أربيل هي المخرج لا جبال قنديل
حازم الأمين
في السنة الفائتة أمضيت أياما في “إقليم شمال سوريا” على ما يطلق عليه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري. اليوم أستعيد بعضا من تلك الأوقات في ظل المصير المتوقع للناس في هذه المنطقة في أعقاب إعلان الولايات المتحدة قرارها الانسحاب منها.
لا شيء يُخفف من يقين المرء بأن حربا كارثية تنتظر مناطق الأكراد ومناطق العرب في الإقليم المزعوم. أستعيد وجه صديقي طه الذي استضافنا في منزله في القامشلي، والوجه الصلب لضيفته المقاتلة في وحدات حماية المرأة.
وأستعيد حديثي مع ألدار خليل، المسؤول الثاني بالاتحاد، ويومها لم يكن الانسحاب الأميركي مطروحا، لكنني سألته عن مستقبل تجربتهم في ظل هذا الاحتمال، فأجابني بما تجيب به الأحزاب، لا بما يجيب به من أعد نفسه لهذا الاحتمال. قال إن تجربة الإقليم تضم عربا سيتولون التضامن مع الأكراد في حال تعرضهم لهجوم. وكم كان هذا الكلام غير واقعي في حينها، وهو غير واقعي أكثر اليوم طبعا.
الحرب على الأبواب. هذا ما يشعر به أهل المدن والبلدات الكردية في شمال سوريا. تركيا متحفزة للانقضاض على مناطقهم، والنظام السوري طامح إلى استعادة المناطق التي فقدها في أعقاب انتفاضة العام 2011. العلاقة مع إقليم كردستان العراق ليست كما يجب، والفصائل المسلحة السورية المعارضة مرعية بالكامل من تركيا، وهي متحفزة بانتظار أوامر أنقرة.
علينا أن نخاف على أصدقائنا في القامشلي. المدينة التي زرتها للمرة الأولى منذ نحو عشرين عاما، عابرا منها إلى كردستان العراق، حين كانت الأخيرة “دار حرب” نظام صدام حسين، وزرتها للمرة الأخيرة عابرا إليها من كردستان العراق حين كانت هي هذه المرة “دار حرب” تنظيم “داعش”.
تبادل كردستانا العراق وسوريا تأمين عبوري إلى كل منهما في لعبة الموت الدائرة في بلاد البعث. وحين التقيت ألدار خليل العام الفائت في القامشلي ذكرت له التحول الهائل في موقع أكراد العراق بين هذين الزمنين، والقنوات التي فتحوها في موازاة الحروب التي خاضوها، وكانت الفكرة أن تجربة أكراد سوريا أشد تعقيدا وتتطلب ما يفوق براغماتية جلال طالباني وقومية مسعود بارزاني الواقعية.
وطبعا كنت أعرف أنني أتحدث مع حزبي من نوع آخر، لكنني في حينها كنت على يقين بأن ساعة الانسحاب الأميركي قادمة، وكنت على يقين أيضا بأن “التجربة” على أبواب صدامٍ كبير. وكان خوف يحركني ويدفعني إلى السؤال وليس رغبة صحافي في الحصول على أجوبة.
اليوم لا وقت للمراجعة. تركيا تحث الخطى نحو الحرب مع أكراد سوريا. النظام أيضا يستعد لمعاودة السيطرة، والفصائل المسلحة المعارضة لن تكون في منأى عن حفلة الدماء.
المبادرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تحتاج إلى قدر كبير من الواقعية التي من غير المتوقع أن تكون خيار الاتحاد الوطني الكردستاني. الانسحاب الأميركي سيترك الجماعة في العراء. المخرج الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه هو دفع مسعود بارزاني إلى واجهة التفاوض، ذاك أن علاقات الرجل مع أنقرة قد تسعفه في إيجاد مخرج. والمخرج المتوقع سيكون مؤلما للاتحاد، لكنه سينقذ السكان من أهوال حروب كثيرة.
لا يمكن للمرء أن يتخيل مخرجا آخر في ظل هذا الانسداد الكبير. لكن في المقابل فإن تحول هذا المخرج إلى واقع أو حتى إلى احتمال يقتضي درجة من البراغماتية غير المتوقعة من القيادة الكردية في سورية. الوقت لا يساعد على ذلك، ولم يسبق أن أظهرت جماعة أيديولوجية وقومية في منطقتنا قدرة على التحول في مسافة زمنية ضيقة.
أما أن يلجأ الاتحاد إلى النظام السوري لا سيما وأن مفاوضات شهدتها دمشق في الأشهر الفائتة بينهما، فهذا ما سيضاعف من المأزق. وهنا لا يقتصر المأزق على السقطة الأخلاقية، بل سيكون مأزقا واقعيا أيضا، ذاك أن النظام جزء من خريطة المفاوضات التي ترعاها موسكو بين طهران وأنقرة حول مستقبل سوريا، وهو لن يقف في وجه “الثأر التركي”، لا بل من المرجح أن يغذيه بمزيد من الاحتمالات الدموية.
أربيل هي الخيار، لا جبال قنديل، وعليها أن تبادر. أمام حلم مسعود بارزاني في أن يمد الزعامة إلى خلف الحدود العراقية فرصة. المهمة صعبة، ذاك أنها رقص بين وعي امبراطوري (تركي) وبين أوهام أيديولوجية (أوجلانية). لكن إنقاذ أكراد سوريا من احتمالات حرب طاحنة مهمة تتطلب المحاولة.
الحرة
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media