/أمريكا دروس وعبر /
فرحان مرعي
الدوريات الأمريكية يومياً تجوب مناطق شرق الفرات، بلداتها وقراها الطينية، الجنود ينزلون من عرباتهم العسكرية مراتٍ كثيرة، ويلتقطون الصور مع أطفالٍ رثة أسمالهم، حفاة عراة، مع ابتساماتٍ ساخرة، وأحياناً يعطونهم قطعاً من السكاكر والشوكولا، ويسألون الناس البسطاء ،الشاحبة وجوههم، وتجاعيدها تحكي عذابات سنينٍ من القهر والحرمان، يسألون باستهزاءٍ : ماذا تريدون؟ مارأيكم بنا ؟ أسئلةٌ تفضح نفسها في كلّ مكان وزقاق وقرية وطريق، وصور القرى الطينية تفضحهم وتجيبهم في نفس الوقت ؟!
في سنة ٢٠١٨ أمريكا كانت موجودة في شرق الفرات، وروسيا في غربها، واجتاحت القوات التركية عفرين؟!
في أكتوبر عام ٢٠١٩ أعلنت أمريكا انسحابها من شرق الفرات، وتوجّهت العربات والآليات الأمريكية نحو الحدود العراقية، أمام أنظار الناس ، وخلال عدة أيامٍ دخلت القوات التركية مدينتي رأس العين وتل ابيض الكُرديتين ، وعادت وتراجعت أمريكا وقتها عن انسحابها ، تحت ضغط بعض المؤسسات الأمريكية وشخصياتها البارزة في البيت الأبيض!!
وتعلن أمريكا يومياً أنها باقية في شرق الفرات ، لمحاربة بقايا داعش، ولمنع الامتداد والتوسع الإيراني في المنطقة!!
واليوم تنسحب أمريكا من أفغانستان، بعد عشرين سنة من تدخلها في أعقاب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وتركت جحافل طالبان مرةً أخرى للسيطرة على الحكم، في ظلّ استغراب العالم الذي يضرب أخماساً بأسداس، لماذا فعلت أمريكا ذلك؟!
وفي الأمس كذلك انسحبت من العراق مسلمةً إياها إلى الحشود الإيرانية التي تحكم بالعراق عملياً !!
وفي اليمن تركت يد الحوثي المدعوم إيرانياً تعمل فيه فساداً وخراباً وتدميراً ٠
وفي جنوب لبنان حدّث ولا حرج !
وغداً ستنسحب من شرق الفرات الهش أصلاً والمحكوم بأمر سلطات الحرب، فعند انسحابها القادم عاجلاً أم آجلاً، سيلطم أبناء شرق الفرات خدودهم ، وسيلعنون أمريكا وأبو أمريكا ليصيحوا ويصرخوا أمريكا…. خانتنا؟!
أسطوانة أمريكا المشروخة باتت تؤذي الأذن والسمع ٠
هنا نحن باقون لمحاربة بقايا داعش، ولمنع تسرّب إيران من ثقب إبرة، بينما إيران تتغلغل جهاراً ايديولوجياً وعقائدياً وعسكرياً في كلّ المنطقة، وشعبنا المسكين يصدّق الرواية الأمريكية، بل يتخيّل إنها بعد غدٍ ستحرّك أساطيلها البرية والبحرية، لضرب إيران في عمق طهران، وستزيح هذا الكابوس عن صدورنا ٠
تجارب الخذلان الأمريكي للشعوب كثيرة ، ولكنها لا تتّعِظ، فأمريكا لا تخون أحداً، وإنما نحن مَن نخون بعضنا البعض ٠ الأنظمة تخون شعوبها وتكذب عليها ٠
بينما أمريكا هي هي، ونحن كما نحن دوماً، لا ندرك ولا نستوعب، سُذّج وبسطاء وسطحيين ٠
إنّ الرسائل الأمريكية واضحة، وإنّ هذه الشعوب من أفغانستان إلى ليبيا مروراً ببلاد الشام والعراق ، لا تقدر على إدارة نفسها وبناء دولها الوطنية واقتصاداتها المتينة، و أسسها الديمقراطية للحكم الرشيد ، لذلك تقول أمريكا وبشكلٍ واضح : لست هنا بديلاً عنكم ولن أدافع عنكم وأبني لكم الأبراج الشاهقة ، فهذا شأنكم أنتم ، وتتركهم في فوضى عارمة، يتخبّطون ويتناحرون ويقتلون بعضهم بعضاً ٠
والذنب ليس ذنب أمريكا، بل هو مسؤولية الأنظمة والحكومات التي لم تستطع بناء دولها، بعد سنواتٍ من الانتداب، ثم جاءت عهود الاستقلال بمايعادل قرنٍ من الزمن ،وهذه البلدان ما استطاعت إدارة نفسها، ثم تأتي وتلقي اللوم على أمريكا وروسيا وأوربا!!!
فهل بعد كلّ هذه التجارب و الانكسارات والفشل والهزائم من متّعظٍ ؟؟!!
جريدة يكيتي العدد 289