آراء

أسعد الزعبي: مهرج الشوفينية وسفيه الجغرافيا والتاريخ

عاكف حسن

لم يكن مستغربًا أن يخرج علينا أسعد الزعبي بترهاته المسمومة، فهو نتاج مدرسةٍ تعلّمت القتل قبل السياسة، والتشبيح قبل التحليل. كيف لا، وهو الذي تربى في كنف نظامٍ استباح دماء السوريين، ثم ارتدى قناع “المعارضة” ليواصل بثّ الأحقاد وتقسيم السوريين وفق رؤيته الشوفينية العمياء؟ أي معارضةٍ تلك التي تعجز عن التحرر من أدران البعث وتقاليد العسكرتاريا؟

حين يصف الزعبي الكرد بالحيوانات، فإنه لا يكشف إلا عن حقيقته المنحطة، فالإنسان الحقيقي لا يمارس هذا الانحطاط الأخلاقي، ولا ينحدر إلى هذا الدرك من الحقد الأرعن. لو كان ذا بصيرة، لأدرك أن الكرد لم يكونوا يومًا غزاةً أو محتلين، بل كانوا دومًا جزءًا أصيلًا من نسيج سوريا، مدافعين عن أرضها ضد كل همجيةٍ عابرة، سواء جاءت بزي “داعش” أو بزي البعث وأشباهه.

لكن ما يثير الاشمئزاز أكثر من صراخ هذا النكرة، هو تلك المنصات الإعلامية التي تتيح له المجال لينفث سمومه، في مشهدٍ يعكس مدى الانحطاط الإعلامي الذي بات يستضيف كل من هبّ ودبّ، ما دام يخدم أجندة الإثارة الرخيصة والتمزيق المجتمعي. ألهذا الحد أصبحت الفضائيات مرتعًا لمن يلوّح بأن الكرد يحتاجون إلى سفاحٍ آخر على شاكلة صدام حسين ليخرسهم؟ هل بلغ به الحنين إلى المجرمين حدّ التهديد الضمني بإعادة المجازر الجماعية؟ أي انحطاطٍ أكبر من أن يترحم على قاتل الأطفال في حلبجة ويتمنى تكرار جرائمه؟

ولا تقف سفاهة الزعبي عند هذا الحد، بل يمتد هذيانه ليطال الحقائق الديموغرافية والجغرافية والتاريخية، حين يزعم أن عدد الكرد في سوريا لا يتجاوز 3%، في واحدةٍ من أكثر الأكاذيب سخفًا وسذاجة. هذا ليس مجرد كذب، بل هو تهريجٌ سياسي لا يصدر إلا عن مهرجٍ فقدَ أي اتصالٍ مع الواقع. فهل يعقل أن يكون ملايين الكرد في الشمال السوري مجرد “أقلية ضئيلة”؟ هل تُطمس المدن والبلدات الكردية في الحسكة وعفرين وكوباني بجرة قلمٍ من جاهلٍ لا يملك سوى عنصريته؟

الحقائق الجغرافية والتاريخية ليست وجهات نظر، لكنها تصبح هكذا في عقول المتطرفين وأصحاب الأجندات السوداء. إن محاولة الزعبي تقزيم الوجود الكردي في سوريا ليست سوى استمرارٍ لمحاولات تعريب المنطقة بالقوة، وهي امتدادٌ لعقلية البعث التي صادرت الأراضي ومنعت حتى تسجيل الأطفال الكرد بأسمائهم الحقيقية. لكنه يبدو كمن يحاول تغطية الشمس بغربال، فالكرد موجودون على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولن يمحوهم خطابٌ تافه من عسكريٍّ سابق في جيش الأسد، يلبس اليوم ثوب “المعارضة”.

إن تلميح الزعبي بأن الكرد بحاجة إلى “قبضة صدام” ليس مجرد شتيمة، بل هو دعوة للإبادة، صادرة عن عقليةٍ مريضةٍ لا تختلف عن أعتى الطغاة. فالمجرم ليس فقط من يضغط على الزناد، بل أيضًا من يبرر القتل ويدعو إليه بلسانه القذر.

أسعد الزعبي ليس إلا تجسيدًا للمرض الذي أصاب بعض من يسمّون أنفسهم “معارضة”، وهو مرض الشوفينية العمياء، التي لا تقل قبحًا عن الاستبداد الذي يدّعون معارضته. ولعلّ الفرق الوحيد بينه وبين جلادي الأمس، أن أولئك كانوا يقتلون الناس في السجون، بينما هو يحاول قتلهم معنويًا بتشويه حقيقتهم وتحريض العالم ضدهم. لكن الكلمة الأخيرة لن تكون لأمثاله، بل لأولئك الذين صمدوا في وجه الديكتاتوريات بجميع أشكالها، سواء كانت بلباس العسكر أم بلباس التحليل السياسي الرخيص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى