آراء

ارتدادات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

فريدون قجو

جاء خبر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان كالصاعقة ، على معظم الذين عقدوا الآمال على دور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم ، وتحديداً على الدول والقوى المتحالفة مع “أعظم دولةٍ في العالم”.

هذا الانسحاب كان له أثرٌ كبير ،على القوى والدول المتأمّلة بالولايات المتحدة الأمريكية ، ومدى قدرتها على حماية مصالحها على أقل تقديرٍ, ناهيك عن خلطٍ في الأوراق وإعادة ترتيب جميع الحسابات من قبل تلك القوى والدول المتحالفة .
الشارع الكُردي في سوريا لم يكن بمعزلٍ من ارتدادات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان, حيث بدأت المخاوف تتضح لدى السكّان في المنطقة والقوى السياسية التي باتت منحصرة أمام مرمى ضربات النظام السوري وتركيا وروسيا، وإلى حدٍّ ما إيران.

والسؤال الأبرز بعد هذا الانسحاب: كيف سيكون مستقبل الكُرد في سوريا تزامناً مع التطورات الأخيرة في أفغانستان؟
لعلّ تلك الصور والمشاهد المؤثّرة التي ظهرت على وسائل الإعلام أثناء إجلاء الرعايا الأمريكان ؛ وتوجه المدنيين إلى مطار كابول هرباً من بطش حركة طالبان. ؛ كانت كفيلة بأن تخلق نوعاَ من الخوف لدى سكان المنطقة, لأنه وبالجواب على السؤال الذي ذكرته في البداية, فإنّ تلك المشاهد قد تحدث في منطقتنا في أية لحظةٍ ، إذا ما استمرّت الولايات المتحدة الأمريكية باتباع هذه السياسات التي يصفها الكثيرون “بالسياسات المتخاذلة مع الحلفاء”. فالشارع الكُردي لم يكن بعيداً عن هذه المشاهد المرعبة ، إبان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فجميعنا يتذكّر ما حصل في رأس العين وتل أبيض, وكيف أنّ ترامب كان السبب المباشر في إتاحة المجال لتركيا التي سرعان ما باشرت بالهجوم، ثم أرسلت بعض فصائل المعارضة السورية لاحتلال تلك المناطق.

لكن ما هو المطلوب من الكُرد في سوريا والمكونات الأخرى لعدم تكرار ما شهدناه في أفغانستان؟

هناك مَن يرى ويجزمٍ بأنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو رسالةٌ واضحة لكلّ مَن يراهن على “التحالف المطلق” مع أمريكا, وأنّ ما حدث في أفغانستان سوف يتكرّر لاحقاً في كُردستان سوريا ،حيث منطقة النفوذ الأمريكي, وأنه بات من الضروري إيجاد طرقٍ وبدائل أخرى من شأنها ملء أيّ فراغٍ قد يتركه الأمريكان في حال أي انسحابٍ محتمل.

في المقابل يرى الكثيرون بأنّ التحركات الأمريكية على أرض الواقع لا توحي بأية إشارة لانسحاباتٍ جديدة ومفاجئة، خاصةً وأنّ القوات الأمريكية تستمرّ في بناء قواعدها العسكرية في مناطق تواجدها.

وبناءً على الرؤية الأولى والتركيز عليها بموضوعية، يمكننا الحديث قليلاً عن ما هو المطلوب لتجنب تكرار ما حدث في أفغانستان؛ إذ بات الخطر محدقاَ بالمنطقة، ومن الضروري أن نذكّر باستمرار الحوارات بين الأطراف الكُردية، وضرورة التوصل إلى اتفاقٍ شامل، والذي قد يكون المنفذ الوحيد لإيقاف أيّ تهديدٍ للمنطقة أو أيّ انسحابٍ أمريكي مفاجئ.

ولربّما نشهد بقاءً طويل الأمد للتواجد الأمريكي في سوريا, لكن في النهاية وفي حال التوصل إلى حلٍّ سياسي شامل في البلاد سوف تعود القوات الأمريكية إلى وطنها، وفي هذه الأثناء يمكن للقوى السياسية الكُردية مع باقي المكونات الاستفادة من فترة البقاء هذه ،والإصرار على بناء نظامٍ تعددي وديمقراطي في ظلّ الدعم الأمريكي الواضح لأي اتفاق بين أطراف الحوار الكُردي.
وعلى ضوء الاتفاق الكُردي يتطلّب من كافة القوى السياسية الكُردية ، وبالاتفاق مع جميع المكونات الأخرى التوصل إلى تفاهماتٍ مشتركة، تخدم مصالح الجميع, وبالتالي المشاركة الحقيقية والفعّالة في إدارة السلطة الحالية, والتحول إلى الخطوة الثانية والأهم عبر تحسين العلاقات السياسية مع الدول الإقليمية وتحديداً تركيا، لأجل الحدّ من تهديداتها المتكررة.

ما أودّ قوله هو أنّ الاتفاقات السياسية بين الفرقاء في أيّ بقعةٍ من العالم تكون دائماَ مرحّبة ولها وقعٌ آخر على كل مَن له نية سيئة بزعزعة أمن واستقرار جغرافية هؤلاء الفرقاء, لأنه وبكلّ بساطةٍ يمكننا التوقّع بأنه لا يمكن أن تقف أيّ دولةٍ أو رأي عامٍ مع تهديدات دولة قوية لبلدٍ آخر مبني على أسس الاتفاق والتفاهم فيما بين مكوناتها المتعددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى