آراء

في الإحصاء (رقم 2) الاستثنائي الجائر

شـــــيار عيســى
لم يتوانى حزب الاتحاد الديمقراطي منذ أن تسلم إدارة كردستان سوريا، عن تنفيذ قرارته ومشاريعه واحداً تلو الآخر بتفرد ودون إرادة جماهيرية، مُعبر عنها بانتخابات، تعطي للحزب شرعية إدارة المنطقة، أو استفتاءات تخوله القيام بخطوات مصيرية تؤثر بشكل مباشر على قضية شعب بأكمله.
من تلك المشاريع هو مباشرة الحزب القيام بإحصاء سكاني تشير الكثير من المعطيات أنَ له تبعات سلبية على مستقبل القضية الكردية في سوريا. من المعضلات الأساسية في هذه الخطوة، كما خطوات أخرى دأب الحزب على اتخاذها، هو الغموض الذي يكتنف المشروع والاستعجال في تنفيذه، وكذلك تنفيذ المشروع بعد الإعلان عنه مباشرة. هذا الغموض، الذي أصبح سلوكاً متأصلاً لدى حزب الاتحاد الديمقراطي، يتناقض مع مبادئ الشفافية والعمل المؤسساتي، القائم على نشر برامج الدولة والمؤسسات بشفافية على مستوى التخطيط والتنفيذ، وعدم التكتم على المعلومات للمساهمة بأكبر مشاركة مجتمعية في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يبدو أنه ليس ضمن أجندة حزب الاتحاد الديمقراطي.
المسوغ للقيام بهكذا خطوة، كان حسب بيان “لجنة الإحصاء” لجمع البيانات الضرورية لإجراء انتخابات للفيدرالية المزمع إعلانها بعد فترة وجيزة الأمر الذي يعد سابقة خطيرة حيث أن إجراء انتخابات في ظل الهجرة الكبيرة للكرد من كردستان سوريا وفي ظل عدم وجود توافق سياسي حولها، سيؤدي إلى تعميق الشرخ السياسي الكردي، وكذلك إلى تقليص كبير في نسبة الأصوات الكردية، إن جرت تلك الانتخابات المزمعة في ظل أجواء ديمقراطية وبمراقبة دولية، الأمر الذي لا أعتقد أنه سيحدث.
كما أن للإحصاء خطورة بالغة من جهة عدم شمل مئات الآلاف من المغتربين ما يمكن أن يؤدي إلى تجريد أولئك الأشخاص من حقوقهم المدنية في استنساخ لتجربة الإحصاء الاستثنائي في ستينيات القرن المنصرم. كذلك فإن الإحصاء الحالي سيؤدي إلى نتائج سياسية تضر بالقضية الكردية نتيجة إجراءه في ظروف غير ملائمة وفي ظل خلل ديمغرافي حدث نتيجة عدة أسباب من أهمها سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي، ما سيعطي نتائج غير حقيقية عن نسبة الكرد في سوريا.
بالإضافة إلى هذا وذاك فإنه ليس لهذا الإحصاء أية قيمة قانونية في القانون الدولي وأثناء فض النزاعات لأن هكذا نوع من المشاريع لا يجوز تنفيذها في أوقات الحروب والنزاعات. كما أنه لن يلقى تجاوباً من الكتل السياسية الكردية خارج الإدارة الذاتية ما سيفقده جزءاً آخر من مشروعيته.
تتطلب هكذا مشاريع مصيرية في حياة الأمم، خاصة عندما تكون تلك الأمم في طور بناء كيان سياسي- إداري، توافقاً وطنياً يفضي إلى كتابة دستور توافقي يعرض على استفتاء عام، ومن ثم يتبعه إجراء انتخابات نزيهة وبمراقبة دولية لانتخاب حكومة تكون ممثلة لأكبر قدر ممكن من المواطنين. دون الخطوات الآنفة الذكر لن يكون للإحصاء أية قيمة قانونية، أو مشروعية جماهيرية، ولن يستفاد حزب الاتحاد الديمقراطي منه، إلا إذا كان الهدف من الإحصاء هو استخدام الحزب له كورقة ضد معارضيه خاصة أن أغلب المغتربين معارضون له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى