آراء

داعش لعبة مخابراتية إقليمية/دولية بامتيار

فؤاد عليكو

لقد فاجأ تنظيم “الدولة الإسلامية في الشام والعراق” أو ما يسمى اختصاراً بـ(داعش) جميع القوى الدولية والإقليمية والمراقبين السياسيين بتمددها الكبير والسريع في سورية والعراق منذ بداية هذا العام 2014م، حيث احتلت مساحات شاسعة في الدوليتين تقدر بما يعادل مساحة سورية أو أكثر، وأصبحت كل المناطق الصحراوية في سورية والعراق تحت نفوذها بالإضافة إلى مدن هامة كالرقة ودير الزور وقسم من الحسكة والموصل وتكريت والأنبار والعديد من البلدات التابعة لها، بالإضافة إلى مدن شرق حلب باستثناء كوباني المحاصرة منذ أكثر من شهر والتي تدور فيها رحى معارك ضارية بين التنظيم وقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وفصائل من الجيش الحر.

إضافة إلى احتدام الصراع في جبهات عدة في سورية والعراق ومع فرق متعددة الانتماء والولاء سنة وشيعة وكرد. والسؤال الكبير المطروح اليوم من أين استمدت داعش كل هذه القوة حتى تمكنت من السيطرة على هذه الجغرافية الواسعة في البلدين؟.

وعليه جرت وتجري اتهامات متبادلة بين القوى الإقليمية المتصارعة على الكعكة السورية بعد الثورة الشعبية السورية التي بدأت في آذار 2011م، فالنظام السوري ومن خلفه حليفه الإقليمي إيران والدولي روسيا تبنوا نظرية المؤامرة على نظام (الممانعة والمقاومة) كما يصفونه، وبأن ما يحصل في سورية ليس ثورة شعبية كما يدعي بعضهم؛ وإنما هي مؤامرة ينفذها مجموعة من المندسين والإرهابيين والغوغائيين ويريدون بها النيل من (صمود) سورية التي تواجه المخططات الإمبريالية والصهيونية والتيارات السلفية والدينية الأخرى المدعومة من السعودية وقطر وبعض دول الخليج وتركيا.

ويعتبر هؤلاء السعودية الحاضنة الأساسية للفكر السلفي التكفيري الجهادي وأن القاعدة تم صنعها من قبل المخابرات السعودية والباكستانية والأمريكية لضرب نظام الحكم الشيوعي في أفغانستان عبر عملائهم من أمثال عبد الله عزام إلى أسامة بن لادن وملا عمر.

لكن وبعد أن تم لهم ذلك وسقط النظام الأفغاني دب الخلاف بين القاعدة وطالبان من جهة وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى على السلطة في أفغانستان وحصل التصادم بينهم فكان تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك 2011 ذريعة أمريكية لاحتلال أفغانستان.

واليوم يعيد التاريخ نفسه حيث تعمل نفس القوى على ترتيب أوراق هؤلاء التكفيريين لضرب سورية (المقاومة) واحتلالها أو تقسيمها فالسعودية وقطر تقدمان الدعم المادي والإعلامي وسياسة التحريض الديني الطائفي المكشوف؛ وتركيا تقدم الدعم اللوجستي وتسهيل العبور لهم إلى سورية، كل ذلك بالتخطيط والتنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية.

أما القطب الآخر المخالف لهم فيؤكدون بأن داعش صناعة مخابراتية سورية إيرانية بامتياز، ولا يستبعد هذا القطب مشاركة المخابرات الروسية في التآمر، ويستندون في ذلك على عدة معطيات منطقية حيث أن القاعدة وبعد أن طردها لقوات التحالف الدولي من أفغانستان لجأ معظم قادتهم إلى إيران وسورية حيث أمن لهم الملاذ الآمن هناك، وعندما دخلت أمريكا العراق هرب العديد من قادة البعث إلى سورية أيضاً واستخدم الأمن السوري الطرفين لزعزعة الاستقرار في العراق وضرب القوات الأمريكية والعراقية الناشئة، حيث تم تجنيد الكثير من الانتحاريين في سورية عن طريق الداعية القعقاع وغيره، ودفعهم باتجاه العراق، إلا أن قويت شوكتهم هناك من خلال قائدهم الأردني الزرقاوي وإعلانه عن تشكيل جماعة التوحيد والجهاد 2003م، وقام بعد ذلك بسلسلة عمليات انتحارية كبيرة في 2005/2006 واتهم المالكي رئيس وزراء العراق آنذاك سورية مباشرة بأنها وراء كل هذه التفجيرات والأعمال الإرهابية التي تحدث في العراق، وتوترت العلاقة بين الطرفين إلا أن دخلت إيران على الخط وأصلحت بينهما، لكن القاعدة لم تخفف من نشاطها مما اضطر المالكي إلى محاربتها وزجهم في السجون كما أن سورية وإرضاءً لحليفها الجديد المالكي قامت بمنعهم من دخول العراق وزج العديد منهم في السجون وقتل القعقاع نفسه، لكن وبعد اندلاع الثورة السورية ارتأى النظام وبمساعدة من المخابرات الإيرانية استخدم هؤلاء مجدداً لتوجيه مسار الثورة باتجاه إثبات نظريتهم بأنهم يحاربون الإرهاب، حيث تم الإفراج عن جميع قادتهم في سجونها كما أوعزوا للمالكي بالإفراج عنهم أيضاً فكانت مسرحية سجن أبو غريب حيث تم الإفراج خلالها عن أكثر من 1000 إرهابي شرس بطريقة هزلية باهتة وتم دفعهم باتجاه الثوار بشكل مبرمج أمنياً بحجة (محاربة النظام) وعمل هؤلاء في الخنادق الخلفية للجيش الحر دون تصادم يذكر مع النظام وتمددوا في المناطق التي انتزعها الثوار من النظام إلى أن تم تسليم محافظة الرقة لهم من قبل النظام دون قتال يذكر. وانطلت اللعبة على الجيش الحر وقويت شوكتهم وبدأوا بالتصادم مع الثوار وقتل العديد منهم وانكشف أمر ارتباطهم بالمخابرات السورية والإيرانية من خلال وثائق بحوزتهم عثروا عليها في أماكن إخلائهم لبعض المناطق عنوة من قبل الجيش الحر.

إلا أن الموقف الإيراني وموقف حلفائه تغير منهم بعد أن هاجموا العاصمة بغداد وسامراء المدينة المقدسة لدى الشيعة بعد احتلالهم للموصل وتكريت، وكان من المفترض حسب المخطط المرسوم لهم من قبل إيران وحلفائها أن يتوجهوا إلى كردستان العراق لإنهاء طموح الرئيس مسعود البرزاني في الاستقلال وكاد لهم ذلك لولا التدخل الأمريكي السريع ووقف تقدم داعش الكبير نحو الإقليم.

وهكذا شعرت جميع الأطراف الإقليمية المتصارعة بأن رأس الجميع مطلوب لدى داعش وأن من يتعامل مع داعش كمن يأتي بالدب إلى كرمه، حيث تعامل مع الجميع مخابراتياً بما فيهم الحاضر الغائب دائماً الموساد الإسرائيلي، حتى قيل في وسائل الإعلام بأن أبو بكر البغدادي تم تدريبه وتهيئته في إسرائيل، وهكذا حققت داعش لكل واحد بعض المكاسب الآنية إلا أنها الرابح الأول والأخير في النهاية، وسيطرت على الجغرافية وعلى الأموال والسلاح وأصبح الجميع يدرك بأنهم غير منأى عن تهديد داعش وإرهابها، وبذلك مهدت الطريق سريعاً لاستصدار قرار مجلس الأمن 1270 الدولي تاريخ 17/8/ 2014م أملاً في لجم اندفاع داعش وتمددها على مساحة جغرافية الشرق الأوسط بكامله، لكن ما كان مأمولاً من القرار إيرانياً وسورياً وروسياً أن يتم من خلال القرار الدولي تأهيل النظام السوري دولياً والاعتماد عليه في محاربة داعش وإعادة الاعتبار له ونسيان جرائمه بحق الشعب السوري وإنهاء الثورة، لكن ذلك لم يحصل.

وعليه ليس مستبعداً أن يتم إعادة فتح القنوات الأمنية مجدداً مع داعش من قبل هؤلاء لابتزاز المجتمع الدولي وإنهاك قوى التحالف الدولي بغية تحقيق بعض المكاسب السياسية من وراء ذلك أو تقوية موقفهم التفاوضي إذا ما توجه المجتمع الدولي إلى عقد جنيف3 في المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى