آراء

المرأة الكردية في يوم المرأة

أ. عبدالله كدّو
كان الاعتقاد السائد حتى وقت قريب بأن الشكل الحالي للأسرة الأبوية ،هو الشكل القديم لها ، لكن هذا الاعتقاد سقط بعد اكتشاف الكثير من الآثار والكتابات الدالة على تفوق الأم في مراحل قديمة ،
ففي ظل المجتمع الأمومي – قبل ظهور الملكية الخاصة – لم يكن يعرف انتساب الطفل إلا للأم في ظل الزواج العشوائي و كانت المرأة هي الإلهة والكاهنة والقائدة ، كانت إلهة الخصب والجمال والحب .
بعد دخول الزراعة والحرف اليدوية إلى المجتمع البشري ونشوب الحروب والغزوات ، تعذر على المرأة مجاراة الرجل ، وهنا بدأ أول تقسيم للعمل بين الرجل والمرأة وأول اضطهاد طبقي .
مع الأيام تحولت الممارسات الجائرة بحق المرأة إلى قناعات ثم عادات ، أخذت المرأة تتمسك بها ، بل تتخذ من الالتزام الصارم بها معيارا لعضويتها الكاملة في المجتمع وشرطا لازما لأنوثتها ، وذلك بعد إتمام استلابها النفسي على إيقاع مقاصل الأباطرة وسيوف الأمراء التي كانت تحصد الرؤوس وخناجر الآغوات التي كانت تبقر البطون ومن حولهم الكهنة والمشعوذين لتأويل الشرائع السماوية في الأرض كما تحلو لأسيادها .
بعد أن سلبت الطبقة المسيطرة الرجال والنساء من الطبقة الأضعف ،فرضت مادة قاتلة ، تعتمد عليها لديمومة سطوتها ، فكانت الطامة الكبرى عندما حمّلت المرأة شرف الرجل ، فيما يقول انجلز داعيا لتحرير الشرف من الجنس : ( لو كان الشرف في الجنس لكانت الدودة أشرف المخلوقات ) ، خاصة ذلك الرجل الذي جرّد من كل مفاعيله إلا سلطته على نساء مملكته وبعد أن أُبعدت المرأة عن مراكز العمل وصنع القرار وجدت نفسها متخلفة عن الرجل ، وهنا ظهرت النظرية الرجعية العنصرية الداعية إلى التمييز بين الرجل والمرأة ، متهمة إياها بالقصور الذهني لإغراقها في الإحباط ودفعها للاستسلام للرجل، لتبقى متاعا للذة ، جسدا بلا روح .
اليوم تخوض المرأة السورية ومنها الكردية ،الواعية معركة التحرر من قيود التخلف ، بنفس طويل وأسلوب موضوعي ، بعيدا عن التطرف ، مراعية جروح الماضي التي لن تلتئم إلاّ بتأنّ وحكمة ، والأمر مرهون بتضامن الرجل ، حيث الرجل المتحرر يعاني من اضطهاد المرأة أيّما معاناة ، لأنه يحرم من تعاونها معه .
لم تغب قضية المرأة عن التراث والأدب الكرديين ، المرأة رمز الفضيلة وأم الأجيال الإنسانية ، فقد تم تأسيس جمعية التعالي لنساء الكرد عام 1919 في استانبول وكان من أهدافها ، تطوير وتنشئة المرأة الكردية بالعقلية الحديثة وتأمين الإصلاحات الاجتماعية الأساسية في حياة العائلة ، وتأمين العمل للأيتام والأرامل الكرد الذين تضرروا نتيجة التهجير والتقتيل وكان من أهدافه أيضا ، نشر الصحف والكتب وتأسيس دور المطالعة و غيرها وشكلت المرأة في كردستان العراق منذ عام 1954( رابطة المرأة في كردستان )
ويعكس الأدب الكردي الصورة البطولية للمرأة الكردية ، فتعطي هذه البطولة الإيمان العميق للشاعر بيه كه س بأن الشعب الذي لا تساهم المرأة في نضاله لن ينتصر ليقول : إن الطائر لا يطير بجناح واحدة ، ويضع الروائي محمد أوزون المرأة بمنزلة الوطن ليقول : المرأة المحبوبة كالوطن المحلوم به دائما والذي يتعذر الوصول إليه .
لا شك إن الدور الفعال الذي لعبته المرأة الكردية عبر العصور ينم عن تراث مفعم بحضورها المكثف ، المتجسد في حكم وأمثال كثيرة منها ( الأسد أسد ، أنثى كانت أم ذكر ) .
تستحضر ذاكرتنا في يوم المرأة ، مآثر اجترحتها المناضلات الكرديات ، مثل الشهيدة ليلى قاسم والمناضلة ليلى زانا رمزي البطولة والفداء .
شاركت المرأة الكردية السورية في معارك التحرير والتنمية عبر العقود المتلاحقة من تاريخ الدولة سورية منذ إعلانها ، فها هي كردية برتبة نقيب في الجيش السوري ، تتحدى الاحتلال العثماني ثم الانتداب الفرنسي لسورية ، لتسجل للمرأة السورية انتصارات مشرفة يحفظها التاريخ باسم ” نازك العابد ” التي شغل نسيبها الكردي ” محمد علي العابد ” منصب أول رئيس للجمهورية السورية والتي أسست في عام 1957 لجنة للأمهات السوريات وحددت يوم 21 آذار عيدا للأم في البلاد ثم برزت أسماء أخرى مثل الكاتبة روشن بدر خان واللغوية كجا كرد وغيرهن في مجالات أخرى .
إن المرأة التي مارست الدور الفاعل في بناء المجتمعات على مر العصور ،أصبحت قضيتها محورا أساسيا في المحافل الدولية ، ففي عام 1945 نص ميثاق الأمم المتحدة على المساواة بين الرجل والمرأة وفي عام 1979 اعتمدت الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو –cedaw ) وفي المؤتمر الرابع للمرأة العالمي عام 1995 الذي حضره وفد من الكرديات السوريات في الصين ، أقر حق الحصة ( كوتا ) أي أن تصبح حصة النساء في مجالس البرلمانات والبلديات % 30 من عدد الأعضاء على الأقل ، ولكن الحكومات السورية المتعاقبة لم تصادق على ( سيداو ) إلا بعد مرور 23 سنة من تاريخ اعتمادها مع التحفظ على أهم بنودها ولم تطبق ( الكوتا ) وما زال التعويض العائلي للزوجة 300 ليرة ، رغم شعار ( التحديث والتطوير ) منذ عامل 2000 وشعار (امرأة وتربية ، وطن وتنمية ) لمنتدى المرأة والتربية في شباط 2003 .
في الختام نحن على ثقة بأن المرأة السورية ومنها الكردية ستواصل معركة الهوية والحرية إلى جانب الرجل ، فالاستبداد لا يميز بين الرجال والنساء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى