آراء

كوردستان: من شعب مضطهد الى فسيفساء الشرق والدولة الاكثر فاعلية واستقرار في الشرق الاوسط

داود شنـكالي
لا يخفى على احد الاضطهاد والظلم الذي تعرض له الكورد، ابتداء من اتفاقية سايكس بيكو ومرورا بمعاهدة سيفر وحتى يومنا هذا، حيث تم تقسيم الكورد بين الدول لاضعافهم وتسهيل السيطرة عليهم ومنعهم من الحق الطبيعي في العيش في دولة كوردية مستقلة.
كي لا نخوض في التفاصيل المعروفة كثيرا وكوننا نهتم هنا بكوردستان بقيادة البارزاني ومشروع الدولة والاستقلال الذي اصبح حقيقة بعد ان كان حلما” وكما قال البارزاني: لا نقول متى لكن مشروع الاستقلال قائم على قدم وساق.
بداء بالثورة الكوردية الكبرى عام 1961 وحتى العام 1991 ميلادي لم يبقى نوع من الاضطهاد والقتل والتشريد والنفي والاعدامات لم يتلقاها الكورد، وكان عهد الدكتاتورية العراقية ابشع فترة زمنية مرت على الكورد. قتل جماعي واعدامات ميدانية وتعريب لمناطق سكنى الكورد وكانت كبرى انجازات الدكتاتورية هي الابادة الجماعية لحلبجة حيث تم قصفها بالغازات السامة.
رغم الاجرام الذي مارسته السلطات العراقية ضد الكورد الان ان العزيمة الكورية لم تنكسر وكانوا في كل مرة يقومون من الجرح بهمة وعزيمة واصرار اكبر مما قبله, حتى جاء عام 1991 ميلادي وحصل الكورد على جزء من حريتهم المشروطة باعلان اقليم خاص لهم يضم مدن (دهوك واربيل والسليمانية). بقي الكورد مصرين على حقوقهم ودولتهم المنشودة والمشروعة حتى العام 2003 ميلادي حيث تحرر العراق من الدكتاتورية واصبح مشروع الدولة الكوردية الكاملة مسالة وقت وتفاهم بين بغداد واربيل. الا ان الاخيرة بعد ان هداءات الاوضاع اصبحت تتنصل من الشروط الدستورية وبدات المشاكل تطفوا الى السطح وبداءات بغداد تحارب كوردستان بدلا من محاربة الارهاب والطائفية التي نخرت في جسم العراق واصبح القتل على الهوية والدين.
في بداية العام 20014 وبعد العديد من المحادثات الغير مجدية مع بغداد لم يكن امام الرئيس بارزاني الا ان يخرج الى دول العالم يطلب دعمهم خاصة وان داعش حينها كانت في مراحلها الاولية ويجب الوقوف بوجهها والا سيكون فيما بعد قد فات الاوان. لكن الحكومات الغربية ومعها الولايات المتحدة الامريكية اصرت على ان يكون التعامل مع كوردستان من خلال بوابة بغداد حيث انها الحكومة المركزية والاخيرة اصبحت تزيد الخناق على كوردستان وتحاربها اكثر بدلا” من ان تحارب الارهاب الذي يغزوا جسم العراق وافكار شعبه، فرفضت بغداد طلب الغرب والولايات المتحدة بتزويد كوردستان بالسلاح لمواجهة اي ارهاب او عدو محتمل، وفي نفس الوقت تخل الجيش العراقي في الموصل وانبار وصلاح الدين عن معدات عسكرية لا يملكها اقوى جيش في المنطقة لداعش او ما كان يسمى في البداية بثوار العشائر، لتكون بذلك كوردستان في وجه المدفع مع اكبر واقوى منظمة ارهابية تملك احدث الاسلحة وفي المقابل لم تكن البيشمركة تملك الا اسلحتهم القديمة التي لم تكن تجدي نفعا ضد الاسلحة والعتاد الذي تركه الجيش العراقي بيد داعش اولا ورفض بغداد المستمر لتسليح البيشمركة للدفاع عن نفسها ومناطقها، حتى تمكنت داعش في يوم الثالث من اغسطس عام 2014 ميلادي من السيطرة على شنـكال وابادة الايزيدية.
بعد ابادة الايزيدية وجد العالم نفسه امام منظمة ارهابية لا يمكن الاستهانة بها خاصة وهي تملك كل هذه الاسلحة والذخائر، وبعد فشل حكومة بغداد اولا في حماية العراق وثانيا في مد يد العون للحكومة الكوردية ليكون شريكا في الدفاع عن كوردستان والعراق معا، لم يكن امام الغرب وامريكا والتحالف الدولي مخرج غير التعامل مع كوردستان ومدها بالمساعدات والاسلحة لتقف البيشمركة بكل قوة وبالنيابة عن العالم بوجه اقوى منظمة ارهابية وتنتصر عليها خاصة بعد ان وصلت اليهم المساعدات العسكرية، وفي الجانب الاخر وجدت كوردستان نفسها مسؤولة امام التدفق الكبير لملايين المهجرين لتكون الملاذ الامن لكل من قصدها رغم الازمة المالية.
لقد كان موقف كوردستان من التعايش واستوعاب الكم الهائل من المهجرين رغم الازمة المالية التي فرضتها عليها حكومة بغداد والانتصارات العسكرية التي قامت ولازالت تقوم بها قوات البيشمركة محل ثقة في نظر التحالف الدولي والقوى الكبرى. لم تعد كوردستان كما كانت خاصة بعد ان اثبتت انها محل ثقة واعتماد، ففي العام 2016 ميلادي قصدها سياسيون ودبلوماسيون وشخصيات متنفذة في الاتحاد الاوربي، من ابرزهم: زيارة وزراء خارجية بريطانيا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبوغ, ووزراء دفاع الولايات المتحدة وايطاليا والمجر وكندا والمانيا وبريطانيا اضافة الى زيارة نائب رئيس الوزراء الهولندي لود فايك اشر. كما قصد كوردستان ايضا” الامين العام لمنظمة الامم المتحدة السيد بان كي مون والمبعوث الامني الخاص للحكومة البريطانية الجنرال توم بيكيت، وقائد القيادة المركزية الامريكية الجنرال لويد اوستن، ووفد مشترك للاتحاد الاوربي ورئيس الشؤون الخارجية في الكونغرس الامريكي ايد رويس، ورئيس اركان الجيش الكندي ووزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية ونائب الرئيس الامريكي السيد جو باين ورئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين وغيرهم. بالمختصر ان عدد الذين زاروا كوردستان اربع اضعاف من زاروا العراق.
ان الزيارات الدولية ووقوف كبرى دول العالم مع كوردستان لم تتوقف بعد العام 2016 ميلادي بل ان العام الجديد افتتحته كوردستان بزيارة للرئيس الفرنسي السيد فرانسو هولاند والذي ابدى اعجابه ووقوفه مع كوردستان شعبا، وحكومة في مواجهة الارهاب اولا والتزام كوردستان في حماية الاقليات الدينية، اذ ان كوردستان هي الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي فيها كل هذا التنوع الديني والعرقي والجميع متساوون امام القانون، وكان اخر ما قامت به الحكومة الكوردية والتي تعتبر سابقة لن نجدها في اي دولة اخرى هو السماح بتمثيل لليهود في وزارة الاوقاف.
ان الدعوات المستمرة من قبل الدول العظمى للرئيس بارزاني لتبادل الزيارات واقامة علاقات اقتصادية وسياسية متبادلة هو مؤشر قوي يدل على ان الدولة الكوردية المستقلة قادمة وخبر اعلانها ليست الا مسالة وقت وان طالت فهي خبر نحن منتهين منه لكننا ننتظر اعلانه. اعتقد ان الدور بداء يقترب من روسيا ايضا لتبادر بطلب من الرئيس البارزاني لزيارتها خاصة وان كوردستان بداءات تلعب دورا مهما واستراتيجيا في سياسة المنطقة والعلاقات القوية والدعم الذي تحضى به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى