اتفاقات الجنوب السوري
فايـز سـارة
تقول أخبار درعا، إن نحو 200 ألف من سكان الجنوب، فرّوا من مدنهم وقراهم منذ بدء هجوم قوات نظام الأسد وحلفائه على الجنوب، بمشاركة الطيران السوري والروسي. وباتخاذ الأردن قراره بمنع دخول الفارين السوريين إلى أراضيه، ثم إعلان إسرائيل رفض مرور الفارين إلى أراضي الجولان الذي تسيطر عليه إسرائيل، فإن مصير هؤلاء ومَن ينضم إليهم لاحقاً من سكان الجنوب البالغ عددهم نحو 750 ألف نسمة صار في المجهول. جزء منهم سوف تقتله القوات المهاجمة، والقسم الآخر سيعيش في ظروف مستحيلة، قد يكون الموت أفضل منها.
الوضع الكارثي لسكان الجنوب، هو ثمرة أولى للاتفاقات الدولية – الإقليمية، التي أعطت ضوءاً أخضر لنظام الأسد لشن حربه المدمرة على الجنوب واستعادة السيطرة عليه، وإنهاء وجود المعارضة المسلحة فيه، والتي لن يكون مصيرها أحسن حالاً من مصير مواطنيها. فقد تُركت هي الأخرى في ضوء الاتفاقات أمام مصير القتل والاعتقال، وربما يتم ترحيل القلة المتبقية منهم نحو الشمال السوري انسجاماً مع خطط ترحيل مقاتلي المعارضة، التي تم التوصل إليها برعاية روسية.
لقد بدا لمتابعي وضع الجنوب السوري، أن الجنوب وبفعل عوامل متعددة أبرزها ارتباطه بتناقض مصالح الأطراف الحاضرة والمتدخلة فيه، سيكون مختلفاً عما يجري حالياً هناك، خصوصاً بعد صعود الخلافات الأميركية – الإيرانية، وبعد المعارضة الإسرائيلية بحجة الأمن القومي لوجود القوات الإيرانية وميليشياتها بالقرب من خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. لكن الجهود الروسية، ورغم التعارضات الروسية – الإيرانية في سوريا، جهدت في إقناع الإسرائيليين، بينما مرّرت واشنطن خلافها مع إيران في سوريا، وجعلته خارج خطوط المواجهة، وتجاوزت تهديداتها للنظام بالتصدي له إذا خرق اتفاق خفض التصعيد في الجنوب الذي أُقر العام الماضي في اجتماع قمة أميركية – روسية. بل إن توافقات، قبلت بعودة نظام الأسد وحلفائه إلى الجنوب.
إن النتائج المباشرة للتوافقات الدولية – الإقليمية في الموقف من عودة نظام الأسد وحلفائه إلى الجنوب، تتجاوز موضوع استعادة النظام للسيطرة هناك، وهي إلى جانب ما سبق تفتح الباب نحو النظام السوري لإعادة فتح معبره مع الأردن.
لكن الأهم في النتائج يكمن في المجزرة التي يرتكبها نظام الأسد وحلفاؤه ضد قرابة مليون سوري حُرموا من حقهم في التوصل إلى حل سياسي في الجنوب، يكون نموذجاً لحلٍّ يمكن أن يتم في مناطق أخرى في طريق الحل السوري، وصادرت حقهم في الدفاع عن أنفسهم رغم الاختلالات القائمة في ميزان القوى العسكرية والسياسية.
ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن التوافقات جاءت على حساب السوريين ومستقبل بلدهم، فيما حققت للأطراف الأخرى مصالح وأهداف، بل كانت نقطة توافق بين مصالح وأهداف متناقضة للمشاركين فيها، وقد حاز تحالف النظام مع الروس والإيرانيين الحصة الكبرى من نتائج التوافقات.
إذ كرّست التوافقات الروس متحكماً رئيسياً في القضية السورية، وعززت مكانتهم ومصالحهم، ودعمت وجودهم السياسي والعسكري، وأعادت الاتفاقات الاعتبار للدور الإيراني في سوريا، ليس فقط لجهة غض النظر الأميركي – الإسرائيلي، ووقف الحملة على إيران وميليشياتها، بل القبول بمشاركتهما في الحرب على الجنوب، حيث اندسّت القوات الإيرانية والميليشيات التابعة في صفوف قوات النظام المحاربة في الجنوب، بعد أن انتظم ضباطها وجنودها في قوات النظام، وستفتح هذه الخطوة أبواباً لتمدد النفوذ الإيراني في منطقة استعصت عليه طوال السنوات السبع الماضية.
وإذا كان المعلن في الاتفاقات الدولية – الإقليمية المتعلقة بالجنوب السوري قليلاً، فإن الأكثر فيه سيظل سرّياً في المدى المنظور، لأن فيه وفي أهدافه ما هو عصيٌّ على التفسير، وخارج المنطق المعروف والسائد، ولعل موضوع إيران أحد أبرز الأمثلة، حيث إن وجودها وسياستها في سوريا لا يحظيان بتأييد أو موافقة أحد بصورة علنية بما فيه نظام الأسد المعروف بسياسته النفعية الانتهازية. فكيف تَوافق الجميع، خصوصاً الأميركيين والإسرائيليين، على غض النظر عن مشاركتها في حرب الجنوب، واقترابها من خط وقف إطلاق النار الذي كرر الإسرائيليون أنه يمثل تهديداً لأمنهم القومي؟ وهل لدى الأميركيين والإسرائيليين رغبة في دور إيراني في سوريا يماثل ما قامت وتقوم به إيران في العراق، وبالتالي فإنهم يتساهلون معها ويغضون الطرف؟
ثمة أسئلة كثيرة حول ما جرى من توافقات، ليست لها أجوبة اليوم، لكن ستكون لها أجوبة في المستقبل، وربما بعض تلك الأجوبة سيظهر بعد أن تضع حرب الجنوب السوري أوزارها، وتظهر خسارات السوريين فيها، التي ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة خسارات إصابتهم في صراعهم مع نظام الأسد وحلفائه في السنوات الماضية.
الشرق الأوسط