إنّهم يكسبون.
حازم صاغية
رجب طيّب أردوغان انتُخب لولاية ثانية، تنتهي في 2022، رئيساً لجمهوريّة تركيّا. يُرجّح أيضاً أن يحظى بأكثريّة في البرلمان يعزّزها تحالفه مع حزب الحركة القوميّة لدولت بهشلي. هذا يعني أنّ أوتوقراطيّته ستكون متماسكة في عملها.
أردوغان الذي كان رئيس الحكومة بين 2003 و2014 ألغى، بموجب دستوره الجديد، رئاسة الحكومة. لن يُقلقه بعد اليوم منافسون، بل لن يُزعجه محازبون كعبدالله غُل أو داوود أوغلو. إنّه وحده الحاكم بلا شريك. طالبو الحرّيّات السياسيّة والإعلاميّة ومناصر وحقوق الإنسان عليهم أن يقلقوا أكثر. أوروبا الليبراليّة عليها أن تقلق أكثر. تعاطي أردوغان الاستئصاليّ مع محاولة 2016 الانقلابيّة لا يعزّز إلاّ القلق.
هذا النمط من الزعامات يكسب بإيقاع يوميّ. «الركود الديمقراطيّ»، وهو التعبير الصاعد اليوم في التداول السياسيّ، يمدّه بأسباب الانتصار.
لا بأس بالتذكير بما كسبه في فترة قصيرة نسبيّاً زميل وشبيه لأردوغان هو الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. لقد جُدّد له في الكرملين، وأُجريت بإشرافه مباريات كأس العالم بعدما نُكّست رايات المقاطعة. احتلاله شبه جزيرة القرم صار شبه مكرّس. دعمه لبشّار الأسد صار شبه مؤكّد أنّه سيبقيه حاكماً. تدخّلاته في الانتخابات الغربيّة تُطوى صفحتها. دونالد ترامب طالب بإعادة بلده إلى مجموعة «البلدان السبعة» بحيث تغدو ثمانية، كما كان حالها قبل طرد روسيا في 2016 بسبب احتلال القرم. قادة الائتلاف الشعبويّ الحاكم في إيطاليا معجبون به. تصدّع الدول الغربيّة الذي أبدته قمّة كيبيك، وقد تعزّزه قمّة الناتو في بروكسيل، ربحٌ صافٍ له. الصين احتفلت به نجماً لقمّتها الأخيرة. زعيمها كشي جينبينغ أسبغ عليه «ميداليّة صداقة» تعبّر عن «حميميّة العلاقة» بينهما.
بنيامين نتانياهو يكسب أيضاً: اقتصاده قويّ ويقوى. انتقال السفارة الأميركيّة في بلده إلى القدس جائزة كبرى له، وكذلك المداولات الجارية في شأن «صفقة القرن». روسيا تسترضيه وتغضّ النظر عن حملته العسكريّة التصاعديّة لإجلاء إيران عن سوريّة.
الطلب على الزعيم، بما يعكسه من قلق حيال تحوّلات العولمة ورغبة في التمسّك بالقديم والمألوف، يتّخذ أشكالاً تكاد تكون كاريكاتيريّة. عبدالعزيز بوتفليقة، المسنّ والمريض، يراد له أن يحكم الجزائر لولاية خامسة. دونالد ترامب يتصرّف كأنّه لا يريد من الرئاسة سوى أن تظهر صورته يوميّاً، وتشعّ على نطاق كونيّ، وأن يكون له يوميّاً موقف يستغربه العالم لكنّه، مع هذا، يتحرّك على إيقاعه.
هذا الصنف من الزعماء ليس فاشيّاً، إلاّ حين تُستخدَم الكلمة كشتيمة. إنّه شعبويّ، مناهض للديموقراطيّة الليبراليّة، متجاوز للتفويض الشعبيّ الذي تمنحه إيّاه الانتخابات، ذو «أنا» نرجسيّة بالغة التضخّم… أمّا أن ينحرف بنا هذا الزعيم إلى الفاشيّة فأمر محتمل، تضاعفُ الأزمات الاقتصاديّة احتماله. لهذا يتكاثر اليوم من يتذكّرون ويذكّرون بالنازيّة والمحرقة وأهوال الحروب، ومن يسترجعون تجارب الماضي في التعايش مع أنظمة قاهرة، أو التواطؤ ضدّ لاجئين ومهاجرين تختلف منابتهم وأصولهم.
إنّ الانتصارات التي يحرزها أمثال أردوغان وبوتين ونتانياهو لا تطمئن إلى المستقبل. ما يكسبونه خسارة للبشر ولكلّ ما هو مضيء وواعد في حياتهم.
الحياة