آراء

أنشودة العبادة الحورية.. أقدم نوطة موسيقية في العالم

جيار كوران

في الإرث الموسيقي تاريخياً ، ستظلّ الإنسانية وإلى اللحظة تستذكر لحظة اكتشاف أول نقشٍ مما يمكن تسميته ببدايات التنقيط الموسيقي ، أي السلم الموسيقي وفق مصطلحات عصرنا هذا ، هذه النوطة التي أخذت في البداية اسم الموقع الذي اكتشف فيها ، وهي أطلال مدينة أوغاريت ( رأس شمرة الحالية على ساحل المتوسط قرب اللاذقية وقد نسبت بداية إليها وباسمها القديم أوغاريت ) وصار يشار لها باسم

( أنشودة “العبادة الأوغاريتية ) وهي عبارة عن مجموعة رقيمات نقشت عليها بالكتابة المسمارية وعلى ألواح طينية أثرية ، والتي تعود لأكثر من 3500 عام ، وحسب المؤرخين والمختصين في مجال التاريخ الموسيقي وتدوينه ، وكذلك الباحثين في التنويط والتدوين فإنها تعدّ من أقدم الأعمال الموسيقية ، ( وقد اكتشفت في لوح صلصالي وهي تحتوي على كلمات ترنيمة أغنية لنيغال آلهة الزراعة . ) وعلى الرغم من أنّ (الترنيمة وجدت كاملة دون اسم لمؤلفها وفقاً للقيم فإنّ التاريخ يوثّق لنا عدة روايات لسبب تأليفها منها أنّ “نيغال كانت حزينة بسبب عقمها مع أنّ زوجها الإله يرخ هو الذي كان يمنح الذرية للأزواج”.

في حين تذكر رواية أخرى أوردها عالم الموسيقى البريطاني ريتشارد دومبريل الذي ترجم هذه الترنيمة أنها ( تحكي قصة فتاة شابة لا تنجب، وتظنّ أنّ عدم إنجابها كان من جراء إثم ما ارتكبته دون أن يأتي اللوح على ذكره )

وقد دفع هذا الاكتشاف ، لابل أوجد أدلة قوية ( حسب راي الدكتور علي القيم ) أنّ – أوغاريت لم تقدّم للعالم فقط أقدم أغنية بل أنه عثر فيها سنة 1957 على 36 رقيماً طينياً تنسف إحدى المقولات التاريخية الكبيرة المغلوطة بأنّ عالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس هو من اكتشف الموسيقى ، في حين أنه اعتمد رموزاً أوغاريتية تشير إلى أقدم تنويط موسيقي – . )’.

وفي الواقع وبعد العثور على النوطة برز دور العالم الموسيقي السوري الفيزيائي والمؤرخ راؤول فيتالي 1928-2003 والذي جهد كثيراً حتى توصّل إلى تحديد درجات السلم الموسيقي ، وقدّم قراءة كاملة للتدوين الموسيقي في ترنيمة نيغال ..

لقد أحدث اكتشاف هذه النوطة ثورة حقيقية، وبالتالي أماطت اللثام عن قضايا هامة في الموسيقى، وفتحت المجال بالعودة وراءً وأيضاً منافذ تودّي إلى البحث الجاد في الأسس البدئية لتنظيم العمل الموسيقي ، إذن في رأس شمرا تمّ الاكتشاف ومعها كانت بداية التدوين الموسيقي؛ مثلما كانت أول أبجدية في العالم ، هذه البقعة التي شهدت منذ الألف الثاني ق م أقصى توسع استيطاني وقد ترافق مع استخدام الأبجدية الأوغاريتية كنظام جديد والذي حلّ ( محلّ النظام الكتابي المقطعي ) …

ويعدّ المؤرّخون هذا الإستخدام واحداً من اهم عوامل تسجيل أول سلم موسيقي، والذي اعتمده فيما بعد فيثاغورث للموسيقى الغربية بعد ذلك بحوالي ألف عام من ظهوره في أوغاريت ، إذن ! وفي العودة الى عام ١٩٥٧ والذي تمّ فيه اكتُشاف ذلك الكنز الأثري الهام في أوغاريت، وهي كانت مؤلفة من 36 رقيماً طينياً ،(تحمل رموزاً تشير إلى أقدم تنويط موسيقي ) والتي قام ( العالم السوري راؤول فيتالي .. بتحديد درجات السلم الموسيقي ، حيث أطلق المنقبون على هذه المجموعة (ح)، وذلك إشارة إلى اللغة الحورية التي كُتبت بها الرُقم الموسيقية، وقد كانت معظم هذه الرُقُم مكسّرة باستثناء الرقيم (ح-6 الأغاني الحورية ) * ، وقد أشار عالم الآثار الأمريكي هانس غوتربوك إلى أنّ الكلمات الأكادية المكتوبة تحت النص الحوري هي نفس أسماء الأبعاد الموسيقية المذكورة في رُقُم بلاد الرافدين، وقد حملت هذه التدوينات الموسيقية العائدة لعام 1400 قبل الميلاد تضرعاً وابتهالات للآلهة نيكال آلهة البساتين،) والتي تسمّى السيدة العظمى المثمرة، وقد وُجدت بشكلٍ شبه كامل مما يجعلها، بحسب مختصين، أقرب مثال للتدوين الموسيقي في العالم، وقد تعذّرت ترجمة النص بشكلٍ كامل؛ وذلك لأنّ اللغة الحورية غير مكتشفة بالكامل، وما تُرجم من نص هو: (هذا غناء على “نيد قبلي” نشيد الآلهة، دوّنه أمورابي)، ويُذكر أنّ نيد قبلي هو مقام موسيقي قديم بحسب الدراسات الموسيقية الأثرية.

الرقيم ح-6/ويكيبيديا

وقد تابع فيتالي وأشار بوضوح في دراسته بأنّ النص / التنويط يعود الى مقام ( نيد قبلي ) وهو مايعادل مقام كرد ( حسب د. علي القيم في كتيبه الموسيقى تاريخ واثر ) واعتبرها أنشودة – ابتهال لآلهة اورحيا ، وحسب د. محمد فتحي عبد العحول أيضاً فهو ابتهال يتحدّث عبر أنشودة حزينة عن زواج إله القمر “يرخ” من الإلهة “نيكال”، والذي لم يُسفر عن إنجاب، فشعرت نيكال بأنها ربما تعاقب لربما نتيجة لإثم تكون قد ارتكبته ، وأخذت تتضرّع إلى الآلهة، وتقول كلماتها المدوّنة بأسلوب السلم السباعي الموسيقي:

( سأرمي عند قدمي الحق “أو قدمي عرشك المقدس” خاتم رصاص

سوف أتطهّر؟ وأتغيّّر من بعد الخطيئة

لم تعد الخطايا تغطيها ولا حاجة أكثر إلى تغييرها

قلبي مطمئن بعد أن أوفيتُ نذري

سوف تعزُّني مولاتي

ستجعلني عزيزاً على قلبها

فنذري سيغطّي ذنوبي، وسيحل زيت السمسم بدلا مني

في حضرتك اسمحي لي

إنك تجعلين العاقر خصيبة، والحبوب تعلو صعودا

إنها الزوجة التي ستحمل الأطفال إلى أبيهم.. هي التي إلى حد الآن لم تُعطَ أطفالاً تحملهم . ) . وفي العودة إلى هذه الانشودة الغارقة في قدمها والتي تعدّدت مسمياتها والتي لم تخلُ مطلقاً من مدلولات سياسية فاضحة بدءاً من إطلاق تسمية ( أنشودة العبادة الأوغاريتية ) على تلك المجموعة بعد أنّ تمّ العثور عليها منذ أكثر من 3500 عام في أوغاريت (رأس شمرا)

، هذه النوتة التي يتفق حولها كلّ مَن قام بدراستها بأنها تعود الى مقام نيد قبلي وبالتحديد مايوازي مقام ( كرد ) حسب البروفيسور راؤول فيتالي في مجلة الحولية الاثرية السورية عدد ١٩٩٢’بأنها تعود الى مقام كرد ، وعلى الرغم من أن الترنيمة وجدت كاملة، وهي مغفلة من اسم مؤلفها إلا أنّ التاريخ يوثّق روايات عديدة لها تتراوح بين أنها أنشودة تضرّع لآلهة – اورحيا – وهي اورفة الحالية – وسبب تأليفها هو أنّ “نينغال كانت حزينة بسبب عقمها مع أنّ زوجها الإله يرخ هو الذي كان يمنح الذرية للأزواج”. وتقول رواية أخرى أوردها عالم الموسيقا البريطاني ريتشارد دومبريل الذي ترجم هذه الترنيمة أنها “تحكي قصة فتاة شابة لا تنجب وتظنّ أنّ عدم إنجابها كان من جراء إثم ما ارتكبته دون أن يأتي اللوح على ذكره”. في حين يؤكّد د. علي القيم أن أوغاريت لم تقدم للعالم فقط أقدم أغنية بل أنه عثر فيها سنة 1957 على 36 رقيماً طينياً تنسف إحدى المقولات التاريخية الكبيرة المغلوطة بأنّ عالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس هو من اكتشف الموسيقا في حين أنه اعتمد رموزاً أوغاريتية تشير إلى أقدم تنويط موسيقي.

وندين بهذا الكشف العلمي وفقا للقيم ( للعالم السوري راؤول فيتالي 1928-2003 الذي قام بتحديد درجات السلم الموسيقي بعد أن قدّم قراءة كاملة للتدوين الموسيقي في ترنيمة نيغال ) .

وأوضح القيم أنّ فيتالي تابع ترجمته للنص الموسيقي وتنويط النشيد وأعاد ترتيب سلمه الموسيقي حيث يحتوي هذا النص على نص كتابي يحمل إرشادات لعازف آلة (الهارب) وكيفية عزف الترنيمة صوتياً موضحاً أنّ فكرة النص الموسيقي تدور حول ابتهال حزين عن زواج إله القمر يرخ من الآلهة نيغال والذي لم يسفر عن الإنجاب.. وتضرّع الأخيرة إلى الآلهة وكلماتها المدونة بأسلوب السلم السباعي الموسيقي. ) ..

وتقول كلمات المدونة:

“سأرمي عند قدمي الحق أو قدمي عرشك المقدس خاتماً رصاصياً

سوف أتطهر وأتغير من بعد الخطيئة

لم تعد الخطايا تغطيها ولا حاجة أكثر إلى تغييرها

قلبي مطمئن بعد أن أوفيت نذري

سوف تعزني مولاتي

ستجعلني عزيزة على قلبها

فنذري سيغطي ذنوبي وسيحل زيت السمسم بدلاً مني”. ) ..

ويشير القيم إلى أنّ هذه التدوينات الموسيقية الأوغاريتية كتبت باللغة الحورية لذلك تعذّر ترجمة النص بشكل كامل لأنّ الحورية غير مكتشفة بالكامل.

ولكن عظمة ما تخبرنا عنه الاكتشافات الأثرية في أوغاريت لم تتوقف عند هذه الترنيمة، فهنالك رقيم آخر مشهور يسمى (مباركة ربيعو) يذكر فيها وفق الباحث القيم الأدوات الموسيقية التي يعزف عليها يقول النص:

“غني إكراماً لبعل

الذي يغني ويعزف الموسيقا

على القيثارة والناي

الصنجان لبعل

شاعر بعل.. البطل ذو الصوت

الرخيم..

يشدو ويرنم إكراماً لبعل

أشدو وأسمع بعض الموسيقا

من القيثارة والناي

على الطبل والصنجين”.

ولفت القيم إلى أنّ الغناء والعزف في أوغاريت كانا يترافقان مع الآلات الموسيقية حيث كان سكان هذه المملكة يعزفون على الصنوج والقيثارة والناي والطبل والقصبة وآلات أخرى تشبه آلة العود الحالية ويبدو أنه كان لديهم بعض الفرق الموسيقية أيضاً ) .

إنّ العمل الضخم هذا هو في الواقع ترجمة كاملة للمخطوط الاساسي للحن الأوغاريتي هذا والذي اكتشفته العالمة الأميركية آنا كيلمر ،

( وحول القيمة الموسيقية للترنيمة الأوغاريتية يلفت الموسيقي الأكاديمي نزيه أسعد إلى أنّ القطع الموسيقية الأوغاريتية الملحنة هي من مقام الماجور أو العجم ولا تتجاوز الجملة اللحنية فيها 5 نوطات أي 5 درجات موسيقية.

والتي عدّها البروفيسور فيتالي الى مقام نيد قبلي الموازي لمقام كرد ..

….

المراجع :

* نذكر هنا في الجانب الموسيقي أيضاً بريادة ملوك حورو – ميتانيين وكيف أنّ واحداً من ملوكهم ( ؟ ) اسّس ما يمكن تسميته بأول معهد للتعليم الموسيقي في عاصمته والتي كانت في موقع جاغر بازار الحالي على طريق الحسكة – عامودا ، وكان يرتادها أولاد وبنات الملوك ومنهم ابنة ملك ماري المشهور ( زمري ليم )

– تقرير من رشا محفوض اكسبو دبي ٢٠٢٠

– الحولية الاثرية السورية عدد مزدوج

-‘الموسبقى تاريخ واثر علي القيم

– مراجع من غوغل وويكيبيديا.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “315”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى