آراء

من قامشلو إلى السليمانية

حسين عمر

كان أمراً لافتاً أن تتشكّل على نحوٍ مفاجئ، في قامشلو، لجنة سداسية باسم “المؤتمر القومي الكوردستاني” تضمّ شخصيات من الصفوف الخلفية للإدارة الذاتية المنصوبة والمُدارة فعلياً من قبل حزب العمال الكوردستاني إضافة إلى شخصيات من التحالف الوطني الذي بات جسماً رديفاً للإدارة يؤدّي أشخاصٌ فيه أدواراً وظيفية وتوظيفية تثير حفيظة حتى قسمٍ كبيرٍ من الكوادر والقيادات الوازنة في أحزاب التحالف نفسه. كما كان لافتاً أن تتحرّك هذه اللجنة في عجالة وتلتقي في غضون أيامٍ قليلة معظم الفعاليات السياسية والمجتمعية في غرب كوردستان بما فيها المجلس الوطني الكوردي الذي كانت سلطات أمن الإدارة تعتقل قيادات بارزة فيه. قالت اللجنة بأنّها تدعو جميع الأطراف التي التقت بها إلى اجتماعٍ تحضيري للإعداد للمؤتمر القومي، وصرّحت على الملأ بأن هذا الاجتماع سيُعقَد بمن حضر. حاولت اللجنة أن تظهر نفسها بمظهر المستقلّ عن العمال الكوردستاني والاتحاد الديمقراطي حينما ضحّت بكبريائها كلجنة من المفترض بأنّها مكلّفة من ” المؤتمر القومي الكوردستاني” حينما داهمت أجهزة أمن سلطة يشغل رئيس اللجنة منصب “وزير خارجية” فيها منزل المواطن الذي تبرّع باستضافة لقاء اللجنة مع وفد المجلس الوطني الكوردي بتهمة عقد اجتماع “غير مرخّص”.

حدّدت اللجنة (أو حُدّد لها) مكان وموعد الاجتماع التشاوري في مدينة السليمانية في جنوبي كوردستان وفي يومي 15-16 من شهر يوليو الجاري. وباستثناء المجلس الوطني الكوردي، اصطحبت اللجنة معها طابوراً طويلاً من الأحزاب والمجالس والاتحادات (المستقلّة) عبر طريقٍ تكتّمت عليه الشخصيات التي ظهرت في وسائل الاعلام. بعض الأحزاب حديثة الولادة وخدّج لم يسمع بها حتى الاعلام إلّا في هذه المناسبة (القومية ) وبعضها لم ينتسب إليها الأعضاء بعد.
جاء رتل الأحزاب والمجالس والاتحادات على أمل أو وهم عقد اجتماع تشاوري (قومي) تحضيراً لمؤتمر (قومي) ليجدوا بأنّ الاجتماع يقتصر فعلياً على أتباع (نعم أتباع بالمعني الدقيق للكلمة) الحزب الذي شكّل اللجنة السداسية في قامشلو، الحزب الذي لا تسمح له أيديولوجيته الفوقمية الانشغال بالمفاهيم القومية البالية التي عفى عليها زمن الأيديولوجيات السوسيولوجية والإيقولوجية.
أختار مهندسو اللجنة السداسية ومصمّمو الاجتماع التشاوري مدينة السليمانية مكاناً لانعقاده في مسعى لتعميق الشرخ بين الأطراف السياسية في جنوب كوردستان ولطعن موقع هولير العاصمة التي كان قرار تحديد موعد الاستفتاء على استقلال جنوب كوردستان قد اُتّخِذَ فيها قُبيل انعقاد هذا الاجتماع التشاوري (القومي)، الاستفتاء الذي جاهرت إيران بأنّها تُراهن على بعض الكورد في إفشاله.
المرونة السياسية التي أبداها الديمقراطي الكوردستاني في التعامل مع الأزمة السياسية الداخلية والحزم الذي أبداه في ملف الاستفتاء والدور الإيجابي الذي بات يلعبه الاتحاد الوطني وتجاوب حركة كوران مع جهود حلّ الأزمة الداخلية في الإقليم ومخاوف هذين الطرفين الأخيرين من مخاطر التمادي في الانقياد لرغبات العمال الكوردستاني في صراعه مع الديمقراطي الكوردستاني جعلهما يتجاهلان اجتماعه التشاوري. أمّا الحزبان الديمقراطيان في شرق كوردستان فيقرآن المعادلة جيّداً ويتصرّفان بحذرٍ وحرصٍ شديدين وينهمكان الآن في حوارهما لإعادة توحيد جناحيه.
أمّا بقدر ما يتعلّق الأمر بالضيوف الوافدين من غرب كوردستان والمرافقين للجنة السداسية، فبعض (الأحزاب) الافتراضية يكفيها أن تظهر في صورة ملتقطة بهذه المناسبة، في حين أنّ الأحزاب التي ظلّت تزعم (زوراً) بأنّها تقف على مسافة واحدة من المجلس الوطني الكوردي والإدارة الذاتية ومن هولير وقنديل، فقد استطاعت الجهة التي شكّلت اللجنة السداسية أن تنزع عنها آخر ورقة التوت، فهي لم تنجح في استلحاقها بالإدارة الذاتية فحسب بل وأدخلتها طرفاً موالياً وتابعاً في معادلة الصراع بين الأحزاب الكوردستانية. باختصار، لقد قادتهم اللجنة من قامشلو إلى السليمانية وستعيدهم إليها عطشى.
Rudaw
 

جميـع المقـالات المنشـورة تعبـر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـر بالضــرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى