آراء

سايكس بيكو جديدة بحدود الدم

سالار صالح
إنّ ما حدث في العراق من انهيار مفاجئ للجيش و الأمن العراقي و سيطرة داعش و المجموعات السنية العربية المسلحة على المناطق المحاذية لحدود اقليم كردستان العراق ينذر بصراع كردي – عربي سني مسلح على المناطق المتنازع عليها,
و التي قد استعد لها الاقليم بشكل جيد من خلال تقوية الجبهة الداخلية و بناء حكومة ائتلافية تشمل جميع أطياف المجتمع السياسي في كردستان العراق رغم ان بعض الاحزاب المشاركة في الحكومة لا تتمتع بقاعدة شعبية واسعة إلا ان ظروف المرحلة الحساسة تتطلب اشراك كافة الاحزاب السياسية و المكونات المجتمعية في الحكومة و من ثم اتخاذ القرارات بشكل توافقي لتكون المسؤولية عنها تضامنية و لتجنب حدوث أي شرخ مهما كان صغيراً في الجبهة الداخلية لإقليم كردستان,
من جانب آخر يمهد التوافق الواسع بين القوى السياسية في الاقليم إلى نيل المزيد من الثقة و الدعم من قبل الاطراف الاقليمية و الدولية , و لوجود مصالح مشتركة في مكافحة ارهاب داعش الذي بات يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره, و من شأن ذلك أن يمهد الطريق لإقليم كردستان العراق في سعيه نحو الكونفدرالية أو الاستقلال.
من غير المنطقي وصف ما يجري في العراق بأنه مجرد تمدد لتنظيم داعش الإرهابي, إنما في الحقيقة هو انتفاضة شعبية سنية عارمة نتيجة للتهميش و الإقصاء الذي تعرض له السنة العرب في العراق على يد حكومة نوري المالكي الشيعية, ولن يستطيع المالكي استعادة السيطرة على المناطق التي سقطت بيد السنة مهما امتلك من القوة و الدعم العسكري , فمنطقة الشرق الأوسط برمتها تمر بتحولات كبرى تنذر بانتهاء صلاحية اتفاقية سايكس بيكو, وقد كتبتها منذ قرابة سنة على صفحتي في الفيسبوك بأنّ ” سايكس بيكو تنهار”.
هنالك مؤشرات و دلالات بأنّ الفوضى الخلاقة – التي أفصحت عنها وزيرة الخارجية ‏الأميركية كوندوليزا رايس في حكومة الرئيس الأمريكي جورج دابليو بوش – و التي بدأت تجتاح منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا إبان ما سمي بالربيع العربي قد تمهد لتقسيم دول الشرق الأوسط و إعادة رسم الحدود على أسس قومية ودينية و طائفية و بما يتفق مع المصالح الأمريكية و الإسرائيلية, هذه المرة لن ترسم الحدود بأقلام فرنسية بريطانية أو بإرادة روسية, ولا حتى أمريكية, هذه المرة سترسم الحدود بالدم ربما تماماً كما وضعها رالف بيترز الجنرال المتقاعد ‏ونائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع الأمريكية سابقاً في خطة التقسيم التي نشرت في “مجلة القوات المسلحة ‏الأميركية”، ‏بعنوان “حدود الدّم – نحو نظرة افضل للشرق الأوسط”، ما سمي وقتئذ بمشروع الشرق الأوسط الجديد, والذي بدأ يظهر جلياً للواقع بشكل جزئي بعد العاشر من حزيران , من خلال بروز ثلاثة اقاليم جغرافية متمايزة في العراق (اقليم كردي – اقليم سني – اقليم شيعي), فعلى أرض الواقع لم يعد هناك شيء اسمه العراق الموحد .
و بالمقاربة مع الوضع في العراق نجد أنّ الحالة السورية متشابهة إلى حد بعيد مع المشهد العراقي من خلال عدة نقاط رئيسة:
1- سوريا و العراق بلدين مصطنعين وفق إرادة فرنسا و بريطانيا بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وتضمّان مكونات قومية و دينية و طائفية متعددة لم تجمعها إرادة العيش المشترك, إنما بحكم الجيوسياسية المفروضة على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.
2- كلا النظامين السوري و العراقي مبنيين على أساس طائفي (علوي – شيعي) و يعملان تحت اشراف و وصاية من ايران و مرشد الثورة الاسلامية فيها.
3- السنة العرب في البلدين مضطهدين من قبل النظام الحاكم و يتعرضون للقمع العسكري, وهم الآن في البلدين يقومون بانتفاضة عارمة لنيل حريتهم.
4- تواجد قوي لتنظيم داعش في سوريا و العراق و الذي بات يسيطر على مساحات واسعة متصلة عبر حدود البلدين و مجاورة للمنطقة الكردية في شمال العراق و شمال سوريا , و يحظى هذا التنظيم بحاضنة قوية بين غالبية العشائر العربية السنية, كما يحظى بتأييد البعثيين و يتامى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
5- تفكك و ضعف الجيشين العراقي و السوري نتيجة لحالة الحرب الأهلية و النزاعات الطائفية المستمرة.
إذاً فالسيناريو العراقي مرشح بقوة للتكرار في سوريا و ربما في دول أخرى مثل لبنان و غيرها, لتسقط بذلك اتفاقية سايكس بيكو وتبرز تقسيمات جديدة على أساس حدود الدم نتيجة للصراع الدموي المسلح بين المكونات المختلفة غير المنسجمة و التي تم تجميعها في دول مصطنعة وفق ارادة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى آنذاك أثناء تقاسمها لتركة الإمبراطورية العثمانية , دون منح شعوب المنطقة هذه حق تقرير المصير الذي ورد في مبادىء الرئيس الأمريكي ويلسون الأربعة عشر للسلم , و الذي من الممكن أن يتجسد في نفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى حيز الوجود من خلال نظرية الفوضى الخلاقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى