أو توافق هذا المخطط وتجانسها على أرض الواقع في غربي الموصل من تلعفر مرورا إلى شنكال والبعاج مروراً إلى بحيرة الخاتونية والهول وجنوب شرق الحسكة وما سرب قبلها أيضا من منح الإيرانيين مساحات واسعة من الأراضي الزراعية غربي الحسكة كانت مملوكة لمسؤولين سابقين للنظام بحجة استثمارها خاصة بعد تحرير كوباني وكري سبي.
ومن جديد كانت لسياسة حزب الإتحاد الديمقراطي وتلونها بتنقلها من ضفة سياسية دون قطع مع السابق وصولا إلى مرحلة الفرات بدرعه وغضبه ، ولكن الأهم هنا هو ما شكله الفراغ الأمريكي وفي مرحلة هامة بدءاً من الثلث الأخير من العام الفائت وحتى القصف الأمريكي لمطار الشعيرات ، كل هذه الأمور يحق لأي متتبع الوقوف عندها، وكل واحدة منها تخلق جملة من الحوافز المشجعة لنظام أخذ يتآكل رغم عنجهية إردوغان خاصة بعد فشل الانقلاب العسكري وتخبصات أجهزة الدولة التركية التي تعيش حالة الرهاب الذاتي وبات كل شخص فيه مدان ويمكن أن يزج في السجن وفق سيادة حالة الطوارئ وفوبيا غولن.
ولعله من المفيد هنا التركيز وبوعي منفتح على حقيقة ممضة : لماذا نرى حزب العمال الكوردستاني دائما هي القشة التي يقصم بها ظهر البعير ؟ وبالأخص منذ أواسط ٢٠١٥ ودورة الانتخابات البرلمانية وحصول حزب الشعوب الديمقراطي على مقاعد عديدة وبالتالي عجز أوغلو عن تشكيل الحكومة ومحاصرة الجناح العسكري للنواب الكوردي في عدم الانخراط في العملية السياسية والذي أدى إلى الدعوة لانتخابات جديد ومن جديد منع الجناح العسكري ثانية النواب الكورد من التشارك في الحكومة المؤقتة وآلت بالأوضاع إلى ما آلت إليها وزاد فيها التفجيرات التي تبنتها منظومة حزب العمال الكوردستاني أيضا لتصب في مصلحة إردوغان من خلال زيادة التوتر البيني على مستوى تركيا ككل وداخل بيت إردوغان الحزبي نفسه وليطيح بخيرة رفاقه داخل الحزب بالذات وسعى بتركيبته الجديدة كهدف رئيس منذ سنة للتحول إلى حكم رئاسي وإجراء التعديلات الدستورية الموائمة لنزعته الشخصية فكان الاستفتاء بنتائجه والذي وضعته في مواجهة الدول الأوروبية وفقدانها لحضورها الدولي إلى درجة كبيرة من ناحية ولتنعكس النتائج على الداخل التركي المنقسم مجتمعيا لدرجة خطيرة.
تلك السياسة التي تموضعت لترتسم وفق كارزما شخصانية لرئيسها على حساب فرملة الدولة وقوانينها وجعلها تتقهقر لتصل بها إلى سوية الحكومات المارقة وانهيار كل ادعاءات اردوغان والتي تدحرجت بمتتالية فظيعة داخليا برفضه وقضاته الطعن بنتائج الاستفتاء وخارجيا وكانعكاس للوضع السوري على مصداقيته واهتزاز شخصيته بعد سقوط / إسقاط حلب وما خلفتها خطوطه الحمر من حلقات تدحرجت أمام تسليمها للنظام والتي تقهقرت بالأزمة السورية هبوطا لصالح النظام وإيران عبر روسيا بعد التصالح ومعها تتالي مسرحيات التسويات المناطقية العديدة ، وبالرغم من محاولاتها عبر درعها التي شكلتها في مواجهة داعش وزعيقها حول الرقة ومحيطها ، إلا أنها فشلت، لا بل أن نواياها تمظهرت لتسبقها للعلن خاصة بعد أن عادت الأضواء لتتسلط عليها من إدارة أمريكا الجديدة وزيارة قيادات أمريكية مهمة إليها ومكالمة اردوغان / ترامب، بانت المناورات التركية وسرعة التقاطها ومن ثم ركوبها موجة الحدث وجاء الهجوم الكيميائي في خان شيخون فرصة لانعطافة جديدة ولكن بقيت عيناها تتابع حزب الإتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكوردستاني والعلاقة العضوية بينهما مستفيدة من الزخم الدعائي والتطبيق الممارساتي لهذا التنظيم ووجود – كادرو – الذي ينفذ التعليمات السياسية لهذا الحزب على ارض الواقع ، ولكون هذا الحزب مصنف كحزب / إرهابي / لدن كل الدول المنخرطة في الأزمة السورية، فسيكون من غير المعقول إدعاء هؤلاء بأن تركيا لم تعلمهم بنيتها ، وأنهم / أقله / لم يغضوا الطرف عن تلك الضربات سيما في سماء سوريا التي وإن كانت مفتوحة كحديقة معلقة لكل أنواع الطائرات.
ولكن حتى الطيران الإسرائيلي لا تدخلها إلا بعلم منظومة متكاملة أقلها روسية وأمريكية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى وبعيدا عن نظرية المؤامرة وفي نطاق سوري بحت وأمام صمت أو تجاهل الدولتين والتي يدعي حزب الإتحاد الديمقراطي بأنها تلعب على تناقضاتهما تكتيكيا ولكن ؟! أفلا يدل صمتهما – أقله – بأن مراحل الخطوة التالية التي ستلي اجتهادات الحل السياسي وضبضبة التشكيلات العسكرية التي ظهرت بعد عسكرة الثورة السورية وإن كانت حادة الزوايا ولا تمس المشتغلة في الحرب ضد داعش ! سيما أن القصف العدواني جاء بعد لقاء طهران الثلاثي / روسيا، ايران، تركيا / وبعد أيام من تصريحات هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي الأمريكي بأنه لا علاقات إستراتيجية مع ق س د وتأكيد أكثر من مسؤول أمريكي سواءً في الإدارة السابقة والحالية بأن العلاقة مع حزب الإتحاد الديمقراطي تنحصر فقط في محاربة الإرهاب.
وهنا لابد من التركيز على عامل جد حيوي والتي تحمل بين طياتها توافقاً إيرانياً / تركيا في الموقف من توجه إقليم كوردستان نحو تنظيم عملية الاستفتاء على حق تقرير المصير والتي ستشمل المناطق / المتنازعة / عليها وليأتي قرار مجلس محافظة كركوك برفع العلم الكوردستاني بجانب العلم العراقي واحدة من اهم المحاور – ربما – التي سعت تركيا توجيهها كرسالة أيضاً يضمها إلى رسائله الأساس بتوجيه تلكم الطائرات العشرين للملمة شتات المجتمع التركي بنيويا خاصة والأزمات أخذت تحوطه وكل أزمة منها تتفرع إلى أزمات وأهمها ذلك الانعكاس السلبي لسمعة الاستفتاء الأخير ورفضه المطلق من خلال قضاته المعينين في قبول أية اعتراضات على نتائجها ، ناهيك عن حالة التململ الحقيقي داخل الجيش الذي اخذ يتمظهر كالدجاجة التي ينتف ريشها يوما بعد آخر ، يضاف إلى كل ذلك تضخم ملف المعتقلين والمفصولين من الوظائف بعيد الانقلاب ولعوامل عديدة أخرى وبعد أن أصبح الحاكم الأوحد وجب عليه تشتيت الأنظار الداخلية وليظهر / فوائد / تسلطنه فيختار مستخدما كل أوراقه وزواياه والتي وفرت له معظمها / إن بقصد أو من دونه / منظومة حزب العمال الكوردستاني وممارساتها التفردية والاستبدادية وتدخلات حزبها الأم في أجزاء كوردستان الأخرى ونفي وجودي لكل القوى الفعلية المتواجدة في ساحاتها وفي لعبة كانت دائما هي الأضعف في متواليات مصالح الدول والتي إن لم تقم قيادة هذه المنظومة في قنديل بمراجعة سريعة جدا لمجمل ممارساتها وعلاقاتها وفك الإرتباط مع الأجزاء الأخرى تنظيميا وإبقائها قوميا استراتيجيا فأنها ستصبح هي العامل الجاذب لا لتركيا وحدها بل كأنموذج تدفع بإيران وغيرها في استباحة حقيقية لضرب استقرار إقليم كوردستان العراق من جهة وإجهاض الحلم القومي، وما يعزز هذا الأمر تلك التصريحات المنسوبة لبعض من رموزها ووقوفهم الصريح ضد مشاريع التقسيم وتغيير الخرائط على أساس قومي لا بل واستعدادهم لمحاربة هكذا توجهات !! .. وخلاصة القول : البيت الكوردي بحاجة ماسة لإعادة التموضع على قاعدة قومية كوردستانية وعلى منظومة حزب العمال الكوردستاني ولمصلحتها أن تعيد النظر في كثير من ممارساتها حتى تحمي ذاتها أولاً بالارتكاز على حاضنتها وبيئتها وإدراك ان هكذا مواجهات هي غيرها فائض القوة الممارسة بينيا وبكلمة أخيرة وبإيجاز : أفلا توحي الضربات العدوانية التركية وكاستنتاج بسيط جدا ؟! بأن أمريكا لم تكن مطلقا غير صريحة معهم ؟ .. أم هي الانتقائية السياسية التي تمنهجوا وسيببون عليها ؟! ..
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى