آراء

ثقافة الائتلاف الوطني السوري

د. محمود عباس
الائتلاف، التجمع الأكبر للمعارضة السورية في الخارج، المحتضن لعدة شرائح مختلفة فكرياً وعقائدياً، يظهرون ذاتهم بأنهم ممثلو الثورة السورية، حصل على الصفة من خلال مساندة الدول الكبرى له، ظهر في بدايات تكوينه بشرعية مقبولة. وعليه كان من المفروض أن يلتزم بأبعاد ثورية، ووطنية في خطابها وتصريحات مسؤوليها، ورؤيتها لجميع مكونات الشعب السوري، وخاصة الكردي، الذي تآذى من سلطتي البعث والأسد أكثر من بقية الشعب السوري. ويتطلب منها في حاضرها أن تعرض ثقافة مغايرة عن الثقافة التي نشرها البعث والأسدين في الوطن، وتكون شفافة في تقييمها للفصائل المسلحة داخل الوطن، تفرز بين من يمثل الثورة السورية ومن يساند في تطويل عمر سلطة بشار الأسد، ويتطلب فضح جرائمهم وأيديولوجيتهم المتنافية مع مفاهيم الثورة، والأهم أن تبتعد عن التمييز العرقي بين الكرد والعرب، وتعترف كمفهوم ثوري بحقوق الكرد الكلية، ضمن سوريا فيدرالية بنظام لا مركزي.
بين فينة وأخرى، تظهر التناقضات بين الغاية التي تشكلت من أجلها الائتلاف وبياناته، وتصريحات البعض من ممثليه، فيتناسى البعض منهم انهم ينشرون ثقافة التعتيم، وينكرون وجود الأخر، تحت غطاء الوطن للكل، والكل هو الشعب السوري. لكن لهجتهم السياسية تتغير عندما يتعرض العنصر العربي إلى الانتقاد، أو يكون هناك مطالبة المساواة بهم وخاصة من قبل الكرد.
مطالب الثورة السورية بقيت طوال السنوات الأربع الماضية أعلى سقفا من عروض قادة الائتلاف، والعملية ليست في انحرافهم عن الثورة بل بعدم تمثيلهم لها، لم تتبنى الائتلاف شعاراتها وغايتها يوما، فالأغلبية من مؤسسيها لا يزال يؤمنون بثقافة مدارس البعث، الثقافة التي غرزت عنوة في ذهنية الطفل السوري، كما وعمل على تطويرها شريحة من خارج البعث، الذين يشكلون مع شريحة البعث والإسلاميين السياسيين العروبيين أغلبية الائتلاف الوطني السوري، فليس بغريب عدم تطبيقهم مفاهيم أسقاط النظام في ذاتهم، وتركيزهم على مخططات تغيير السلطة، ليعود البعث، بثقافته، ويحكموا سوريا ثانية بالدمغة العروبية.
في هذه الفترة برز المتحدث الرسمي باسم الائتلاف، والمندرج ضمن هذه الشريحة، وهو المتآذي من سلطة الأسد، عائليا، فقد كانوا ضمن معارضة البعث الصدامي ضد الأسد، وهو ما دفع به ليكون ضمن المعارضة ليس إيمانا بمفاهيم الثورة والوطن للكل، ومن المؤسف أن يكون أبن المنطقة نفسها بالخلفية الثقافية المشابهة لثقافة البعث تجاه الكرد وقضيتهم.
تحت حجة الوطن للكل والانتماء إليه ضمن سورية موحدة، تكرست العروبة في منظمات المعارضة، بطريقة لا تقل مما فعله البعث سابقا، والأغلبية منهم يستخدمون الثورة والصراع الجاري لإعادة السلطة السابقة بطرق أخرى تتلاءم والعصر. فلا تمر مناسبة ومؤتمر بدون ظهور خطاب عنصري، وهم المذنبون أمام المعارضة النقية والثورة السورية على تغيير معظم الدول الكبرى مسارها ومساندتها للثورة السورية، وكانوا وراء عزل المعارضة رويدا رويدا مثلما همشت قبلهم المجلس الوطني السوري، وهم في ثقافتهم لا يختلفون كثيرا عن هيئة التنسيق (معارضة السلطة للسلطة) ولا عن السلطة ذاتها، حتى ولو كانت مطالبهم مختلفة قليلا.
الائتلاف الوطني السوري، ومنذ نشأته، لم يطرح يوما مفهوما يشد من اللحمة الوطنية، ومعظم ما يفعلونه ويطرحونه نهوض آخر لثقافة البعث، وإن لم يكونوا بعثيين فقد كانوا عروبيين في الفكر والثقافة، حتى تلك الشريحة المختفية تحت عباءة الدين، بحزب الإخوان المسلمين. فنهجهم السياسي وطروحاتهم الفكرية أدت إلى التغيير الظاهر في سياسة الإدارة الأمريكية، ورغم تأكيد وزير خارجيتها على عدم الجلوس مع الأسد شخصيا، ويؤكد على عزله، لكن قبوله الحل السياسي مع النظام تهميش لجبهة واسعة من المعارضة الخارجية، وتأييد لطروحات هيئة التنسيق، أي عمليا تبرز هنا سياسة روسيا وإيران على الساحة، وهي من نتائج ثقافة البعض من قادة المعارضة.
مرت ذكرى ثورة 12 آذار 2004 الكردية، والتي أبتعد عنها المجتمع العربي بكليته بطريقة أو أخرى، بل عارضها شريحة عروبية، وحاربت الكرد حينها، ومن ضمنهم مجموعة من العشائر العربية، على خلفية مواجهة الكرد لسلطة الأسد، وقد حرفت الثورة حينها من ثورة كردية سورية ضد سلطة بشار الأسد إلى ثورة كردية ضد العرب، واتهمت بحركة انفصالية. غطت الثقافة نفسها بيان الائتلاف الوطني السوري، بالتعتيم على الشعب الكردي وشهداءه، تحت غطاء توسيع آفاق الثورة الكردية إلى ثورة وطنية تخص سوريا كلها، وهي في الحقيقة عملية تندرج ضمن منطق الإنكار الذي فرضته سلطة الأسد والبعث على مدى عقود. لتتجاوز الائتلاف هذه الثقافة، كان عليهم نقد التخاذل الذي حصل من قبل الجانب العربي حينها، علما بأن معظمهم وحتى اللحظة يرفضون الكيان الكردي باسمه وقضيته، وعليه يطمرون خصوصية ثورة 2004 الكردية، وإضفاء الصفة الوطنية عليها ليس تمجيدا، بل تمويه لطمس اسم الكرد، هذه حقيقة ثقافة الأغلبية في قيادة الائتلاف، ومن نتائجها خلق الصراع بين الكرد والعرب. ولا شك لا يطلب من الائتلاف التمجيد بالكردي كما يريده الكردي لذاته، لكن التذكير بخصوصية الشعب الكردي واجب وطني، والتذكير بأن طريقة الإنكار التي اتبعتها قبلهم سلطتي البعث والأسد ثقافة عنصرية، ضرورة ثورية.
الاستشهاد بالكرد ليس انتقاص لوطنية الائتلاف، وتحديد القضايا لا تلغي البعد الوطني، بل الإنكار توسع هوة الخلافات بين القوميات التي يجب أن يتشكل منهم سوريا القادمة، فكان الأولى بالائتلاف التذكير بشهداء الكرد في ثورة 2004 فلم يختلط دم شهيد من العرب بدماء شهداء الكرد، والصمت على هذه الحقيقة غبنٌ من الائتلاف، ولا يحق له سرقة نضال الشعب الكردي ضد سلطة بشار الأسد ومن وقف إلى جانبه من القوى العربية حينها، وتغيير المواقع بين الكرد والعشائر العربية التي نهبت ممتلكات الكرد حينها بمساندة سلطة بشار الأسد، فالقوة العروبية التي ساندت السلطة تبرز ذاتها وكأنها ثورية والكرد أصبحوا من التبعية! ولا يفوتون فرصة بالتهجم على الحركة الكردية، ويتهمونهم بالوقوف في الجانب الخاطئ أو المتقاعس ولا يستأهل من قبل المعارضة العروبية التذكير بهم وبشهدائهم! فعلى الائتلاف عدم التهاون في هذا التحريف لمسيرة الثورة السورية.
وعليها الاقتناع بأن ثورة 2004 ظهرت واستمرت كردية وبامتياز، رغم كل محاولات الشعب الكردي نقلها من الإطار القومي إلى الإطار الوطني، لكن السلطة تمكنت من حصرها فيهم، وابتعدت القوى العربية عنها، بل قاومتها في العديد من المناطق. وثورة 15 آذار عام 2011 هي ثورة الشعب السوري، التي شارك فيها كل الأطياف، والكرد أيضا كانوا في مقدمة الشرائح التي وقفت في وجه النظام، رغم التاريخ السابق، وعلى الائتلاف التمجيد بالشعب السوري عامة دون تحديد، واعتبارها ثورة الشعب ضد النظام، ولا علاقة للشعب السوري بالحرب الطائفية الأهلية الجارية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurd@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى