آراء

عفرين: هل هي مسألة حدود أم صراع وجود؟

جان دوست

يصر الأتراك على مدى عشرات السنين أن يبقوا على ضفة العداء للشعب الكُـردي وطموحاته وحقوقه المشروعة كشعب، وليست هناك ثورة كُـردية في أي مكان لم يكن الأتراك طرفاً فاعلاً في القضاء عليها ووأد الحلم الكُـردي.

وما الزعيق الذي يصرعنا به أردوغان رئيس تركيا التي أصبحت مزيجاً تائهاً بين العثمانية والعلمانية إلا دليلاً على أن الترك لن يتركوا الكُـرد يهنأون.

يتحجج أردوغان بأن هناك إرهابيين على حدوده، ومصطلح الإرهابي في نظر الدولة التركية هو الكُـردي الذي يطالب بحقوقه، ولا علاقة لسلوك حزب العمال الكُـردستاني وطريقته في النضال لنيل أهدافه بهذا المصطلح. فالتركي لا يعتبر الكُـردي كردياً أصلاً، وهو عندهم أقل درجة في سلم الإنسانية من باقي الشعوب، وقد مارسوا طوال التاريخ المعاصر مجازر وإرهاباً منظماً ضد الكُـرد كونهم أكراداً لا كونهم أعضاء منتمين إلى حزب العمال الكُـردستاني، وقد كشف أردوغان ودولته الهجين عن النيات الحقيقية التي يضمرها الترك للكرد أينما كانوا خاصة بعد عملية الاستفتاء،إذ سارعوا إلى تطبيق الحصار على الكُـرد ووقفوا بحماس شديد في صف منافستهم المفترضة إيران بالرغم من العلاقات الطيبة والتنسيق بين القيادة الكُـردية في إقليم كُـردستان وتركيا.

تركيا الخائفة من الحق الكُـردي تفعل ذلك حرصاً على وجودها المستقبلي إذ أن وجودها في هذه المنطقة حديث نسبياً وقد يتعرض للانكماش بمجرد نشوء دولة كُـردية فتية تقضم معظم أراضيها في الشرق.

إن تركيا حين تريد شن هجوم على عفرين تتوخى كسر الشعب الكُـردي، وليس القضاء على الإرهاب ولا إزاحة حزب الاتحاد الديمقراطي وإبعاده عن اللعبة السياسية، تركيا كانت ستفعل ما تفعله الآن حتى لو كان الحاكم الفعلي في عفرين حزب يكيتي الكُــردي أو اي حزب آخر ليست له علاقة عضوية بحزب العمال الكُـردستاني.

للأسف أصحابنا من الممسكين بزمام الأمور مازالوا غير قادرين على فهم هذه المعادلة، ولم يستطيعوا خلال هذه السنوات العجاف تكوين جبهة كردية وطنية عريضة تضم كل ألوان الطيف السياسي الكُـردي في سوريا، بل بالعكس فعلوا كل شيء للاستئثار بالحكم والتفرد به وتطبيق سياسة فاشية بحق كُـردهم أولاً وبحق وجودهم ككُـرد لا كتنظيم سياسي قد ينتهي في أي مفصل من مفاصل التاريخ.

أقول هذا بكل أسف، بالرغم من الدعوات المخلصة الكثيرة ما زال حزب الاتحاد الديمقراطي يمارس السياسة من منظار إيديولوجية ضيقة خاصة وليس من منظار قومي وطني واسع الطيف.

ما المطلوب الآن؟

الذين سيدافعون عن عفرين هم من لون واحد، والانتصار الذي نتمناه سيسجل باسمهم كما في كل مرة ليس لأن الأطراف الباقية خائنة ولا تريد المشاركة بل لأنه ليست لديها فسحة للمشاركة بعد أن مورست بحقها سياسة تهميشية وقمعية ممنهجة على مدار سنوات ست. لا يمكن وصم القوى السياسية بالتقاعس وهي التي ممنوع عليها أن يكون لها مكتب وممثليات في المدن الكُـردية، لو كانت السياسة التي مارسها ب ي د أكثر ليناً وانفتاحاً لكان الأمل الآن أكبر في ردع العدوان التركي المحتمل وصده، ومع ذلك يبقى الأمل قائماً لأننا على يقين تام من أن المقاتلين من صبايا وشباب الكُـرد مؤمنون بالحق الكُـردي وعلى يقين بأن التركي ليس على حق وأنه معتدٍ أثيم بالرغم من خلفيتهم الأيديولوجية التي نختلف معها كل الاختلاف.

يحار الكثيرون في ساعات الأزمات المشابهة لهذه. المعتدي عدو غاشم، والمعتدى عليه، ظاهرياً، سلطة قمع داخلية أذاقت الناس الويلات فأين يجب الوقوف؟ بالتأكيد الحياد في هذا الموضوع غير مستحب بل هو ضرب من تأييد العدو، والوقوف مع العدو مستحيل.

أما ما نطلبه من جيراننا وأهلنا العرب وغيرهم فهو ألا ينخدعوا بسراب الترك وأكاذيبهم، نتوخى منهم أن يدينوا الاعتداء التركي ويقفوا إلى جانب إخوانهم بغض النظر عن سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي، المعركة المقبلة ستقوي نظام بشار المجرم وربما تعقد تركيا صفقة في أية لحظة مع هذا النظام وتبيع كل شيء مثل ما حصل في أماكن أخرى وما بيع حلب الشرقية عنا ببعيد.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى