من الصحافة العالمية

عاشت كردستان… تعيش كردستان حرّة ديمقراطيّة مستقلّة

هوشنك أوسي

الأوطان باقية، والقادة والأحزاب والرموز السياسيّة زائلة. الوطن أكبر من الزعيم وأكبر من الحزب، في فترات المحنة والأزمة والحرب، وفي فترات الازدهار والتطوّر والسلام والرخاء ايضاً. لذا، الزعامات والاحزاب هي خَدَمُ الوطن والمجتمع والشعب والمواطن. مبررات وجود الأوطان من وجود المواطن. وجود المواطن بكل ما لهذه العبارة من دلالات قوميّة ووطنيّة وسياسيّة وحقوقيّة على صعيد الحقوق والواجبات. الوطن يعطي المواطن حقه ويصون هذا الحق، من ثم يأخذ الوطن حقه من المواطن. وحقوق الوطن هي الواجبات المترتبة على المواطن تجاه الوطن على كافة الأصعدة. الزعيم مهما علا شأنه ومقامه ووزنه ودوره، هو في نهاية المطاف مواطن يخدم الوطن، وعبر خدمة الأخير، يخدم المواطنين. انطلاقاً من هذه الفكرة، يمكن أن نفهم المقولات والأفكار التي طرحها الزعيم الكردي مسعود بارزاني الذي أثبت، بالرغم من كل الانتقادات الموجّهة إليه، سابقاً وحاليّاً ولاحقاً، بأنه يجمع في شخصه وتجربته ثلاثاً ربما يكون لها رابع وخامس أيضاً؛ هي الزعامة والقيادة والرئاسة. ذلك أنه ليس كل رئيس بالضرورة أن يكون زعيماً. وليس بالضرورة أن يكون كل زعيم قائداً. بينما مسعود بارزاني، جمع هذه الخصال والأدوار الثلاث: الزعيم، القائد، الرئيس. ولكنه في نهاية المطاف، مواطن، إنسان، يخطئ ويصيب. وربما يخطئ أكثر مما يصيب.
فعلها كرد (العراق) أو كرد الجنوب (باشور) وذهبوا إلى الاستفتاء، وسط طوفان من التهديد والوعيد والتهويل. وفي هذا الذهاب دزّينة من الرسائل، سأتي على ذكر بعضها لاحقاً. ذهب الكرد إلى الاستفتاء على تقرير مصيرهم، وكأنّهم يقررون مصير الشرق الأوسط والعالم أيضاً. ذهب الكرد إلى الاستفتاء، ولم تحدث براكين وزلازل وعواصف هوجاء، ولم يضرب كوكب الأرض نيزك هائل دمّر العالم. ذلك أنه من شدّة التهويل والتخويف والترهيب والتعريب من الاستفتاء الكردي على تقرير مصيره، وكأنّ ذلك من العلامات الكبرى لقيام الساعة وحلول يوم القيامة. كل ذلك التهويل والتخوين والتشنيع، يؤكّد أن الكرد وقيادتهم في الاتجاه الصحيح، وعلى الطريق الصحيح. وأن المسيرة التي بدأها الشيخ محمود الحفيد وعبدالسلام بازراني وقاضي محمد ومصطفى بارزاني، لخّصها مسعود بارزاني، ومعه كل الاحزاب والقيادات الكرديّة والنخب (العراقيّة) في يوم 25 أيلول 2017. هذا اليوم، هو حرق لكل مراكب العودة للوراء، وردم لكل ممرات وخنادق أو أنفاق العودة إلى ما قبل 25 أيلول 2017. وسيأتي اليوم الذي يتم فيه تدريس هذا اليوم (25 أيلول) في كتب التاريخ وعلم الاجتماع السياسي كنموذج لإرادة شعب، ناضل واستبدل وصمد وقرر ونفّذ، ودافع عن قراره وإرادته حتّى النهاية. هذا الصمود الكوني في مواجهة تهديدات كل انظمة الشرق الاوسط ونخبها، وضغوطات كل العالم أيضاً، أقلّ ما يقال فيه بأنه ثورة، بكل ما في الكلمة من معنى وكمون ودلالات. شمس هذه الثورة، بدأت البزوغ، وسيسطع نورها على الشرق الأوسط. وهذا هو سبب رعب وذعر الظلاميين أصحاب اللحى، وحليقي الذقون ومرتدي ربطات العنق أيضاً. ذلك أن الفكر الظلامي الاستبدادي والرجعي، لا يمكن حصره في البيئات الدينيّة المتطرّفة وحسب، بل يشمل البيئات السياسيّة (العلمانيّة، الحداثويّة) المنافقة والكاذبة أيضاً. هذه البيئات المقنّعة، أشار إليها الكثير من أصدقاء الشعب الكردي من الاخوة العرب، كتّاباً وأدباء وباحثين ومفكّرين. وعلى سبيل الذكر وليس الحصر: حازم صاغيّة، حازم الأمين، ماجد كيالي، احمد برقاوي، ابراهيم الجبين، نوري الجرّاح، حسام عيناني، يوسف بزّي….”.
قبل أن يعلن كاك مسعود استقالته، (كما صرّح مراراً بانه مهمته تنتهي مع الاستقلال)، اعتقد انه من حق كردستان عليه، ومن واجبه تجاه كردستان، أن يؤسس لقاعدة متينة وصلبة وراسخة وفاعلة وقويّة…، لمكافحة الفساد الإداري والمالي والسياسي. ذلك إن أنعاش الديمقراطية والعادلة والتنمية، وانضاج الدولة، لا يستقيم مع وجود الفساد. وكما خطى كاك مسعود خطوات ناجحة في جعل الوطن فوق الأهواء والأمزجة والاجندات الحزبيّة، عبر الاستفتاء، وسيمضي هكذا حتى تحقيق الاستقلال، اعتقد أن مكافحة الفساد هي الخطوة الأولى في تأسيس دولة العدالة والحق والمساواة والتنمية الديمقراطية، دولة المواطن والمواطنة الحرّة، بحيث تصبح كردستان منارة لبلدان ونخب الشرق الأوسط، وليس رقماً يضاف إلى لائحة الدول الفاشلة بفعل الفساد.
بالعودة إلى رسائل يوم 25 أيلول، يمكن ذكر التالي:
1 – من راهن على الخلاف او الاختلاف او الانقسام الكردي، لتعطيل الاستفتاء، كان واهماً جداً. ومن راهن على شراء الذمم والولاءات بين الكرد، أيضاً كان واهماً، وسيبقى واهماً.
2 – خريطة او معادلة “سايكس-بيكو” وتفريخاتها، أصدر الكرد نعوتها في 25 أيلول 2017. وفي انتظار اجراءات دفن هذه الخريطة – المعادلة التي كان الكرد أحد أبرز ضحاياها على امتداد قرن من الزمن.
3 – بذل الكرد أكثر مما ينبغي او يفترض أن يبذلوه من أصناف الحرص على العلاقات مع بغداد وعواصم دول الجوار، رغم أن ذلك كان على حساب حقوقهم. وآن أن يتعامل الجميع، دولاً وأنظمةً ونخباً، مع كردستان، وفق منطق الشراكة والمصالح المتبادلة بين الشعوب والدول.
4 – الضغوط التي تعرّض لها مسعود بارزاني، من الداخل الكردي، ومن الخارج الإقليمي والدولي، لو تعرّض لها أيّ زعيم عراقي (عربي، كردي…) لربما انهار وتنازل وتخاذل. ولكنه لم يفعل ذلك، ولم يتزحزح قيد أنملة عن حق وإرادة الشعب الكردي. والشعب إذا أراد، فما على الزعيم إلاّ أن يستجيب ملبّياً طائعاً، وقائداً أيضاً. وهذا هو سر حنق وغضب وكراهية أيتام صدام حسين، وأيتام الخميني، وأيتام حافظ الاسد، وأيتام أتاتورك، على مسعود بارزاني، ودفعتهم كراهيتهم لأن يؤسسوا “نادي أيتام الطغاة” ويحاولوا النيل من مسعود بارزاني، وتشويه سمعته، واستصغاره، وهدر وإهانة كرامته. وعلى سبيل الذكر لا الحصر: الضابط السابق في المخابرات الصدامية: وفيق السامرائي، وآخرين على شاكلته.
5 – ربما تستغرق الخطوة الأخرى نحو الاستقلال المزيد من الوقت. وربما تهدي القيادة الكرديّة الاستقلال للشعب الكردي، وتعلن عن قيام دولة كردستان المستقلّة في عيد النوروز المقبل. وربما في النوروز الذي يليه. ما هو مؤكد ومفروغ منه أن قطار الاستقلال انطلق، ولن يقف إلاّ في المحطة النهائيّة المحددة له. وما على دول الشرق الاوسط والعالم إلاّ أن تحضّر نفسها لقبول واحترام هذه الحقيقة والتعامل معها وفق الأصول والأعراف والقوانين التي تضبط العلاقة بين الدول.
6 – دولة كردستان، لن تكون “اسرائيل” ثانية. لأن “إسرائيل” لم تكن كردستان أولى، ولأسباب كثيرة أخرى، تمّ ذكرها مراراً، لمن يريد أن يفهم ويعي ويدرك ويفصل بين الأمور. لن تكون كردستان “سوريا” ثانية، أو “عراق” ثانٍ، أو “إيران” ثانية، او “لبنان” ثانٍ، أو “تركيا” ثانية، أو “سويسرا” أو “كندا” أو “أمريكا”…، بل ستكون كردستان وحسب. دولة مدنيّة، علمانيّة، فيدراليّة، تحفظ لكل مكوّناتها من العرب، السريان، الكلداشوريين، التركمان، الشبك، الايزيديين…، حقوقهم ضمن الدستور الكردستاني. ستكون دولة فيدرالية، كما اعلن عنها مسعود بارزاني، وتحدّث عن وثيقة تضاف للدستور الكردي، وسيصوّت عليها البرلمان. ستكون دولة، أقرب أو أشبه بالامارات العربية المتحدة، بحيث يحكم السلمانيّة آل طالباني. ويحكم كل كردستان آل بازراني. دولة ملكيّة دستوريّة، علمانيّة متعددة الاقاليم او الولايات. وما العيب في ذلك. بريطانيا العظمى، ملكيّة دستوريّة، كذلك الدانمارك، السويد، النرويج، بلجيكا، هولندا…!. وعليه، إذا كانت كردستان دولة مواطنة ومؤسسات وحقوق وواجبات، فلم لا تكون ملكيّة دستوريّة؟!. أليس ذلك أفضل حالاً من جمهوريّة الولي الفقيه الإيراني؟!، أو جمهوريّة السلطان والولي الفقيه التركي؟ أو جمهوريّة حافظ الاسد الملكيّة العائليّة الفاشيّة؟!.
قصارى القول: عاشت كردستان، لأنها ناضلت وقاومت واستبسلت في المطالبة بحقها في تقرير مصيرها. عاشت كردستان قرناً في هذه الاجواء، أجواء التحرر الوطني والقومي. وآن لها ان تعيش كدولة حرّة مستقلة. ومع بدء دخول كردستان مرحلة الدولة المستقلة، من المفترض أن يتم إعلان الطلاق مع ذهنيّة إدارة الدولة وفق منطق الإقطاع الحزبي أو القبلي أو العائلي. فحتى الملكيّات الدستوريّة، لا تمنح الملك تفويض استملاك البلاد وما عليها من بشر وشجر وحجر. الملك شأنه شأن الرئيس الذي يفترض أنه موظف عند الدولة وأحد خدمها، لا العكس.
واعتقد أن هذا التصوّر والفهم لطبيعة العلاقة بين الرئيس والدولة، موجود لدى كاك مسعود بارزاني. وإلاّ لما اعلن مراراً أنه سيستقيل من مهامه ومسؤوليّاته، (وربما من الحياة السياسيّة أيضاً) عقب إعلان الاستقلال. ولقد وعد كاك مسعود بأنه سيذهب نحو الاستفتاء، ووفى بوعده. ووعد بأنه سيذهب للاستقلال، واعتقد أنه عازم على أن يفي بوعده. ووعداً أنه سيقدم استقالته، أيضاً سيفي بوعده. وقبل ذلك، كاك مسعود، هو الآن رئيس إقليم كردستان العراق. رئيس لمن قالوا نعم للاستقلال، ورئيس من قالوا: لا. ومن الواجب عليه حفظ كرامة حقوق من قالوا: “لا” بنفس القدر الذي عليه حفظ  وصون كرامة وحقوق من قالوا: “نعم”. وبالتالي، كرامة المعارضة، وكرامة “كوران” وبعض قيادات “الاتحاد الوطني” وكرامة شهسوار عبدالواحد والبرلمانية سروة عبدالواحد، هي من كرامة كل الشعب الكردي. والديمقراطية وحكم دولة القانون والحقوق والمؤسسات تملي وتقضي بمحاسبة كل من يحاول النيل والاعتداء على كرامة المعارضة ورموزها. كرامة المعارضة من كرامة السلطة، من كرامة المجتمع، من كرامة الدولة. ولا يمكن للمعارضة أن تهان وتدان وتخوّن… إلاّ في النظم الاستبداديّة. هذه القاعدة البسيطة تأسست دولة متقدّمة. ويجب ان تتأسس عليها دولة كردستان أيضاً.
K24

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى