آراء

آفاق الدولة الكُـردية

فـرحان مرعي

صحيح إن الأحداث التي مرت على كردستان خلال الحرب الدائرة في سوريا والعراق من غزو شنغال إلى إحتلال كركوك وعفرين، أحبطت معنويات كثير من الكرد وبلغت اليأس حدا كبيرا إلا أن تاريخ الكرد غني بتجارب الانكسارات كما أنه غني بتجارب النهوض والإنتصارات والانتفاضات والثورات المستمرة لتؤكد حيوية هذا الشعب وديمومته واستمراريته في الدفاع عن حقه في إقامة دولته المستقلة، لذلك فإن الكرد بدأوا بمداواة جراحهم بسرعة ويتعافون شيئا فشيئا، بينما القوى المناهضة لإقامة الدولة الكردية تفشل وتتعرى وتتكشف على حقيقتها، والأعداء يترنحون، وتتهاوى يوما بعد يوم دعائم الدولة المركزية الحديدية في المنطقة، ونستطيع القول إنها (الدولة المركزية) سقطت في الشام وبغداد وتترنح في طهران وأنقرة، ففي قراءة دقيقة للوحة الصراع في المنطقة يرى أن المسألة الكردية هي المحور الأساسي الذي يدور حوله هذا الصراع, وفي حلها يتحقق الأمن والاستقرار في الإقليم، والكرد عنصر فاعل في المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، ويمتلكون بذور ثقافة إنسانية ديمقراطية تؤهلهم الى ان يأخذوا مكانهم الطبيعي في قلب الشرق الأوسط.

ويعتبر إقليم كردستان العراق نموذج ونواة هذه الفعالية الطامحة الى اقامة دولة كردية متميزة وديمقراطية، ويعتبر الاستفتاء الذي جرى في عام 2017 على استقلال كردستان العراق وبنسبة تصويت أكثر من 90% المؤشر الأكبر على هذه الإمكانية. بالطبع المتغيرات الإقليمية والدولية مترابطة ضمن نزعة ورغبة دولية إلى إجراءات وتغيرات جغرافية وسياسية بعد كل حقبة زمنية بدأت ملامحها تظهر منذ إنهيار الشيوعية، وما يجري في المنطقة يأتي في السياق الطبيعي لحركة التاريخ وحاجة البشرية إلى التغيير في المفاهيم والثقافة والسياسة لإعادة التوازن في الصيرورة البشرية والجغرافية وكسر الجمود في مجمل العلاقات البشرية والعلاقات الدولية.. مثلا لا يمكن لسوريا ان تعود إلى ماقبل عام 2011وكذلك العراق لن تعود الى ما قبل 2003 ودخول تركيا وإيران في قلب الصراع تحرك بذاتها مياهها الراكدة منذ الحربين العالمتين الأولى والثانية.

اذاً المنطقة مقبلة على متغيرات كبيرة في الثقافة والسياسة والجغرافيا، فالحرب بذاتها نقلة نوعية في التاريخ تنقل الجماعات البشرية من حالة الى اخرى، ولكن هذه النقلات لا تحدث بين ليلة وضحاها, انها مشاريع دولية استراتيجية بعيدة المدى، فمثلا، الحرب العالمية الأولى بدأت عام 1914 وانتهت عام 1918 بينما ما نتجت عنها من اتفاقيات و معاهدات وخرائط لم تثبت إلا عام 1923 مع اتفاقية لوزان وتداعياتها التي ما زالت مستمرة حتى الآن، المنطقة تمر فيما يشبه أحداث الحرب العالمية الاولى مع الإختلاف في آليات الحرب وتموضع القوى الدولية والإقليمية، إذاً في المحصلة: الحرب لم تنته بعد، الاتفاقيات ما زالت غامضة لكن من المؤكد ان القديم يحتضر والجديد لم يتبلور بعد.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 254

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى