آراء

إصلاح إقليم كُردستان بين الضرورة والعقبات

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي

في البداية لابدّ من الإشارة إلى أنّ الإصلاح عملية شاملة لكلّ جوانب الحياة مع التركيز على الأكثر فساداً ثم الأقل فالأقل، إنّ مجرد النطق بهذه الكلمة هو إقرار بوجود امر مهم متعلّق بالشان العام قد أصابه الفساد وبدأ يتآكل تدريجياً إلى أن ينتهى أمره إلى الزوال ويعلن عن نهايته إذا ما لم يسعفه الإصلاح وينقذه من ما يعاني منه، صحيح مَن قال بأنه أينما وجد المال والسلطة فهناك فساد ،خاصةً في ظلّ الاهواء والنزوات والأطماع، ولكنه بدرجات متفاوتة ويختلف من إنسان الى آخر ،وتلعب البيئة دوراً كبيراً في نشر الفساد أو الحد منه ناهيك عن مدى تطبيق العقوبات القانونية على الفاسدين.

الإصلاح عمل شاق يحتاج إلى إرادة قوية وتخطيطٍ دقيق وجهود جبارة، لأنه يصبّ للصالح العام ويضرب مصالح الفاسدين عرض الحائط ويشدّ الخناق عليهم بل ويدخلهم الزنزانات المظلمة، الحقيقة الأخرى هي أنّ الإصلاح يقوم به الإنسان المخلص الصالح الذي لديه الثقة بالله والنفس وذو عزيمة، وشجاع لا يخاف لومة لائمٍ، همّه الأول والأخير أن يخدم شعبه و وطنه ولا يعير المظاهر البرّاقة وكلمات المدح الرنّانة أية اهتمام، وهم دائما قلة في المجتمع مقابل ثلة، ولكنهم أصحاب مبادئ وأسس متينة في المجتمعات وبهؤلاء تتطوّر المجتمعات وتنهض وتخطو نحو الأمام.

التشكيلة الحالية لحكومة إقليم كُردستان برئاسة السيد ( مسرور بارزاني) أعلن في اليوم الأول من نيل ثقة البرلمان الكُردستاني عن برنامجٍ إصلاحي يشمل القطاعات المختلفة منها النفط والمنافذ الحدودية والشركات والموظفين بالاسم الذين فقط يستلمون الرواتب … الخ ، وطلب حينَئِذٍ من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة دعم هذا المشروع الإصلاحي والأحزاب غير المشاركة أن تلعب دورها كمعارضة ديمقراطية بالرقابة على أداء الحكومة لمهامها، لأنه كان يعلم بما للأحزاب من دور وتأثير على المجتمع الكُردستاني وأنّ كسب تأييدها يمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق هذا البرنامج وأنّ وقوفها بالضد منه وخاصة الحزبين الرئيسيين ( البارتى والاتحاد الوطني) عملياً وعلى أرض الواقع بالرغم من إصدار البيانات المؤيّدة والداعمة للبرنامج منذ الوهلةِ الاولى سيعرقل ويقف حائلاً دون الوصول إلى ما يصبو إليه.

بعد العمل المستمر لأكثر من سنة من مراجعة وتدقيق للملفات المحدّدة من قبل الحكومة، وإصدار العديد من القرارات والبيانات بإحالتها إلى العدالة وقطع آلاف الرواتب، يتبيّن من التصريحات الأخيرة للسيد (مسرور بارزاني) عند افتتاح سيادته لعددٍ من المشاريع الاستثمارية بأنّ مشروع حكومته الإصلاحي قد واجه ويواجه الكثير من العقبات من قبل جهات لم يسمّها، وأنّ مصالحهم الذاتية الضيقة مهدّدة ،وأنّ ما كان يَدرّ عليهم بطرق غير مشروعة سينقطع عنهم ويغلق الأبواب في وجوههم ، وأكّد على الاستمرار في نهجه الإصلاحي من أجل خدمة الشعب الكُردستاني.

عليه فإنّ مسافة المئة ميل تبدأ بخطوة، بل أنّ الخطوةِ الأولى هي أهمها وأصعبها وما بعدها فهو الأيسر، إصلاح فساد ما مضى عليه من سنوات صعب خاصةً بعدما أصبح الفساد فناً وممارسة يومية بل وشجاعة ومروءة والفاسد يفتخر بما حصل عليه، والصالح المخلص هو المغبون الفاقد لكلّ شيئ إلا كرامته وعزته، متهماً بين حين وآخر بتهم باطلة، لأنه لا يقف مع الفاسدين في صفهم وحلهم وترحالهم وصوته غير مسموع كمن يصرخ في وجه أعمى وأخرس، وهو على موعد بإقصائه أو نقله أو إحالته إلى التقاعد وإهماله ويكون مكروهاً ومنبوذاً أينما حلّ وطاب وباتت صورته مشوّهة وممزّقة، كل أمله في هذا المشروع الذي يرى فيه تحقيق حلمه بتقديم خبرته في مجال عمله لوطنه كُردستان، ولكن سرعان ما يفقد الأمل وهو يسمع ما يعرقل تحقيق الإصلاح من قبل مَن يرغبون به إلا على أنفسهم ومصالحهم فحينها يبدأون بالمكر والدسائس و وضع العراقيل.

المهم أنّ الإصلاح قد بدأ، وانه أثبت وجود الفساد ومن الضروري المضي في هذا الطريق الوعر الشائك، وعلى الحكومة أن لا تقف وتستمر لأنها على الطريق المستقيم، وأنّ وجود الصعاب دليل على صحة ما تذهب إليه وأنّ كثرة الفساد والمفسدين لا يبرّر أحقيتهم و وجودهم على الصواب ولكنهم غثاءٌ كغثاء السيل.

فالإصلاح أصبح ضرورياً لأنّ تاثير الفساد المالي والإدارى لا يقلّ عن الاإرهاب، بل هو الأسوأ والأنجس، ومسألة وجود الصعاب واردو وحتمية، وهذا ما تمنح الحكومة القوة والإرادة لمعرفتها المسبقة بها، بل عليها التهيّؤ للأصعب والأكثر والأشرس، فكلما اقتربت من أهدافها وضربت المفسدين ومشاريعهم بيدٍ من حديد كلما زادت من حقدهم ومؤامراتهم عليها لإفشال مشروعها، وما أن ادركوا جدية الحكومة وإصرارها حتى يبدأون بالهرب وطلب الغفران والعفو عما سلف ولكنه هيهات هيهات، فالحكومة في غرفة الاختبار إما أن تمضي في طريق الإصلاح أو أن تستسلم لنزوات الفاسدين وأهوائهم وحينها سنقرأ الفاتحة عليها، ولكن دعم المصلحين لها يكفيها أن لا ترضخ وتركع أمام ثلة ممن يعيشون على أكتاف المواطن، خاصةً اذا ما فتحت الحكومة عيونها على هؤلاء واستفادت منهم وأنقذتهم من طَيّ الإهمال والنسيان لأنهم الخيرة من الشعب وعليهم الاعتماد وأنهم الملجأ الأخير لكلّ مَن يملك النوايا الصالحة والنقية لبناء الأوطان، فعلى حكومة الإقليم أن تستمرّ في نهجها الإصلاحي وتتجاوز العقبات بجهود الخيرين، فالشعب يريد الإصلاح والإصلاح..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى