آراء

قراءة لرواية “مزرعة الحيوانات ” للكاتب البريطاني جورج أورويل

عبدالباقي يوسف 

بالرغم من مضي أكثر من نصف قرن على نشر هذه الرواية الشيقة، إلا ان متعة قرائتها لا تنتهي وذلك لقيمتها وصلاحيتها للكثير من الاماكن والازمان.
يعايش االقارئ من خلالها اجواء الانظمة السياسية التي تحكم الكثير من الدول حول العالم وايضا العديد من دول منطقة الشرق الاوسط. يقدم جورج أورويل في هذه الرواية تحليلاً عميقاً للفكر الإستبدادي أينما يكن، وذلك على ألسنة مجموعة حيوانات اليفة تعيش في مزرعة، محاكيا بذلك مراحل نشوء الفكر الاستبدادي، اساليب صعود المستبدين الى سدة الحكم او الادارة واخضاع الآخرين لسيطرتهم، ولمصالحهم وأهوائهم، بعد تصفية المنافسين والمدافعين عن مصالح عامة الشعب، من خلال الأساليب الملتوية، والأخبار الملفقة والدعاية المفبركة، والوعود الكاذبة، ومن ثم إستخدام القوة في بسط السيطرة وقمع المعارضين، وتلبيسهم شتى التهم لتشويه سمعتهم.
فالمستبدون اينما كانو يقومون بتحريف التاريخ، وقلب الحقائق، وخلق أعداء وهميين للسيطرة على عامة الشعب، وهذا ما يجعل هذه الرواية صالحة بل وقيمة حتى في ايامنا هذه.
مزرعة الحيوانات هي رواية ديستوبية (عالم الواقع المرير)، تبدو للوهلة الأولى ضرباً من الخيال، أو مجرد وصفاً خيالياً لجنسين من الصعب المقاربة بينهما، لكن وبعد الغوص في قرائتها تتجلى للقارئ القيمة العظيمة للرواية من خلال استخدام الكاتب فن الرمزية وسهولة التشبيهات في عرض بعض صفات الأشخاص وطريقة وصولهم إلى موقع الحاكم إن كان على مستوى الدولة، أو أي مؤسسة شبيهة كالأحزاب السياسية.
وجد أورويل في مجتمع الحيونات تلك الامور الدالة على صفات الانسان من خلال كشف أنانية الخنزير (نابوليون) وخيانته لخنزير صديق (سنوبول)، وتملق الحاشية من خلال الخنزير (سكويلر)، وسذاجة الجمهور وتضحياته والتي جسدها من خلال شخصية الحصان (بوكسر). يعد جورج اورويل (1903 – 1950) من أهم الكتاب البريطانيين في القرن العشرين.
له العديد من الروايات مثل” صعاليك لندن وباريس” بعد أن عاش في احياء فقيرة في هاتين المدينتين لمعرفة ظروف حياة الفقراء، ورواية “الحنين إلى كاتالونيا”، والتي كتبها عندما كان مراسلاً لـ ب.ب.سي اثناء الحرب الأهلية في اسبانيا بين الجمهوريين ونظام الدكتاتور فرانكو. ومن روائع اعماله، إلى جانب مزرعة الحيوان، رواية ” 1984 ” الشهيرة، والتي تدور فحواها حول النظام الاستبدادي في الاتحاد السوفيتي السابق، وبالتحديد عهد جوزيف ستالين، حيث يفضح فيها زيف الإدعاء إلى المساواة التي كان يروج لها النظام الشيوعي هناك، وتنبأ حينها بنهاية النظام أمام صخرة الواقع.
ورغم أن جورج أورويل لم يكن فيلسوفاً، إلا أنه من خلال رواياته يحث الناس على ضرورة الوقوف بعناية أمام العقائد والقيم والشعارات التي يدعو إليها الآخرون. تدور احداث الرواية حول قيام حيوانات إحدى المزارع في الريف اللندني بالثورة ضد صاحب المزرعة الذي لم يطعمهم لايام، وذلك بعد مضي فترة وجيزة على وفاة الخنزير الحكيم (ميجر)، والذي كان قد القى على جميع حيوانات المزرعة خطابا مؤثرا، مشيرا من خلاله الى الواقع المرير التي تعيشه الحيوانات في ظل الانسان، مشددا على أهمية الكفاح من أجل إسترداد حريتها من إستبداد الإنسان، وعدم تصديق كل ما يقال عن وجود مصالح مشتركة بين الإنسان والحيوان. ووصف العجوز ميجر، في هذا الخطاب، الإنسان بالمخلوق الأناني.
بعد مضي عدة ايام على وفاة الحكيم قامت ثلاث خنازير (سنوبول، نابوليون، سكويلر) بعقد اجتماع لترجمة خطاب (ميجر) إلى منظومة فكرية ومبادئ أسموها “الحيوانية”، وبدأوا بنشرها بين حيوانات المزرعة. وبعد نجاح الثورة وفرار صاحب المزرعة، صدر أول قرار ثوري، والذي افضى إلى تغيير إسم المزرعة من “مزرعة القصر” إلى “مزرعة الحيوان”، ولتسهيل فهم مبادئ الحيوانية، سارعت الخنازير الثلاثة الى صياغة الموضوعات الأساسية من خلال سبعة وصايا قصيرة وواضحة، وكتبوها بخط كبير على جدار الحظيرة، وهي:
1 – كل من يسير على قدمين هو عدو.
2 – كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق.
3 – يمنع على الحيوانات ارتداء الملابس.
4 – يمنع على الحيوان النوم فوق سرير.
5 – يمنع على الحيوان شرب الخمر.
6 – يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر.
7 – كل الحيوانات متساوية.
بعدها تولت الخنازير إدارة وقيادة المزرعة، وسلمت الحيوانات الأخرى بذلك لإعتقادها بأن الخنازير هي الأقدر والأجدر في تحمل الأعباء. أصبح كل من (سنوبول) و (نابوليون) بمثابة العقول القيادية في المزرعة، أما (سكويلر) فقد شغل منصب المتحدث بإسم الجهاز القيادي لقدرته الكبيرة في التعبير وبراعته في قلب الحق الى باطل او العكس. عندما اقتنع نابليون وهو سياسي محنك، بانه لا يستطيع التغلب على سنوبول الذي تميز بشدة الذكاء والمعرفة الواسعة والفصيح البلاغة، للتفرد بادراة المزرعة، قام باطلاق كلابه الشرسة التي كان قد دربها لهذا الغرض منذ ان كانوا صغارا، فهاجمت كلابه سنوبول وعلى اثرها هرب الاخير من المزرعة.
بعد اقصاء سنوبول من المزرعة كلف نابليون سكويلر بتشويه سمعته من خلال الاشاعة بين الحيوانات ان سنوبول كان متعاونا مع الانسان وكان يعمل لاعادتهم الى ادارة المزرعة. بعد فترة وجيزة، بدأ تحول كبير في مسار المزرعة بسبب طريقة تعامل الخنازير مع بقية الحيوانات وكيفية ادارة المزرعة.
انتهى زمن الحوار والتداول والنقاش بين الحيوانات لرسم سياسة المزرعة ومصيرها، لتبدأ مرحلة من الاستبداد يفرض من خلالها الخنزير نابليون نفسه كزعيم، ولم يعد يظهر إلا بالمناسبات ليلقي الخطب والبيانات التي تحولت الى مبادىء وتوجهات تفرض على الحيوانات تحت سطوة الكلاب المدربة والشرسة والمخلصة لسيدها، والحملة الاعلامية التي يقوم بها سكويلر لتسويغ هذه الاوامر واقناع حيوانات المزرعة للقبول والاستسلام لها. لم بمض وقت طويل حتى بدأ انتهاك المبادئ الاساسية- الوصايا السبعة، والتي كانت تتضمن مبادئ الثورة الحيوانية، كل الانتهاكات كانت تجري تحت تهديد الكلاب الشرسة وتطبيل وتزمير سكويلر.
فحرفت بعضها وأعيد صياغة بعضها الآخر، والتي كانت منقوشة على جدار المزرعة، وذلك بما يخدم توجهات نابليون. على سبيل المثال الوصية التي تنص على أن كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات، حرفت الى “كل الحيوانات متساوية لكن بعض الحيوانات اكثر مساواة من البعض الآخر”، أما الوصية التي يحظر على الحيوانات النوم على السرير حرفت الى “يحظر على الحيوانات النوم على سرير تفرش عليه اغطية”.
ينهي جورج اورويل تحفته “مزرعة الحيوان” بمشهد نابليون الذي اتخذ منزل صاحب المزرعة مسكنا له رغم تحريمها على الحيوانات حسب وصايا الثورة، يجلس هو وسكويلر مع مزارعين بشر من الجيران يشربون الخمر ويدخنون التبغ ويلعبون الورق، وكل هذا كان محظورا على الحيوانات، هذا المشهد الذي ينتهي بنهوض نابوليون ووقوفه على قدميه والسير مقلدا الانسان، وبذلك لم يعد بامكان حيوانات المزرعة ملاحظة الفرق بين الخنازير والانسان.
ترجمة ونشر دار الألف كتاب الطبعة الأولى عام 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى