أضواء على الدورة السابعة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف
موسى موسى
بعد عدة جولاتٍ للمبعوث الأممي الى سوريا والميسّر للجنة الدستورية السيد غير بيدرسون إلى عددٍ من العواصم، انعقدت اللجنة بدورتها السابعة في جنيف في ٢١/٣/٢٠٢٢ عقب مشاوراتٍ بين الرئيسين المشتركين للجنة والمبعوث الاممي، السادة هادي البحرة واحمد الكزبري وغير بيدرسون، والاتفاق على عناوين المبادئ الأساسية التي ستتمّ مناقشتها، وقد تمّ الاتفاق على تقديم أربعة مبادئ أساسية كمشاريع لنصوص دستورية وهي:
1- في اليوم الأول، يوم الاثنين ٢١ آذار ورقة(أساسيات الحكم) من وفد المعارضة .
2- في اليوم الثاني، يوم الثلاثاء ٢٢ آذار ورقة (هوية الدولة) من قبل بعض مرشحي المجتمع المدني .
٣- في اليوم الثالث، يوم الأربعاء ٢٣ آذار ورقة (رموز الدولة) من قبل وفد الحكومة.
٤- في اليوم الرابع، يوم الخميس ٢٤ آذار ورقة (عمل وتنظيم السلطات العامة) من وفد المعارضة.
وبهذا كان حصة وفد المعارضة تقديم ورقتين حسب الاتفاق الذي تمّ بين الرئيسين المشتركين والمبعوث الأممي منذ الدورة السادسة التي تقدّمت فيها الحكومة بورقتين في حينها، على أن تقدّم المعارضة ورقتين في هذه الدورة ،السابعة،.
وقد اقتصر يوم الجمعة ٢٥ آذار على تقديم المقترحات المعدّلة تماشياً مع الاتفاق الذي تمّ بين الرئيسين المشتركين والمبعوث الأممي، على أن تقدّم الوفود مراجعاتٍ تعكس محتوى المناقشات خلال الأيام الأربعة الماضية، وكما العادة لم يقدّم وفد الحكومة ووفد المجتمع المدني المقترحات المعدّلة، وإنما اكتفوا بما قدّموا في أوراقهم، واقتصرت الصيغ المعدّلة فقط من وفد المعارضة، وكان من المقرر أن يعقد المبعوث الأممي وكلٌّ من الرئيسين المشتركين مؤتمراً صحفياً لكنه ألغي لعدم تحقيق أيّ تقدمٍ أو الوصول الى مخرجات ايجابية، واكتفى مكتب السيد المبعوث الأممي ببيانٍ أشار فيه بأنّ بعض الأطراف لم يضمن أي تعديلات، مشيراً بذلك الى وفدي الحكومة والمجتمع المدني.
تراتبية مختارة ومبادئ دستورية مؤجلة:
تتميّز الدساتير بتراتبية مضامينها بشكلٍ واضح وبنسقٍ موضوعي، تبدأ من المقدمة الى أن تنتهي بأحكام ختامية ، دون أن يكون هناك خلطٌ فيما بين أحكامها، وبعد المقدمة أو الديباجة تكون المبادئ السياسية التي تعرّف الدولة ونظامها وهويتها ولغتها وشعبها من الأبواب أو الفصول التي تأتي بعد المقدمة، ومن ثم الفصول المتعلّقة بالحقوق والحريات ومن ثم وضع سلطات الدولة الثلاثة.
وقد ركّزت الورقة المقدّمة من وفد الحكومة ووفد المجتمع المدني في الدورة السابعة لاجتماعات اللجنة الدستورية على هذه التراتبية، بخلاف ورقة المعارضة التي أرادت التركيز عليها وبنفس الوقت الابتعاد عن تلك التراتبية المطلوبة من خلال عدم تضمين ورقتها على مبادئ سياسية بشأن اسم الدولة ولغاتها وكذلك الدين والفقه الإسلامي وغيرها، نتيجة عدم حسم هذه المواضيع الأساسية بين أطراف هيئة التفاوض، فقد كان اسم الدولة واللغات الرسمية وتعددية الشعب السوري القومية مصدر خلافٍ واختلافٍ بين أطراف هيئة التفاوض، إضافةً الى الدين وحقوق الكُرد والأحوال الشخصية، لذلك آثر وفد المعارضة الابتعاد عن هذه المواضيع المهمة والأساسية التي هي موضع خلافٍ في هيئة التفاوض، وبذلك كان ابتعادها عن التراتبية المطلوبة في المضامين الدستورية، وكان الأجدى بقوى هيئة التفاوض أن تصل إلى تفاهماتٍ فيما بينها قبل التوجه إلى جنيف، لأنّ هذه المبادى الأساسية لا بدّ لها وأن تُعرض في الجلسات الأولى دون أن تؤجّل إلى جلسات قادمة مخصّصة لمبادئ دستورية أخرى، وقد كان هذا ملموساً لكلّ متابع، بأنّ وفد اللجنة الدستورية المرشّح من هيئة التفاوض سيقفز على الكثير من الأساسيات بالتأجيل أو التحويل الى دورات قادمة، وقد حصل ما كان متخوّفاً منه فيما يتعلّق باللغة، حيث أحالها لبحثها مع مبدأ الحقوق الثقافية والتعليمية، كما أنّ وفد هيئة التفاوض لم يحسم اسم الدولة؛ وإنما أشار إلى أنّ السياق الدستوري استخدم اسم الجمهورية العربية السورية، و اسم الجمهورية السورية، ما يشير بأنّ وفد المعارضة واقعٌ بين طرفي الرحى، حيث لا يجد في نفسه القدرة على حسم الموقف من هذه المسائل التي تهمّ الشعب السوري وإنما ينساق خلف رؤى وأفكار وأيديولوجيات بعيدة عن واقع الشعب السوري ومكوناته المتعددة قومياً.
وبالنسبة للمبدأ الدستوري المتعلّق برموز الدولة الذي قدّمه وفد المجتمع المدني أيضاً لم يحسم وفد المعارضة موقفه، وإنما أحاله إلى القانون، حيث جاء في ورقته بحرفيته (يبيّن القانون علم الدولة وشعارها ونشيدها والأحكام الخاصة بها، وتُعتبر رموزاً وطنية تعبّر عن الدولة السورية وشعبها بمكوناته المتعددة وتاريخها الحضاري).
إنّ غياب التفاهمات عن الكثير من المواضيع الأساسية بين قوى هيئة التفاوض بشأن اسم الدولة، ولغاتها، والدين، وحقوق الكُرد، والأحوال الشخصية، وموقع سوريا والشعب السوري من الوطن أو الأمة أو العالم العربي، كقضايا خلافية، يجعل من وفدها في اللجنة الدستورية أن يقع في مطبات دستورية وقانونية ووظيفية، وكأنه يرى نفسه وسيطاً في مناقشاته بين النظام وبين بقية مكونات الشعب السوري على حساب المكونات، فكتابة الدستور السوري في هذه المرحلة بحد ذاته ،حواراً سورياً سورياً وتفاوضاً من أجل عقدٍ اجتماعي جديد، وعلى الأطراف المتفاوضة أن تكون على مستوى المسؤولية وتناقش بكلّ وضوحٍ وشفافيةٍ، وتتطلّب الشجاعة تجاه الواقع المرير والآلام والضحايا التي قدّمها الشعب السوري، وأن تكون جديرة بتمثيل كافة المكونات وحقوقها تمثيلاً حقيقياً وبشجاعةٍ وقناعةٍ، ليكون بمقدورها التفاوض وصياغة القانون الأسمى للدولة، ولا يتوجّب عليها أن تغمض العيون أمام القضايا الأساسية التي تستوجب حلولاً لبناء سوريا المستقبل، والتاريخ يؤكّد بأنّ المنطقة برمّتها تعرّضت للكثير من الحروب والغزوات والثقافات والهجرات، ولَم تندمج شعوب سوريا قومياً ولغوياً وثقافياً، ولَم ينتج عنها هوية واحدة للدولة السورية إلى يومنا هذا، وما زال الشعب السوري يتميّز بخاصية التعددية القومية واللغوية والثقافية.
إنّ مقاربة واقعية لتحديد هوية الدولة والبحث فيها بناءً على أسس منطقية وواقعية يشكّل مخرجاً من إشكالية التقوقع على الذات والتغنّي بأمةٍ واحدة ولغةٍ واحدة وثقافةٍ واحدة، وأحد الأركان الأساسية لدولة سوريا بحدودها الدولية الحالية هو شعبٌ متعدد القوميات، كما أنّ التاريخ والجغرافيا والواقع لم يثبت بأنّ أركان الدولة الثلاثة (الأرض والشعب والسلطة) كانت أحادية اللون، ديناً وقوميةً ولغةً وثقافةً، إلا ما فُرِضَ منها بالقوة، ومن الخطورة بمكانٍ ربط الدولة بواحدةٍ منها، فالشعب السوري الذى عانى خلال قرونٍ مضت من سيطرة أفكار ورؤى أحادية الجانب لم يستطع بناء دولته الوطنية الجامعة والشاملة للجميع على أسس الهوية الوطنية، ولَم يشهدها عبر التاريخ، وهذه كانت إشكالية مستمرة الى اليوم والتي جلبت الكثير من الكوارث.
فسوريا كدولة لا تقبل الدين الواحد ولا القومية الواحدة ولا الثقافة واللغة الواحدة، وقد تداركنا هذا منذ زمنٍ بأنّ الهوية الوطنية السورية هي حجر الأساس الذي تيحَصّن الوطن والشعب من الأزمات، واليوم نحن أحوج الى تجاوز فرض هوية أحادية أو هوية طائفة محددة على الدولة باستثناء هوية وطنية سورية عامة وجامعة، مع الاحتفاظ بهويات مكونات الشعب السوري القومية والدينية والثقافية واللغوية بما لا يتناقض مع الهوية الوطنية، واعتبار تلك الهويات الفرعية متساوية الدرجة.
ولكيلا نتجاوز الواقع ونكون في وضوحٍ مما نحن عليه، علينا أن نقول: إذا كان الدين هويةً، فلكلّ مجموعةٍ أو مكونٍ من مكونات الشعب السوري دينه، وإذا كانت القومية أو اللغة أو الثقافة هوية، فلكلّ مكونٍ هويته القومية واللغوية والثقافية، لذلك لا ينبغي أن يفرض هويةً من هذه الهويات الفرعية لطائفة أومجموعة أو مكون من مكونات الشعب السوري على الدولة والشعب المتعدد قومياً ولغوياً وثقافياً، وعلى الوفود المشاركة في اللجنة الدستورية استيعاب هذه المعادلة؛ إذا ما أرادوا لسوريا وشعبها الديمومة، وعليهم جميعاً أن يعملوا لصالح الأجيال القادمة ووضع استراتيجية تجمعهم لا أن يكرّسوا ما يفرّقهم كالسلوك السياسي الذي مارسته الحكومات السابقة، التي كانت نتيجتها دمار الدولة والشعب، كما نراه اليوم، بفعل تلك العقلية التي مازالت مستمرة وإشاراتها واضحة في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية في تخندق بعض الاطراف خلف ثقافات وأيديولوجيات وأفكار ورؤى قاصرة وحالمة لإعادة أمجاد مزيّفة بصهر الآخر المختلف قومياً ولغوياً وثقافياً في بوتقة قومية الأغلبية ودينها ومذهبها.
بهذه العقلية لا تُبنى الأوطان والدول، وإنما تُزرع الكثير من المفخخات القاتلة والمدمّرة للأجيال القادمة.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 297