من الصحافة العالمية

فكر “المؤامرة” عند العرب سبب انغلاقهم الفكري

جواد مبروكي
ينشأ الطفل “العربي” في جو يسوده فكر التآمر ضد شعبه ودينه وأمته، ويُرسخ هذا الفكر في ذهنه أن الغرب بأكمله يتآمر ضد أمته ويمنع أبناءها من التقدم والازدهار. واستناداً للفكر “التآمري” في ذهنية الطفل “العربي” يتم تصوير الغرب على شكل كفار يحقدون على الإسلام ويحملون الشر و العداء لأمته، وهم بالتالي أعداء له يغزون عالمه بأفكارهم وفلسفاتهم المتقدمة ظاهرياً التي هدفها حسب تصوره هو إبعاد “العربي” عن دينه، على اعتبار أن الإسلام هو أفضل دين والعرب هم خير الأمم و أن عالم الغرب يهابها و يسعى ليل نهار للقضاء عليها.
ويلقن هذا الطفل أنه إذا اتحد “العرب” وطبقوا شريعة الإسلام فسوف يتقدمون إلى درجة عليا تفوق قوة الغرب بمراحل، وبالتالي ينتشر الإسلام في كل البقاع و يسود العالم وهذا ما يُرعبُ قادة الغرب. وعلى هذا النمط تتشكل صورة ذهنية تجعل من أن “العرب” أصحاب سلاح قوي خارق قادر أن يمكنهم من السيطرة على العالم بأكمله، بينما العالم الغربي يتآمر ضدهم ليعجزهم عن استعمال هذا السلاح.
وبطبيعة الحال يتم تعميق هذا الفكر عند الطفل بأشكال عديدة خاصة عبر الوسائط الدينية و لا يمر يوم إلا و يسمع الدعاء التالي “اللهم انصر دينك وانصرنا على القوم الكافرين” الذي يُتلى في كل التجمعات و المساجد. فيتربى الطفل العربي المسلم في جوٍ حربي آخذاً حذره من أعدائه الغربيين الكافرين. وإذا تحدث معه ابن أمته ووطنه وقبيلته بفكرٍ متفتح وحكيم و مُنصف، تراه يتهمه بتحالفه مع الغرب ضده وهذا هو الذي يجعل الفكر العربي و الإسلامي المعاصر في قفص الانغلاق والتخوين و التكفير.
فعلاً إن لهذا الفكر عواقب وخيمة تتسبب في تحطيم شخصية الإنسان “العربي”، بحيث يرى نفسه أنه ضحية مؤامرة كبرى. ولهذا وبشكل طبيعي يحتاط من كل ما هو غير مألوف لديه ومغاير لثقافته و فكره وعقيدته ويحجز نفسه بنفسه في غرفة الحرص من الأعداء ويرى انه من حقه الدفاع عن نفسه وأمته بإبعاد الأعداء بأي طريقة كانت. لهذا نرى هذا السجين في سجون الانغلاق و التعصب يعيش عذاباً أليماً بداخله ويتصارع داخلياً وخارجياً في كل ساعة و دقيقة.
إن هذا الفكر هو سبب التعصب وعلة غياب التسامح و بلغ من الخطورة على الفرد درجة تجعله يرى أعداءً له من أبناء مجتمعه ودينه و وطنه وليس في الاجانب من ابناء الغرب فقط . فكيف للمجتمع “العربي” أن يتحرر من فكر “المؤامرة” ويطور نفسه وينفتح على الآخر ويحترم اختلافه ويحقق التعايش والسلم داخلياً و خارجياً ويكون سببا في تقدم ورخاء وسلام البشرية بأكملها؟
للتحرر من هذا الفكر لابد من إعادة النظر في أساليب التربية في مجتمعاتنا “العربية” واستبعاد كل ما هو هدام للحضارة الإنسانية ونعيد النظر في المفاهيم الموروثة ونكسر الجدران التي بنيناها بأفكارنا وأبعدتنا عن العالم بأن جزأته إلى عالمين “معسكر العرب أو المسلمين ومعسكر الكفار أو الغرب”.
فما هي هذه الجدران:
1- مفهوم “الأمة العربية”
ينشأ الطفل بهوية عربية وبأنه ينتمي إلى الأمة العربية، وسرعان ما يتقدم في السن ويرى أنه لا علاقة لثقافته مع ثقافة دولة عربية أخرى وأن أغلب الدول العربية في تنافر و تخاصم حاد والحروب و النزاعات قائمة بينها بل مشتعلة حتى بين أبناء الوطن الواحد. ويستوعب
على ضوء هذا الواقع المرير الصادم بأن الأمة العربية ما هي إلا وهم صرف، و ظاهرة صوتية ويدخل في صراع مع هويته ولا يجد حلاً لمأزقه سوى شماعة “المؤامرات الغربية و الصهيونية” كسبب لحالة الشتات و الانقسام في العالم العربي .
الخطر في مفهوم “الأمة العربية” هو إقصاء كل الثقافات غير العربية بداخل الوطن الواحد، لأنه في كل وطن نجد ثقافات عديدة كانت موجودة قبل ظهور الاسلام وقبل بروز مفهوم العرب. ولتجسيد وهم الهوية العربية تمت برمجة حذف كل هذه الثقافات الاصيلة الناطقة بلغات أخرى من المنظومة التعليمية، وهذا ما دمر بنية التنوع داخل المجتمعات “العربية” من خلال تكوين مصطنع وغير طبيعي وعضوي لا يحترم التكوينات العرقية الأصلية و الجذور التاريخية للبلاد التي تعرف باسم الوطن العربي.
2- الربط بين الأمة العربية والعقيدة الاسلامية
يترسخ في ذهن الطفل “العربي” التصور الوهمي الشمولي بأن العرب كلهم مسلمون، وهكذا تصبح قضية العرب قضية دينية وإسلامية على وجه الخصوص. و النتيجة أنه حين يرى الانسان “العربي” المسلم “عربياً” آخر يحمل هوية دينية أخرى تشمئز نفسه ويراه عدو له ولأمته ولدينه رغم أنه من بني وطنه وناطق بلغته.
وهذا راجع لتغييب تعليم الطفل في المناهج التعليمية أن في كل المجتمعات “العربية” هناك تنوعات دينية ومذهبية، فهناك يهود و مسيحيون و بهائيون و صابئة و زرادشتيون و بوذيون و لا دينيون من مختلف التيارات الفكرية و الفلسفية يجب احترامهم على اختلاف طوائفهم، لأن هذا الاختلاف تنوع طبيعي يُغني مجتمعنا ويوحدنا في خدمة العالم الإنساني.
3- مفهوم الكفار
لمَّا نذكر الكافر ماذا نقصد بالضبط؟ في تاريخ نشأة كل دين كان هناك فريقان. فريق يؤمن بالرسالة الجديدة و فريق ينكرها و يكفر بها لمخالفتها عقائد الأجداد و مُناقضها مصالح رجال الدين و السلطة فيقوم على محاربتها و التنكيل بمعتنقيها وكانت هذه سنة تتكرر مع ظهور كل رسالة دينية و كل دعوة إلهية جديدة. لكن الآن في عصرنا الحالي هل بإمكاننا أن نتحدث عن الكفار؟ ولماذا “العرب” يحصرون واقعهم الحالي إلى حد الساعة بأحكام تلك الحقبة التاريخية الغابرة وكأن الإسلام ظهر البارحة و كفار قريش هم بقية العالم و على رأسهم بلدان الغرب؟
إذ يترسخ لدى الاطفال و الناشئة في هذه الأجواء وظل في منظومة المفاهيم السائدة أنه لا بد من وجود كفار يتآمرون ضد الدين وأنه لا سبيل لتفسير الكوارث والتخلف الذي تعانيه شعوب العالم الإسلامي سوى بفكر المؤامرة، وأن لا سبيل للخلاص سوى الجهاد المسلح و أضعف الإيمان المجاهرة بالدعاء “اللهم انصرنا على القوم الكافرين”. في حين أن الكفر الحقيقي يتمثل في أشكال الظلم و التمييز و الفقر والجهل و أن الجهاد الحقيقي يجب أن يكون بالإخلاص في العمل و طلب العلم و نشر قيم المحبة و السلام بين الأمم.
لقد أتى الوقت لنتجرد من كل هذه الأفكار السلبية ونتحرر من هذه الأوهام ونربي أطفالنا على الائتلاف والمحبة والتعايش واحترام الأخر أياً كانت جنسيته أو عقيدته أو فلسفته. وحان الوقت لندخل عصر أنوار العلم و المعرفة والاتحاد فنرى البشرية ثمار شجرة واحدة و أوراق غصن واحد وقطرات بحر واحد حتى يتحقق السلام العالمي في ربوع العالم.
CNN

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى