آراء

جمهورية عفرين الحمراء!

جان كورد
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد باستمرار بغزو شامل لمنطقة جبل الأكراد التي مركزها مدينة عفرين لأنه كما يقول لن يسمح بأن تقوم “دولة كوردية” في شمال سوريا. ولماذا لا يحق للكورد في سوريا أن تكون لهم “دولة”؟ لأنها ستقضي على وحدة التراب العربي السوري، حسب رأيه، ويقول هذا في الوقت الذي تخرّب جنازير دبابات جيشه العرمرم طرقات وشوارع سوريا وأراضيها الزراعية، ويقيم جداراً عازلاً بين بلاده وشمال سوريا، على الأرض التي هي سورية بموجب اتفاقيات الحدود المعترف بها سابقاً بين الدولتين الجارتين. نعم، هذا الجدار لا يكلّف الأراضي التركية شيئاً ولا يقتطع منها شبراً واحداً، بينما تسلب أراضي الكورد السوريين منهم، وبساتين زيتونهم وكروم أعنابهم وحقول قمحهم، في صمت وخنوع “الإئتلاف” السوري، الذي فيه مجلسنا الوطني الكوردي الساكت تماماً عن بناء هذا الجدار على أرض الشعب الذي يزعم المجلس أنه يمثله أمام العالم.
ولذا، علينا قول الحقيقة للعالمين العربي والإسلامي، ومن خلفهما كل العالم، مهما كانت هذه الحقيقة مرّة:
ليس هناك أي حزبٍ أو حركةٍ معروفة، ولها تنظيمات على أرض الواقع، مطلبه أو مطلبها إقامة دولةٍ كوردية في شمال سوريا، فهذا الزعم عارٍ عن الصحة وهو من تلفيقات الإعلام العنصري للذين يرفضون أن يتمتع الكوردي حتى بالحق في ترميم منزله من دون إذنٍ مسبقٍ منهم، ومع الأسف يتفق على هذا الموقف العدواني الشرس ضد إرادة الشعب الكوردي سياسيون وقانونيون دوليون ومفكرون وعلماء دين، من عربٍ وتركٍ وفرس، رغم كل صراعاتهم ونزاعاتهم، بحيث لا يتفقون إلا على محاربة الكوردي وطموحه في أن يعيش حراً مستقلاً على أرض آبائه وأجداده.
بعد انتصار ثورة اوكتوبر الشيوعية بفترة، أعلن البولشفيك تأسيس “جمهورية كوردستان الحمراء” في المنطقة المتنازع عليها بين الآذريين والأرمن على الدوام، ولما تسنى للشيوعيين السيطرة على الطرفين كلياً، تم القضاء على الجمهورية الكوردية بسرعةٍ ساحقة. وتفس الشيء نلاحظه لدى انعقاد مؤتمر (سيفر) في عام 1920، حيث تمت الموافقة الدولية على منح الكورد فرصةً للاستقلال، ثم سرعان ما قضي الأمر وأقفل الباب في وجههم بعقد معاهدة (لوزان) في عام 1923، عندما تأكد للمستعمرين أنهم قد سيطروا تماماً على “الجمهورية التركية” التي أسسها مصطفى كمال وسهر على أن تتبع الدول الاستعمارية في كل شيء، مقابل سكوتها عن تدمير الكورد وكوردستان، وكذلك انسحب الروس بتواطؤ أمريكي في عام 1947 بعد أن سمحوا للكورد بإقامة دولتهم في شرق كوردستان، في مدينة (مهاباد) تحت قيادة الرئيس الشهيد قاضي محمد الذي أعدمه الشاه العميل للولايات المتحدة الأمريكية والذي أنشأ علاقات جيدة مع الروس أيضاً في الوقت ذاته. وقبلها تم التآمر البريطاني – الأمريكي على كلٍ من ثورة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي الذي أعلن نفسه ملكاً في جنوب كوردستان، وثورة (خويبون – الاستقلال) في شمال كوردستان. ومعلوم أيضاً لكل مضطلعٍ على الوقائع التاريخية لكوردستان أن ثورة أيلول المجيدة أصيبت بالهزيمة الماحقة في عام 1975، نتيجة دعم السوفييت الكبير للحكومة العراقية، وخيانة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر حينذاك لقائد الثورة، البارزاني مصطفى، خيانةً دنيئة.
أما في غرب كوردستان التي يسميها العرب والترك بشمال سوريا، فإنه حتى يومنا هذا لم تؤسس حركة أو أي حزبٍ سياسي كوردي له رأسمال شعبي، طالب أو يطالب بدولة كوردية، والزعم بأن حزب العمال الكوردستاني طالب بذلك مجرّد افتراء وهو كلام صادرٌ عن أناسٍ لا يعرفون عن حقيقة مطالب هذا الحزب إلا القليل، فرئيس الحزب المعتقل منذ 17 عاماً قد أكّد في مقابلة له مع الصحافي السوري الدرزي نبيل الملحم تم نشرها بالعربية على شكل كتاب بعنوان (سبعة أيام مع آبو) ينكر تماماً وجود “كوردستان” في سوريا، بل بزعم بأن “كورد سوريا” ليسوا إلاّ “أتراك” نزحوا لأسباب مختلفة من تركيا إلى سوريا، ومهمته التي على عاتقه هو “إعادتهم إلى وطنهم!”، فأي حزب انفصالي هذا وهل في هذا الكلام أيها القانونيون والسياسيون السوريون والأتراك أي إشارة إلى “قيام دولة كوردية” في شمال سوريا؟ كما أن الناظر إلى (مانيفستو) حزب العمال الكوردستاني الذي كان الأساس الفكري والسياسي له لا يتضمن أي إشارة إلى إقامة دولة كوردية تضم أجزاء كوردستان المحتلة، وطوال كفاح هذا الحزب، فإن فكرة الدولة المستقلة له كانت في حيز “شمال كوردستان” فقط، ولعبت أجزاء كوردستان الأخرى له دور العمق الاستراتيجي الذي أمده بالمقاتلين والمقاتلات وبالأموال والمثقفين والإعلاميين، وما إلى هنالك من احتياجات التعبئة القتالية.
ما يوجد الآن على الساحة في غرب كوردستان طرفان سياسيان لا ثالث لهما: المجلس الوطني الكوردي المعروف ب”أنكس” الذي لأحزابه هدف استراتيجي واضح، ألا وهو النضال السلمي من أجل سوريا ديموقراطية اتحادية (فيدرالية” يتمتع فيها الشعب الكوردي بفيدرالية قومية)، وبعد مشاحنات وتوافقات، انضم هذا المجلس الذي فيه عدة أحزاب سياسية، ذات تاريخ نضالي طويل، إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، التي أحد مرازها الأساسية مدينة استانبول التركية، فكيف تسمح الحكومة التركية بحضور جهةٍ مطالبة بالاستقلال الكوردي لديها، وكيف يقبل الائتلاف السوري الوطني بعضوية طرفٍ ما يريد الانفصال عن سوريا؟
بالنسبة إلى الطرف الآخر حزب الاتحاد الديموقراطي (بى يى دى) الذي نعلم جيداً أنه سائرٌ على نهج “أوجلان”، ويفتخر بتبعيته لهذا الزعيم، فإن برنامجه لا يتضمن أي عبارة تشير إلى مطلبه القومي أو انتمائه القومي أو سياسته القومية الخاصة بالكورد، وخلال سنوات نضاله الطويلة لم يتبرأ بعد مما قاله زعيمه الروحي عن “غرب كوردستان” من نفي وتنكر لوجوده، بل إنه لا يعترض – حسب معرفتنا التي ربما تكون ناقصة أو خاطئة – على المواقف المعادية لاستقلال كوردستان لقادة حزب العمال الكوردستاني المؤسسين، القابعين في كهوف جبل “قنديل” بجنوب كوردستان، والذين منهم من هدد بحرق اقليم جنوب كوردستان يوم الاستفتاء على الاستقلال في 25/9/ 2017
فأين هم دعاة إقامة “دولة كوردية” في شمال سوريا يا فخامة رئيس الدولة التركية، الذي برلمان بلاده يجرم كل من يتلفظ بكلمة “كوردستان” إيجاباً أو سلباً، ويا كبار المعارضين السوريين، وأخص منهم رجال القانون الدوليين و بروفيسورات العلوم السياسية والدبلوماسيين المنشقين عن نظام الأسد الناشطين الباحثين عن الأضواء في أقنية التلفزيونات العربية وعن الظهور بمظهر رجال المستقبل السوري في المؤتمرات السورية والعالمية؟
إن سنحت للكورد فرصة دولية لقيام “دولة” لهم، فلن تكون في مدينة عفرين يا فخامة السيد أردوغان، بل في مدينة القامشلي التي تعتبر من المدن الكوردية الرئيسية في غرب كوردستان، فلماذا التركيز على عفرين؟ وهل هناك توافق سري بينك وبين “الحلفاء”؟ وإن تم لشعبنا في جبل الكورد الذي سماه آباؤكم الطورانيون والعثمانيون أنفسهم “كورد- داغ” أن يؤسس لنفسه دولة مركزها “عفرين” على غرار “جمهورية كوردستان الحمراء” في أيام حكم البولشفيك في الاتحاد السوفييتي، فإنها محاطة من ناحيتي الشمال والغرب من طرف دولتكم القوية، فماذا سيكون لها من تأثير اقتصادي وسياسي على تركيا التي تعتبر من دول العالم الثرية والمسلحة تسليحاً جيداً، فها أنتم على علاقة وثيقة مع إقليم جنوب كوردستان وتربحون من التعامل معه والاستثمار فيه المليارات من الدولارات سنوياً؟ بل على العكس من ذلك فإن “جمهورية عفرين الحمراء أو الخضراء” ستكون حقل استثماراتٍ جديد لشركاتكم ومنطقة (تابونية) عازلة بينكم وبين المناطق التي يمكن أن تأتيكم منها العواصف. ثم نسألكم: كم ستبقى صامدة هكذا جمهورية كوردية في “عفرين” التي ترسلون بوحداتكم العسكرية صوبها، في وجه الرياح العاتية؟ ألن يقضي عليها توافق بينكم وبين القوى الدولية التي تتناقش سراً وعلانية على مناطق نفوذها في سوريا؟ فلماذا استخدام القوة ضد “عفرين” وأهلها الذين لا يريدون سوى السلام ولا يؤمنون ب”الكانتونات الفانتازية” المشكوك بأمرها أصلاً، وإنما بالحياة السلمية مع العرب والترك في المنطقة، أفلا تعلمون من تجاربكم أن استخدام القوة ضد شعبنا الفقير مستمر منذ أيام خلافتكم العظيمة على سائر شعوب المنطقة، إلا أنكم لم تتمكنوا من قهر إرادة الشعب الكوردي؟ أليس الحوار السلمي بأفضل سلاحٍ في التعامل مع قضايا الشعوب؟ أم أنكم لا زلتم أولئك الغزاة الفرسان الذين انطلقوا من صحاري آسيا الصغرى وتحلمون بالسيطرة على العالم كله، وإذا تمردت شعوبه عليكم، تقولون: إن هذا يهدد أمننا القومي؟
نعم، إن عصرنا هو عصر التلاقي فالحروب لا تنتج سوى الكراهية والدمار، فلتكن رئيساً للسلام والتآخي والتعاون والاستقرار في المنطقة، لا فارساً ممتشق السيف للحرب غير المنتجة. وليكن لكم في انهيار صدام حسين بجبروته وطغيانه مثالاً مفيداً.
جميع المقالات المنشـورة تعبـر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـر بالضــرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى