أمريكا – إيران خصامٌ أم وئامٌ
فياض إسماعيل
بقراءةٍ سريعة لتاريخ العلاقات بين أمريكا – إيران يتّضح أنّ العداء كان السمة الغالبة على علاقاتهما تزامن ذلك مع الإطاحة بحكومة “محمد مصدق” عام 1953م، بعد تأميمه الثروة النفطية الإيرانية؛ وأعتقد أنّ الإيرانيين ما زالوا يتذكّرون الدور الذي لعبته المخابرات المركزية (CIA) الأمريكية في الإطاحة بحكومة “مصدق” بالتنسيق مع “البريطانيين” لكن إيران كانت منذ بداية الحرب العالمية الأولى ضمن منطقة نفوذ بريطانيا والتي كانت تحتكر النفط في البلاد عن طريق شركة النفط “الأنجلو-الإيرانية” لكن بعودة “الشاه محمد رضا بهلوي” إلى الحكم خرجت إيران من دائرة النفوذ البريطاني وتحوّلت إلى حليفٍ قوي للولايات المتحدة الأمريكية في وجه المد اليساري الذي كان يجتاح المنطقة.
وشنّ “الشاه” حملة قمعٍ واسعة ضد اليسار ورجال الدين المعارضين له، وفي عام 1979م أطاحت الثورة الإسلامية بنظام حكم الشاه الذي فرَّ إلى الخارج، وعاد “آية الله الخميني” من منفاه في فرنسا ليتولّى منصب المرشد الأعلى للثورة، ثم اقتحم عشرات الطلاب السفارة الأمريكية في “طهران” واحتجزوا عشرات الدبلوماسيين والموظفين لمدة سنة ونصف مطالبين بتسليم الشاه للمحكمة، وبذلك قطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبعد ذلك تمّ حجز الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية وقطعت علاقاتها التجارية معها وحظرت تصدير معظم السلع إليها ومن ثم أطلق سراح الرهائن الأمريكيين بعد أيام من استلام ” رونالد ريغان” مقاليد الأمور في أمريكا خلفاً ل “جيمي كارتر”.
وفي بداية الثمانينات وضِعت إيران في خانة الدول الراعية للإرهاب بالإضافة إلى إسقاط طائرة ركاب إيرانية فوق مياه الخليج بواسطة بارجة أمريكية ممّا أدّى إلى قتل جميع مَن على متنها البالغ عددهم (290) راكباً، وفي عام 2002م أعلن الرئيس الأمريكي “جورج بوش الأب” أنّ “العراق-ايران-كوريا الشمالية” يشكّّلون ما سمّاه آنذاك ب ” محور الشر” ومن ثم اتهامه إيران بامتلاك برنامج سري لإنتاج الأسلحة النووية.
لكنّ المتابع لطبيعة العلاقات بين الغرب وأمريكا بصيغة عامة مع إيران يدرك أن العلاقات بينهما لم تنقطع على مدار صراع النفوذ إلى توافق في الأهداف والطموحات والتوسع، خاصةً بعد قيام المستشار الأمن القومي الأمريكي وقتذاك بزيارة سرية لطهران مع الوفد المرافق له على متن طائرة تحمل معدات عسكرية وجلب معه كعكة صنعت على شكل مفتاح كرمز بمفتاح الصداقة بين البلدين كما قدّموا “انجيلاً” يحمل توقيع الرئيس “ريغان” وكان الكشف عن هذه الزيارة هو ما أثار القضية التي عرفت بــ “إيران جيت” أو “إيران كونترا”، وهي التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي اتفاقاً مع إيران يقضي ببيع إيران وعن طريق “إسرائيل” ما يقارب (300) صاروخاً “تاو” المضاد للدروع واستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات الكونترا المناوئة للنظام الشيوعي في “نيكاراغوا”.
التنسيق بين الأميركان والإيرانيين لم ينقطع يوماً ما، وقد استمرّت العلاقات السرية وكانت تسميها “الشيطان الأكبر” علنياً بعد موت الخميني في عهد “رفسنجاني” حيث تمّ التنسيق بينهما خلال حرب “الخليج الثانية”، وكانت الفرصة مؤاتية للقضاء على العراق العدو اللدود لإيران، ثم كان الانفتاح الأكبر في عهد “محمد خاتمي” حيث تحوّلت العلاقات بينهما من السر إلى العلن لأول مرة منذ قيام الثورة الخمينية، ومن ثم بلغ التنسيق قمّته بعد أحداث “11 سبتمبر” ومساعدة إيران وأمريكا على غزو العراق 2001م وافغانستان 2003م، وبذلك تمّ تقسيم العراق بين أمريكا وإيران حيث حازت إيران على كامل النفوذ داخل العراق التي لم تحلّم بالحصول عليها يوماً ما مقابل النفط والنفوذ السياسي الأمريكي في العراق والخليج العربي، وقد تمّت أيضاً الصفقة بين الحكومة الشيعية وأربع شركات نفط أمريكية وهي: “إكسون موبيل-شل-توتال-بريتش”، كما أبرم اتفاق سري أمريكي شيعي وهو أنّ عدوها الرئيسي هي الحركات الإسلامية السنية التي تقف في وجه أمريكا في العالم الإسلامي بأسره.
هنا ندرك بأنّ الوضع الحالي في المنطقة رسم بعناية تامة بعد أحداث 11 سبتمبر وبعد غزو العراق حيث تعطي أمريكا الضوء الأخضر في دعم مشروع حزام الشيعي والسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي السني والحركات الاسلامية السنية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج أي محاصرة العالم الاسلامي السني، كما أننا نجد في العالم السياسية كلّ شيء ممكن أعداء أمس أصدقاء اليوم وأصدقاء اليوم أعداء أمس، وهكذا يترجم ما يحدث بين التقارب والتباعد بين إيران وأمريكا وأنّ ما يحدث من بعض الضربات العسكرية أو التباينات هنا وهناك لا يفسد للود قطيعة بين براغماتية،
والهدف هو كيفية تحقيق مستحقات الهيمنة ومن هو شرطي المنطقة.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “317“