
أوفياء للفكرة… لا للقيادة
أمل حسن
في الذكرى الثامنة والستين لولادة أول حزب سياسي كردي في غرب كردستان، نقف إجلالًا وتقديرًا أمام عظمة جميع المناضلين من النخبة السياسية والثقافية والمستقلين، الذين تكاتفوا في زمن كان فيه مجرد النطق بكلمة “أنا كردي” مغامرة قد تكلّف الإنسان حياته. ورغم الخوف والاضطهاد في عهد دكتاتورية نظام البعث السوري، قاوم هؤلاء الأبطال بكل ما لديهم من الشجاعة والإيمان، الذي ورثوه من الإرث الوطني، ومن تاريخ أبجدية الكردايتي، ومن الأب الخالد مصطفى بارزاني، ومن سطور ملاحم العقيدة الكردية التي رسمت ملامح المقاومة من أثر أقدام الثوار في الثورات الكردية.
جدّدوا العهد على البقاء والسير في درب المقاومة من أجل إثبات الهوية الكردية. وضعوا حجر الأساس لتلك المقاومة في وجه الطغيان، وأصرّوا عليها بالإرادة والإيمان، ونالوا جميع أنواع الظلم والاستبداد، لكنهم بقوا أوفياء لقضيتهم، واستمدوا قوة بقائهم من عتمة الزنازين، ومن صرخة كل وجع لقسوة الجلادين عليهم. قاوموا الحياة، ومن إشراقة كل نور ثابروا على الولاء، ومن فجر الأمل تكاتفوا على وحدة الصفوف.
وتاريخ نضالهم شاهد على مقاومتهم، التي بقيت للأوفياء من متابعة المسيرة على درب نضالهم، التي كانت ولا زالت مقاومة لكل صادق ومخلص للاستمرار.
ولا بد لنا في ذكرى هذا الحدث، الذي يُعدّ ملحمة نضالية لنضال كرد غرب كردستان، أن نقف على خريطة امتداد هذه المسيرة، وعلى النقاط المهمة التي يتم تهميشها من الذين يتصدرون زمام الأمور ويفتخرون بالوجود في الصفوف الأمامية لهذا الحزب. وعندما نرى أناقتهم وشعبهم في أشدّ الحالات الصعبة من التهجير والنزوح والجوع والخوف والهلع، تخطر في بالنا تساؤلات عديدة:
هل كافح المناضلون القدامى وتقبّلت أجسادهم كل أنواع الضرب والذل والإهانة، من أجل أن يشاهدوا أناقة وافتخار رفاقهم اليوم على الساحة السياسية؟
هل قامت قيادات اليوم بالتقرّب من الجماهير والأعضاء؟
هل استطاعوا أن يجعلوا من الشارع، الذي كانت نسبة الانتماء فيه للحزب ٩٩/١٠٠، أن يثق بنفسه أو أن يمنحهم قليلًا من الثقة؟
ممارسة السياسة، وأهم بنودها، هي الثقة والإخلاص والصدق والأمانة.
فهل نستطيع أن نقول بجرأة إن الساحة السياسية خالية من السياسيين الحقيقيين؟
هل استطاعت قيادات اليوم أن تتقرّب من هموم رفاقها؟
هل استطاعت أن تقدّم للفئة الشابة فرصة؟
هل سعت لتأهيل المرأة حسب مؤهلاتها، ولائها، ونضالها؟
هل تستطيع قيادات اليوم أن تقدّم للشارع والجماهير إنجازات حقيقية؟
هنا سأقول الحقيقة، تلك التي ربما لا يستطيع الكثيرون قولها لأن المناصب والمال السياسي قد أعميا البصر لكل من لا بصيرة له.
أنا وأمثالي بالمئات ضمن هذا الحزب العريق، الذي نعتز ونفخر بالانتماء إليه، ما زلنا مثابرين ضمن إطاره السياسي، ليس لأننا واثقون بقيادات الصف الأول، ولا لأن لدينا قناعة بخطواتهم أو أعمالهم، بل لأننا مستمرون من أجل الفكرة التي غرسها آباؤنا وأمهاتنا في نفوسنا وعقولنا في زمن النضال الحقيقي. بقيت تلك الفكرة في عقولنا، ولا يزال صدى كلمات ودعاء آبائنا يرن في آذاننا. كلما أغمضنا أعيننا عن الواقع، نتذكّر دعاء الوالدين لنصرة صاحب النهج، البارتي، صاحب الجمادانية الحمراء، صاحب القيم والمبادئ، صاحب المرجع والملاذ الآمن لكل كردي يرى في البارتي طريق الخلاص، طريق الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية.
وسنبقى أوفياء ومستمرين لأنفاس آبائنا وأمهاتنا، ولعظمة ونضال المخلصين الذين رحلوا عن ساحة النضال، وللذين ما زالوا لم يفقدوا الأمل كأمثال شيخ أمين كولي وغيره، رغم ممارسة جميع أنواع التهميش بحقهم.
نأمل أن يفيق قادة اليوم من سباتهم العميق، وأن يبدأوا بخطوات إيجابية بحق هذا الشعب العظيم، الذي يمتلك كل هذا الإخلاص لنهج البارزاني. وأن يقوموا ببناء جسر قوي متين بالإرادة، مدعوم بالثقة، بينهم وبين قاعدة الجماهير، وأن يزرعوا كل الصفات التي يمكن أن يُبنى عليها الإنسان: من القوة، والعزيمة، والإصرار، على ما هو أفضل، لبناء غدٍ أجمل، وحياة كريمة في ظل الوحدة والتعاون والتكاتف.
وأن يتم تأهيل الفئة الشابة والاهتمام بها في جميع المجالات، لأن الشباب هم العقول الناضجة، ونحن كحزب بحاجة ماسّة وضرورية لتلك العقول التي تنهض بها الأمم وتزدهر بها الحضارات.
وقبل أن يجفّ حبر قلمي من الأمل، أريد أن أختتم هذه الذكرى، وهذه الولادة، بمجدٍ من الإباء والبهاء، وأنهي ختامها بآفاق المجد.
الرحمة والمجد لأرواح كل من كان له ثمرة في بناء هذا الحزب، ولكل من ضحّى بحياته في سبيل بقاء مجده وخلوده في ضمير الأمة.
لا نملك إلا أن نقول: ستبقى عيوننا على الانتظار، والأمل في قلوبنا، معلّقًا بمستقبل أكثر إشراقًا لهذا الحزب، الذي كان ولا يزال الحلم والملاذ والهوية.
لأن الحزب ليس مجرد قيادة أو مقعد سياسي، بل هو فكرة، وذاكرة، وتاريخ، وكرامة.
وسنظل نردد:
لأننا نؤمن… سنبقى.