آراء

في ذكرى تأسيس أول حزب كردي مع الدكتور نور الدين يوسف ظاظا في مأساته

 

 محمد زكي أوسي     

– أن تكون مخلصاً على الدوام – أن تفكر في النبع – وأنت تشرب منه الماء .
   دعونا ونحن نستعيد ذكرى تأسيس أول حزب كردي في سوريا (14/6/1957م.) على يد كوكبة من الوطنيين الأجلاء, نستمتع بهذا الحوار المأساوي الوارد في الكتاب الرائع لمحمد الماغوط (سأخون وطني) والذي يدور بين (الشاذلي القليبي) الأمين العام الأسبق للجامعة العربية  و(السنترال) يكشف فيه الستار عن محنة السياسيين وهذياناتهم :
القليبي : أعطني رئيس اليسار
السنترال : أي يسار
القليبي :  اليسار الماركسي
السنترال : عرفته, لقد سافر لأداء مناسك العمرة
القليبي : الأحداث تتشابك أعطني مفتي المنطقة ماهي القصة  
السنترال : سافر إلى موسكو لحضور الاحتفالات بذكرى ميلاد لينين
القليبي : بصراحة, لم نعد نفهم ما يجري
لا يستغربن أحد إن قلت بان إنساناً يعيش في ظل هذه الأجواء من الصعوبة بمكان أن يمارس حياة سياسية حقيقية, لأن مثل هذه الحياة تتطلب الصدق مع النفس والصدق مع النفس يتطلب أن يكون الإنسان حراً, أجل في سياق كهذا يمكن فهم محنة عًلًم ٍ من أعلام نضال التاريخ الكردي وهو الدكتور نورالدين ظاظا الذي مارس حياة سياسية حقيقية, رغم كثرة أدعياء اليمين واليسار وعدم الانحياز والسياسة وغير ذلك من التنظير الدونكيشوتي في عهده, فعاش بشرف ثم مات بشرف, دون أن يتأثر بطقوس السوبرماركت كغيره وهنا مكمن عظمته.
كان الدكتور نورالدين ظاظا شخصية وطنية كردية بارزة, امتلك ناصية الثقافة وكاريزما القيادة ليس على صعيد كردستان سوريا فحسب بل على صعيد كردستان عامة, نظراً لما قدمه من تضحيات وما بذله من جهود في سبيل حرية شعبه, وكان الفقيد سياسياً وأديباً وكاتباً فذاً, فقد دخل معترك العمل الوطني منذ بداية شبابه وساهم بفعالية كبيرة في نشر الثقافة الكردية, وكتب العديد من المقالات القيمة في مجلتي (هاوار) و (روناهي) الكرديتين في أربعينيات القرن العشرين, إلى جانب تعليم اللغة الكردية, إيماناً منه بأن الحفاظ على اللغة الأم هو السلاح الأمضى لحماية الشعب الكردي من الانصهار والدمج, وجسّد وجهة نظره هذه في رواية (ممي آلان) التي ترجمها عن الفرنسية وطبعت في دمشق عام (1957م) حيث قال : (أيها الكرد : إذا كنتم لا تريدون التشتت  والضياع, فقبل كل شيء اقرؤا لغتكم وعلموها لغيركم, أما إذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم وتكسبوا معرفة الغير ومحبتهم وتضامن وصداقة الشعوب, وتعيشوا بشرفٍ مرفوعي الرأس أيضاً تعلموا لغتكم وعلموها لغيركم) .
وحاول الفقيد الكبير ظاظا الالتحاق بالحركة الكردية التحررية في جنوب كردستان عام (1944م) وهو في ريعان الشباب فاعُتقِل في العراق وسيق إلى السجن حيث أمضى سنة ونصف السنة, وعاد إلى سوريا بعد اطلاق سراحه, ثم ذهب إلى بيروت ليعمل هناك مع بعض الوطنيين الكرد لنصرة القضية الكردية, ثم سافر إلى سويسرا لإكمال دراسته, وهناك لم تشغله الدراسة عن قضية شعبه, بعد أن حصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية عاد إلى وطنه سوريا عام (1956م) وفي هذه الأثناء كان عدد من الوطنيين الكرد يعملون على تشكيل حزب سياسي في سوريا, فأيد هذه الخطوة واعداً بمساندتها بكل طاقاته, ولذا ساهم مساهمة جدية في وضع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا, وفي عام (1958م) انضم الدكتور ظاظا إلى الحزب وانتخب رئيساً له واعتقل مع كبير من رفاقه الحزبيين في الحملة التي شُنَّت على الحزب في (12/8/1960م), وبقي في السجن حتى أوائل عام (1962م), وبعد خروجه قرر الحزب ترشيحه للانتخابات النيابية التي جرت في البلاد نهاية عام (1962م) وفي هذه الانتخابات حصل الدكتور ظاظا على تأييد شعبي منقطع النظير من الجماهير الكردية, فسارعت سلطات الانفصال إلى توقيفه واحتجازه احترازياً للحد من التأييد العارم له, وللحيلولة بينه وبين الوصول إلى البرلمان, وتعرض الدكتور ظاظا للمضايقة والاضطهاد المستمرين في عهدي الانفصال والبعث, ونفي عام (1964م) إلى مدينة السويداء لمدة سنتين, ولما لم يرَ امكانية العيش والبقاء في سوريا في ظل الحكومات الشوفينية, ذهب إلى تركيا عام (1967م) ومنها إلى سويسرا حيث قُبِل لاجئاً سياسياً عام (1970م) ومارس مهنة التدريس في جامعة لوزان التي تلقى فيها علومه, وإلى جانب التدريس لم يتوانَ الفقيد عن العمل الوطني والنضال في سبيل حرية وسعادة شعبه الكردي الذي أحبه من الأعماق, حتى وفاته الهنية في (7/10/1988م) ودُفِنَ هناك .
لقد عرفنا الدكتور ظاظا إنساناً مخلصاً لشعبه وفياً لقضيته ولكافة الوطنيين الشرفاء, وبرحيله فقد شعبنا رمزاً من رموز العمل الوطني, ومثقفاً أغنى التراث القومي بأعماله الفكرية وكتاباته الجمة, وإننا في ذكرى تأسيس أول حزب كردي في سوريا نقف إجلالاً لذكرى الفقيد العظيم الذي كان له دور بارز في بلورة الفكر القومي الكردي ونصيب وافر في نضاله.
له التحية من جميع أبناء شعبه المخلصين الذين تجمعهم به الأهداف النبيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى