آراء

ترامب على صفيح الشرق الأوسط الملتهب

فؤاد عليكو
لا يخفى على أي متتبع للواقع الجيو سياسي للشرق الأوسط، يدرك ببساطة أن المنطقة تعيش ارهاصات كبيرة تتنبأ بتحولات جذرية على صعيد اللوحة السياسية القائمة وقد تطال هذه التحولات تغييرات في الجغرافيا أيضاً، خاصة وأن الحدود بين الدول القائمة أصبحت هشة لدى بعضها وانهارت لدى الأخرى وأن مفهوم السيادة تجاوزها الزمن، مثلما هو حاصل اليوم في سوريا والعراق واليمن والتطورات مرشحة لمزيد من التصعيد بين القوى المتصارعة على الساحة الشرق الأوسطية داخل كل دولة وكذلك بين الدول الإقليمية، ويبدو أن الفوضى الخلاقة التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس 2005 قد فعلت فعلها بامتياز وباتت العودة بالأوضاع إلى ما قبل استفحال الأزمة نوع من الغباء السياسي، كما أن الرئيس الأمريكي المغادر قريباً كرسي الرئاسة باراك أوباما وطيلة الثمان سنوات كان يمارس سياسة إدارة الأزمات في الشرق الأوسط سواء في العراق أو في سورية أو في اليمن وليس معالجتها وكان يعمل وفق مبدأ إرضاء الكل وهو يعلم علم اليقين أن إرضاء الكل غاية لا تدرك، فهو من جهة وقع اتفاقية النووي مع إيران وأرخت لها الحبل في العراق تفعل به ما تشاء ومن الجهة الأخرى فهو ضد سياستها في سورية واليمن ووقف إلى جانب المعارضة ضد حليف إيران دون أن يؤدي بهذا الدعم إلى إزاحته عن السلطة ونأت بنفسها عن التدخل العسكري المباشر كما فعلت في ليبيا بل غضت النظر عن التدخل الإيراني والروسي عسكرياً لصالح الأسد ولم يبد أي موقف متشدد تجاه ذلك سوى بيانات الإدانة والاستنكار، رغم كل ما تمارسه هذه القوى بحق الشعب السوري من دمار وتدمير ممنهج وأظهر للعالم أجمع ضعفه وتردده مقابل الاندفاع الروسي الإيراني الجامح، كما وقف إلى جانب شرعية الرئيس اليمني ياسر عبد ربه لكنه في المقابل لم يفعل شيئا إزاء سقوط العاصمة صنعاء بيد المتمردين الحوثيين المدعومين بقوة من قبل إيران وترك الصراع يحتدم في اليمن وتحول الصراع الآن إلى صراع بين الدول الخليجية وإيران لكن بشكل غير معلن لكنه واضح للجميع، كما أنه يقف إلى جانب حليفه تركيا ضد حزب العمال الكردستاني ب ك ك ويدعم بقوة جناح ب ك ك في سورية حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د رغم كل اعتراضات تركيا وكذلك غض النظرعن ممارسات ب ي د القمعية بحق المجلس الوطني الكردي رغم تكراره القول وعلى لسان ممثليه بأنهم لايتعاملون سياسياً مع ب ي د بينما نتعامل مع المجلس الكردي سياسياً ، ومن الجهة الأخرى ركز كل جهده السياسي على محاربة منظمة داعش الإرهابي وغض النظر عن محاربة جبهة النصرة الإرهابية ولم يفعل شيئا تجاهها أثناء قيام النصرة في قمع حلفائه من حركة حزم وجيش ثوار سوريا حتى أضحت قوة يحسب لها الف حساب في المناطق الخاضعة للمعارضة السورية وهناك اتهامات بدعمها للنصرة في اوقات معينة، وفي لبنان وعلى الرغم من تصنيفه حزب الله منظمة إرهابية منذ الثمانينات لكنه تجاهل هيمنة الحزب على لبنان وتقزيم دور حلفاء أمريكا التاريخيين لها في لبنان، كما أنه لم يستمع إلى احتجاجات حليفه التاريخي والأساسي في المنطقة اسرائيل بالتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران وتقوية حزب الله على حدودها.
من كل ما تقدم نلاحظ أن سياسة أوباما طيلة فترة حكمه قد أدت إلى تنامي وبروز قوتين تهيمنان على الساحة الشرق الاوسطية هما إيران والمنظمات الإرهابية المتطرفة مع اضعاف واضح للقوى المعتدلة والحلفاء التقليديين لأمريكا مثل تركيا والدول الخليجية بالترافق مع تصدر روسيا الاتحادية للمشهد السياسي والعسكري على الساحة ودور أمريكي خجول مقتصر على محاربة داعش وتقديم الدعم للقوى التي تحاربها فقط، مما دفع والحالة هذه توجه بعض القوى الحليفة تقليدياً لأمريكا إلى التقرب من روسيا وكسب ودها وتقديم الإغراءات الاقتصادية لها مقابل مواقف سياسية محددة في أماكن معينة.
إزاء هذه اللوحة السياسية المعقدة والمليئة بالمتناقضات في الموقف الأمريكي تجاه الصفيح الساخن في الشرق الأوسط يتوجه الانظار إلى الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب وكيف سيتعامل مع هذه الملفات الساخنة والمتداخلة والمليئة بالمتناقضات؟ ومع أي محور سيقف؟، خاصة إذا علمنا أن الصراع يتبلور تدريجيا إلى شكل مذهبي بين محورين باتا واضحين على الساحة على حساب تغييب شبه كامل لمفردات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ورفاهية شعوب المنطقة، إضافة إلى تنامي وتمدد المنظمات الإرهابية في المنطقة رغم محاربتها من قبل المجتمع الدولي ككل منذ أكثر من سنتين دون تحقيق نجاحات ملموسة على الصعيد الجغرافي والميداني، كما أن تصريحات ترامب المتناقضة أثناء الحملة الانتخابية تجاه دول المنطقة يثير الكثير من اللغط لدى هذه الدول وبدأ الكل يتحسس على راسه ويحاول كل طرف ما امكن تجنب التصادم وتجنب الضربة مع الرئيس القادم والمصمم على إحياء الدور الأمريكي بقوة في المنطقة، وكيف تكون مسارات ومآلات الصراع في المنطقة؟ إنها أسئلة مشروعة بحاجة إلى أجوبة واضحة من قبل ترامب وفريقه وإن غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى