آراء

خصوصية وطبيعة دور المثقفين الكرد في النضال القومي الكردي

عبدالغني علي يحيى
أجرت إذاعة صوت كردستان وفروعها في دهوك والسليمانية وعقرة ندوة تحت عنوان (دور المثقفين والفنانين والاعلاميين الكرد في الحرب على داعش) شارك فيها كاتب هذا المقال الى جانب كل من مؤيد طيب العضو السابق في البرلمان العراقي والاعلاميين: أيوب رمضان وآفان جمال، وانقسم المشاركون بين الاعتراف بذلك الدور وبين التنكر له. وهذه ليست المرة الأولى يطرح فيها للنقاش دور المثقفين الكرد في قضايا الحرية والنضال القومي الكردي، فلقد سبق وان طرح اكثر من مرة، كما ويثار بين آن و آن دور المثقفين في قضايا الحرية سيما في البلدان النامية، وفي مناقشتهم له يذهب بعضهم حد تجاهل ذلك الدور والتهجم على المثقفين وهو الغالب في المناقشات.
كاتب هذه السطور يرى، ان هنالك خصوصية في دور المثقفين الكرد في الحركة التحررية الكردية ولاحظ ذلك ميدانياً، ففي الستينات من القرن الماضي، التقيت بسجناء سياسيين كثيرين في العديد من السجون العراقية، وسجناء آخرين من المسجونين في سجن (نكره السلمان) كانوا في معظمهم من المثقفين: (المعلمون، المدرسون، المحامون، المهندسون، الموظفون، الطلبة..الخ) في حين كان عدد العمال والفلاحين والكسبة ضئيلاً بين المساجين ليس المساجين الكرد فحسب بل الشيوعيين أيضاً. واثناء اشتراكي في ثورة ايلول الكردية 1961-1975 وجدت الحالة معكوسة، إذ أن اكثر من 95% من المشاركين في الثورة كانوا من أبناء العشائر والفلاحين والقرويين الأميين وشبه الأميين إلى جانب قلة ضئيلة من المثقفين فيها. فعلى سبيل المثال، أذكر كيف ان قسم التعليم (به شى زانياري) في قرية (ناوبردان) بقضاء جومان كان عبارة عن مدرس من خريجي الأزهر الاستاذ محمد أسماعيل الذي ترأس القسم بمعاونة 3 معلمين فقط، هم: لطيف نادر ومحمد علي مصطفى و معروف ناصر فضلاً عن عدد قليل من المدرسين في متوسطة (كلاله) اضافة الى عدد آخر كانوا يتولون مناصب حزبية وكان عددهم جد قليل، عدا هذا فلقد كان للمثقفين الكرد الدور الأبرز بل يكاد يكون الوحيد في تأسيس الأحزاب القومية الكردية: هيوا، رزكاري، ازادي، وفيما بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس على يد الراحل مصطفى البارزاني عام 1946 كذلك الحال بالنسبة للمثقفين العراقيين والمثقفين في العالم أجمع الذين كانت لهم اليد الطولي في تأسيس الأحزاب ببلدانهم، وبسبب من دورهم الوطني، المثقفون الكرد، فلقد كانوا أشد عرضة للأعتقال والطرد من الوظيفة والتصفية الجسدية من اعضاء باقي القطاعات الاجتماعية والمهنية في الحزب.
وكما يقال ان في كل قاعدة استثناء، ففي ثورة أيلول مثلاً كان دور المثقفين ضيقاً شبه معدوم في المناطق المحررة، مقابل دور بين لرجال الدين وطلبة المدارس الدينية (الكتاتيب) في الثورة بصفة مناضلين حزبيين ومسؤولين سياسيين في صفوف البيشمركة والحاملين للسلاح منذ الأيام الأولى للثورة، ويعزى ذلك الى عددهم الكبير في المناطق المحررة، فيومذاك كان لكل قرية مسجد في حين لم تكن في كل قرية مدرسة، ومن الرموز الدينية الكردية المثقفة واللامعة المشتركة في تلك الثورة: ملا انور المائي الذي استشهد في وقت مبكر وملا خليل مشختي و ملا حمدي السلفي..الخ، ان الذين حملوا لقب الملا كانوا كثيرين للغاية في ثورة ايلول حتى قائد الثورة مصطفى البارزاني كان يحمل اللقب نفسه، وكان للافراد من شيوخ الطريقة القادرية والنقشبندية دورهم الذي لا يستهان به في الثورة، واذ لا ينكر دور المثقفين المتدينين في الثورة، والذين كانوا صارمين ازاء اعداء الثورة ومتمسكين بنهج البارزاني بقوة، لا يغفل عن البال ان رجال الدين الكرد في المناطق الخاضعة للحكومة العراقية لم يكن لهم من دور يذكر في مقارعة الدكتلتورية وذلك على الضد من المثقفين العلمانيين الكرد. وذلك بسبب واقعهم وطبيعة عملهم واقتصر تعاطفهم مع الثورة على تأييدها في المجالس.
وفي الكفاح الكردي المسلح ضد داعش، نقف على حقيقة كبيرة وهي ان اكثرية حاملي السلاح من الكرد هم من الطبقات الفقيرة الذين لم يؤتوا من الثقافة والعلم إلا قليلا. وهكذا ففي ثورة ايلول والحرب على داعش نلقى ابناء العشائر و الكادحين في الخط الامامي ويتوارى دور المثقفين باستثناء مراسلي المؤسسات الاعلامية والفنانين من المصورين بالأخص فهؤلاء يعرضون حياتهم للخطر وينقلون اخبار العمليات القتالية في الجبهات الامامية، وهذا لا يعني انهم الاكثر استعداداً للتضحية من بقية المثقفين، بالرغم من شجاعتهم وبسالتهم التي لا تنكر، بل ان تواجدهم في الجبهات الالمامية تفرضه طبيعة عملهم، ونقف على الوضع نفسه على النطاق العالمي فالصحفيون والاعلاميون فيه يمارسون الشيء نفسه الذي يمارسه الاعلاميون الكرد وفي وضع مشابه لوضع الاعلاميين الكرد.
ان من المحجف، إنكار دور المثقفين والادباء والفنانين الكرد علمانيين منهم ام متدينين، اذ لهم خصوصيتهم في النضال القومي الكردي وفق ما عرضته. ومن بين الذين يواجهون انتقادات حادة المثقفون السياسيون، اي السياسيين الذين بدورهم فصيلة من فصائل المثقفين، والذين يواجهون حملة شعواء لاخذهم بذنب زمرة من السياسيين الفاسدين، من المتنفذين في السلطة، ان سحب الاتهام على كل السياسيين باطل اذا علمنا انه في كل الازمان غالباً ما نجد السياسيين يصعدون على اعواد المشانق وهم الذين يطالهم الخطف و الاغتيال والقتل وبالاخص في أجواء القلاقل والاضطرابات. وفي الختام، لا يسعني إلا اختتام هذا المقال بقول للفيلسوف الالماني (هيغل) وهو (الواقعي يعني العقلاني) ومن هذا الفهم يجب تفييم دور المثقفين على اختلافهم، في الحركة القومية الكردية، اما مطالبتهم بكذا وكذا من مواقف ونتاجات ابداعية، فأنها الستالينية بعينها التي ينصح بالابتعاد عنها وإدانتها.
Al_botani2008@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى