منوعات
أم سورية ترفض بيع رضيعتها بـ 2000 دولار
“يعتقدون لأنّني فقيرةٌ فلا كرامةَ لديّ !!.. ويعتقدون أنّني أرضى بأيّ عروضٍ لا إنسانيّةٍ تلمّني من الشّارع !!.. لكن، لا حَرَج؛ طالما لا يعلمون النّعيم الذي عشتُ فيه سابقاً، وأملي بأنّ الله لا ينساني ولا ينسى أولادي من فضله أبداً” |
ماريا الشامي: سراج برس
انطلاق الشّعب السوريّ بثورته جعله يدفع ثمنها غالياً طيلة ثلاثة أعوامٍ؛ فمنهم من بذل روحاً، أو باع مُلكاً، أو وهب مالاً، أو ضحّى بحُلُمٍ، أو أعطى أعضاءً، وحتّى آخرون تاجروا -ربّما مضطرّين- بمبادئَ وقيمٍ وأفكارٍ !!.. لكنّ أحداً لم يتصوّر وارد “بَيْع الضّنا” في أسواق اللّجوء، وكيف يُسوَّغ ذلك على نفسٍ أبيّةٍ، خرجَتِ البارحة للحرّية وتستمرّ اليوم للكرامة، ولعلّ في قصّة الشابّة السّوريّة الصامدة (فاطمة) نموذجاً لهذه النَّفْس..
(فاطمة حُسْنة) ابنة الثّمانية عشر عاماً من ربيع العمر، زوّجها أهلها إبّان الثورة السوريّة وهي قاصرٌ، فلم يُثمر زواجها عن شيءٍ سِوى أربعة أطفالٍ صِغارٍ، تتّصل أعمارهم برؤوس بعضٍ، كما يتّصلون بأمهم اتّصالاً عاطفيّاً وثيقاً.. فأصغرهم وُلِدَتْ منذ شهرٍ واحدٍ فقط لا تفارق حُضن أمّها، وأكبرهم لا يتجاوز الأربع سنواتٍ كذلك لا يبتعد عن أمّه قَيْد خطوةٍ.
نزحت (فاطمة) من بلدة (جِسْر الشُّغُور) في الرّيف الإدلبي، بعدما نالت قبضة الدّمار اليوميّ من بيوت أبيها وعمومتها، فتنقّلوا نازحين بين مكانٍ وآخرَ، في حين اختارت هي وأختها التوجّه شَطْر العاصمة اللبنانيّة، فوصلتا منذ حوالي ثلاثة أشهرٍ إلى (بيروت)، وتمركزتا في منطقة شارع (الحَمْرا) بالضّبط، لكن تفترش (فاطمة) أرصفتها أرضاً وفُسحة سمائها سقفاً.. وما أوصلها إلى مثل هذا المصير المتخبِّط هو صدمةٌ أخرى، حين فُقِد أثر زوجها قبل النّزوح بقليلٍ، فلم يُعرَف إنْ كان قد التحق بالجيش الحُر؛ ولا إنْ كان واقِعاً في شُرْك الأسْر والاعتقال عندما دخلت قوّات النّظام غازِيةً لقُراهم، فكلّ ما تعرفه (فاطمة) أنّه “خرج ولم يَعُدْ” حسب وصفها..
(فاطمة) في تشرّدها على أرصفة (الحَمْرا) لم تكُن وحيدةً.. ربّما لم تظهر أختها معها يوماً، فكان أولاد تلكَ الثّلاثةُ هم الشّريك، فتراهم وقد أحاطوا بأمّهم يلعبون أو حتى ينامون على الرّصيف، وأصغرهم كانت تلك الرّضيعة، التي تأسر ألباب النّاظرين إليها بحنُوّ، فأغرتهم الجميلة ببراءتها في أكثر من النّظر والملاطفة، حين قلّبت على إحدى السيّدات اللبنانيّات مواجعَ، دفعت شدّة مرارتها تلك السيّدة “المقتَدِرة” للتحدّث إلى المسكينة (فاطمة)، وتروي الأخيرة في سياق تقرير تلفزيوني عرضته احدى الفضائيات منذ يومين: “جاءت إليّ تلك المرأة الرّاقية، وقالت لي بأنّ لديها كلّ شيءٍ إلّا الذُرّية، فقد حُرِمت منها لقضاءٍ وقدرٍ، وطلبت منّي رضيعتي الصغيرة ابنة اليومَين، بأن أبيعها لها مقابل /2.000/ دولارٍ أميركيّ !!.. لكنّ مثل هذه السيّدة لا تُوْقِن ولا تفهم غلاوة الولد، بأنّها لا تعادل مال الدّنيا بأكمله”.
تُنهي (فاطمة) والدّموع تغصّ بين كلماتها: “يعتقدون لأنّني فقيرةٌ فلا كرامةَ لديّ !!.. ويعتقدون أنّني أرضى بأيّ عروضٍ لا إنسانيّةٍ تلمّني من الشّارع !!.. لكن، لا حَرَج؛ طالما لا يعلمون النّعيم الذي عشتُ فيه سابقاً، وأملي بأنّ الله لا ينساني ولا ينسى أولادي من فضله أبداً”.
يُذكَر أنّ العدد المُوثّق من الأطفال السوريّين اللاجئين تجاوز المليون مع نهاية عام /2013/، وهم بذلك يشكّلون نصف عدد اللاجئين السوريّين إلى الخارج، وخصوصاً إلى الجِوار في (لبنان)، و(الأردن)، و(تركيّا)، و(مصر).. بينهم /740.000/ طفلٍ لاجئٍ دون سنّ الحادية عشرة، وذلك وِفْق إحصائيّات منظّمة (اليونيسيف).
كلنا شركاء