آراء

عندما يتفاجأ عرب سوريا بالمطالب الكردية

عبدالله كدو
كل الأزمات بما فيها الحرب الحالية في سوريا ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، و يبقى التجاذب القومي العربي الكردي هو الصراع الطويل الأمد، وأكاد أقول الدائم في هذه البقعة الساخنة، ذلك حتى لما بعد تحقيق” الفدرالية ” في سوريا المستقبل، علماً أنه ليس بالضرورة أن يكون تناحرياً، ويجب ألا يكون الأمر مفاجأة على الكرد، فإضافة لما تعانيه أغلبية العناصر والقوى السياسية العربية السورية من ذهنية قوموية اقصائية، ودينية مشوهة ، رأينا أن تياراً واسعاً في الحركة السياسية الكردية في سوريا لم يتجرأ على مصارحة العرب السوريين من الموالاة والمعارضة بالمطالب الحقيقية للكرد خلال مرحلة ما قبل بدء الثورة السورية في آذار عام 2011، و تعامل مسؤولوه مع أقرانهم العرب، بطريقة ضبابية أو قريبة من التزلف طوال تلك المرحلة ، طريقة مؤداها أن القضية الكردية جزء من قضية الديمقراطية في البلاد ، متناسيا – التيار- أن الصراع الإثني في دول ديمقراطية مثل بريطانية حيث الصراع الطويل في أيرلندا، وفي اسبانيا بسبب إقليم كتالونيا ، وفي كندا بسبب إقليم كيبك، على سبيل المثال، لم يلق الحلول النهائية الناجعة بعد، رغم الدرجة العالية لديمقراطياتها التي تفصلنا عنها عشرات السنين ، وعلى الصعيد الإقليمي فإن الأنظمة الموسومة بالديمقراطية في الشرق الأوسط، مثل تركيا وإسرائيل ما زالت بعيدة عن حل قضاياها القومية ما يؤكد على أن القضية الكردية هنا ليست بالضرورة جزء من قضية الديمقراطية في البلاد.
ومن المفارقات الكبرى أن المعارضة العربية السورية ( الديمقراطية ) التي كانت تطالب بإسقاط النظام والإتيان بنظام ديمقراطي منذ سنين، كانت تجد نفسها صديقة لأحزاب كردية يَنظر إليها النظام بإيجابية، لأنها كانت تطرح القضية الكردية دون ربطها الواضح بالأرض، وتتجنب طرح عبارة كردستان سوريا أو ما يوازيها، وخير مثال على حالة الازدواجية أو الانفصام تلك، أن أحزاباً كردية ممن انخرطت في ” إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في سوريا ” في عام 2005 وقّعت على وثيقة تنص على أن ” سوريا جزء عضوي من الأمة العربية ” وقبل توقيعها على تلك ” الوثيقة ” المتمثلة بالقبول بعروبة سوريا ، راحت لتشارك في الاستفتاء الأخير للرئيس السابق حافظ الأسد في نهاية تسعينيات القرن الماضي و تقول بالفم الملآن ” نعم ” دون اشتراط على النظام للحصول على أي مكسب كردي ، فيما كانت بياناتها وأدبياتها السياسية تتباكى على الكرد من ضحايا الإحصاء والحزام و الاعتقال السياسي والفصل من الوظائف و غيرها من المشاريع الاستثنائية التي بلغت ذروتها في عهده. وأتساءل هل قدر زعماء ذلك التيار وضع الرأي العام العربي بمن فيهم المثقفين و السياسيين ( التقدميين ) وكيفية كسب تأييدهم لشعب مضطَهد يعاني من سياسة التمييز القومي على أيد قوى من القومية السائدة – القومية العربية – بعد أن يوقّع مسؤولوه على وثيقة تؤكد بأن كل الشعب في بلادهم – سوريا – ينتمي إلى القومية العربية ، وكيف سيصنف التمييز القومي الممارس فعليا بحق الكرد بعد تبني القومية العربية من قبل أولئك الزعماء ؟.
ومن الجدير بالذكر أنه حينذاك لم يصدر أياً من الكرد الحزبيين الرافضين لتلك الوثيقة أو المستقلين من المثقفين أو السياسيين أو غيرهم من مختلف الفعاليات موقفاً أو بيانا ضد انتهاك حرمة الانتماء القومي الكردي في الوثيقة المذكورة، وعليه أظن أنه لا يحق لأنصار ذلك التيار وغيرهم ممن لم يظهروا أي اعتراض أو استهجان إزاء تلك المواقف الباهتة والتصفوية لمسؤولين سياسيين من أبناء جلدتهم، لا يحق لهم الآن، في حمى الفدرالية ومفاوضات جنيف3 إبداء الاستغراب الشديد لمواقف معارضين شوفينين من عرب سوريين .
إذا كان أداء تيار كبير من حركتنا السياسية الكردية بهذا المستوى من التناقض ، لا عجب لمواقف و آراء سياسيين ومثقفين من العرب السوريين الذين لم يتحرروا من لوثة الاستعلاء القومي والنزعة الشوفينية ، للاعتراض على اعتبار الكرد شعب يعيش على أرض أسلافه ” كردستان “، وعليه لا بد من إصلاح الذات الكردية قبل المطالبة بإصلاح الآخرين، فالعرب هنا قد يتذرعوا بمقولة ” و شهدوا شاهدا من أهله ” لينطلقوا من تلك المقدمات (الكردية) المسرفة التي لم تحمل سوى المطالبة بحق المواطنة ، فالعلة في ذلك الخطاب الاستجدائي مثلما هي في تلك الذهنية الشوفينية لعرب سوريين، والحل- كردياً – يكمن في الطرح القومي الواضح القائم على أساس الشراكة الحقيقية للكرد مع العرب إلى جانب غيرهم من المكونات في سوريا ،الشراكة المتمثلة بالقبول بإدارة كردستان سوريا من قبل أبنائها و بناتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى