آراء

صراع منصات المعارضة السورية وآخر صفعات دي ميستورا

د. زارا صالح
المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا، الذي نفد صبره تجاه الواقع التشرذمي للمعارضة السورية، اضطر أخيراً إلى التشمير عن ساعديه ولوح مشيراً إلى أنه سوف يشكل وفد المعارضة بنفسه، الذي من المفترض أن يكون جاهزا لمحادثات جنيف 3 التي اضطر إلى تأجيلها من جديد، بعد أن كانت مقررة بتاريخ الثامن من فبراير، إلا أن الخلافات وتجاذبات أطراف المعارضة أفشلت ذلك، ما دعا دي ميستورا إلى التأجيل لغاية العشرين من هذا الشهر.
كانت روسيا قبلها قد وجهت صفعتها القوية لتلك المعارضة وجسمها الرئيسي المتمثل بالهيئة العليا والائتلاف الوطني السوري، حسب تصورهم، عندما كتبت دستوراً لسوريا وقدمت نسخا منه لمنصة استانة في كازاخستان، وكذلك للأطراف الأخرى، بما فيها النظام السوري.
هذا بكل تأكيد مؤشر على تهميش كلي لدور المعارضة، خاصة الخارجية منها، التي تعتبر مدعومة من قبل “مجموعة أصدقاء سوريا” وطبعاً النظام تنازل عن حصته لروسيا وإيران في التمثيل، ولم تكن مستغربة من الدستور المقترح لروسيا، فقد اكتفت ببعض الملاحظات التي لن تغير من القرار الروسي.
محطة استانة التحضيرية كانت تمهيداً تدريجياً لتقلص دور الائتلاف السوري والهيئة العليا للمفاوضات من خلال اعطاء الدور الفعلي لممثلي المجموعات المسلحة، ثم جاء بعدها الحديث عن ضرورة حضور ممثلي كافة فصائل المعارضة، التي باتت تعرف باسماء المنصات لكثرة عددها. فهناك منصة استانة، منصة القاهرة، منصة موسكو، منصة إسبانيا، منصة حميميم، وطبعاً هناك الائتلاف والهيئة العليا، ولا ننسى “مجموعة نساء دي ميستورا” ايضاً وكذلك ممثلي الكرد بشقيه، إذ أن المجلس الوطني الكردي موجود داخل الائتلاف السوري، وحزب الاتحاد الديمقراطي يعتبر “خطا ثالثا” ليس مع الطرفين.
دي ميستورا كما صرح سيقوم بتشكيل وفد يشمل الغالبية عبر توافقات الدول الداعمة لكل طرف، اي لن تبقى جهة وحيدة تحتكر التمثيل، كما كان الائتلاف سابقا، وهذا بحد ذاته خطوة اجرائية لإيجاد بديل “توافقي معتدل” يناسب الرؤية والتوافقات السياسية الدولية والإقليمية، خاصة ما حدث مؤخراً بين روسيا وتركيا وايران ورؤيتها للحل حول بقاء الأسد في الفترة الحالية، أو حتى إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة. بالتوازي تجري عملية فرز وفصل بين الفصائل المسلحة واصطفافاتها وفق المطلب الدولي، تحديداً الروسي والامريكي، في تعريف الارهاب، بعد محاولة ناجحة في تجميع الفصائل، وبيان موقفها من تنظيم “داعش” وجبهة النصرة وضمها إلى حلف محاربة تلك الجماعات التكفيرية، بعد سريان قرار الهدنة في بقية المناطق.
تصريحات دي ميستورا أشعلت من جديد فتيل الصراع المزمن بين جماعات المعارضة السورية، عبر تفاعلهم مع تلك التصريحات في تحديد من “يمثل” المعارضة، ومن ثم العودة إلى تعريف المعارضة، وكيل الاتهامات من جديد، خاصة ان التوافقات الأخيرة تميل نحو تمثيل معتدل هو الأقرب للنظام، وما كان يطلق عليه اسم «المعارضة الناعمة» تلك التي لا تطالب برحيل الأسد وتبقيه في الرئاسة حتى بعد المرحلة الانتقالية، أي أنها تراجعت عن شروطها الأولية حول مصير الأسد.
هذه الرؤية للحل تتقاطع مع القادم الجديد إلى الإدارة الامريكية الرئيس ترامب الذي اختصر الوضع في سوريا بمحاربة «داعش» والارهاب وستكون، كما يبدو، بالتنسيق مع بوتين وأردوغان والاعتماد على القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، إذا تمكنت من إيجاد مخرج لارضاء الطرف التركي ومخاوفه تجاه «خطر الدولة الكردية»، وقد يواجه ذلك تحديات صعبة، لاسيما اذا فكرت امريكا عمليا في إقامة مناطق امنة في سوريا وفي الشمال تحديداً، سيكون هناك تحدي.
الموقف التركي لجهة المناطق الكردية، وإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي لها عبر قوات حماية الشعب الكردية. رغم اتفاقية الهدنة الموقعة بين الاطراف الدولية الراعية لها في كازاخستان، الا أن النظام وميليشيات حزب الله لم تلتزم بها في العديد من المناطق، خاصة في منطقة وادي بردى، التي سيطرت عليها بالكامل بعد ترحيل اهلها إلى مناطق ادلب عبر منهج التغيير الديموغرافي لسوريا.

ليس خافيا على أحد أن مصير السوريين وقرارات الحل بشأنهم هما بيد اجندات واطراف خارجية، وتتخذ القرارات وفق مصالحها، وبات من المعروف أن الكثير من المؤتمرات تعقد حول الازمة السورية من دون حضور السوريين انفسهم، ولعل التصريحات الأخيرة لدي ميستورا وكلامه الواضح بقيامه بتشكيل وفد المعارضة بنفسه، أي بمعنى من قبل مجلس الأمن، إنما هو تأكيد على خروج الملف السوري لجهة الاطراف الدولية والإقليمية ذات المصالح المتقاطعة وتوافقاتها. هذا يعني أن الحديث عن حوار سوري – سوري هو كلام غير دقيق وتسويق اعلامي فقط وليس هناك حل يلوح في الافق، إلا اذا اتفقت الأطراف الدولية الفاعلة وفق اجندتها الخاصة، وليس كما يريده السوريون الذين اصبحوا في حكم الحاضر الغائب، وبات حضورهم شكليا، كما نراه اليوم، فيما المنصات تتصارع على  طواحين الهواء بعد أن ضمن النظام وفرض شروط بقائه على الاقل في حدوده الدنيا إن لم يكن اكثر.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى