استطلاع رأي حول مرور 13 عاماً على الثورة السوريّة
إعداد : اسماعيل رشيد
مرّت ثلاث عشرة سنة على ثورة الشعب السوري والمأساة لم تتوقّف، وأفق الحل غير واضح في المنظور القريب ، وبالرغم من تعدد المحطات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة بالشأن السوري فإنّ مسار العملية التفاوضية تراوح مكانها…
برأيكم مَن يتحمّل مسؤولية هذا الواقع المزري؟ وأي مستقبل تقرؤونه للوضع السوري ؟
سكينة حسن/ عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا( البارتي) :
مرّ السويون خلال العقود الماضية في أسوأ تاريخهم، حينما بدأت الانقلابات العسكرية على القيم الدستورية والديمقراطية في البلاد، وتجلّى ذلك بشكلٍ أكثر سوءاً وبطشاُ واستبداداً في العقود التي حكمها حافظ الأسد ووريثه بشار الأسد، حيث طيلة فترة حكمهم تثنى لهما بتأسيس القبضة الأمنية ودولة الرعب والغاء الحياة السياسية في سوريا من خلال حرمان الناس من الفكر والعمل السياسي وأي شكلٍ من اشكال الحرية والتعبير .
واستمراراً لهذا السلوك الإجرامي سادت مساحة الوطن خيمة من الرعب؛ مما أدّى إلى الانفجار الكبير انطلاق ثورة الحرية والكرامة عام ٢٠١١ وامتدادها على كامل مساحة البلاد بكلّ مكوناتهم بشكلٍ سلمي حيث لجأ النظام إلى قتل المتظاهرين بوحشيةٍ لا مثيل لها في التاريخ، مما اضطر بالناس إلى الدفاع عن أنفسهم .
ومع استمرار المواجهات بدأ العد للتنازل عن دعم السوريين من قبل الكثير من الدول التي كان الشعب السوري يتأمّل منهم الكثير، بالإضافة الى إدخال النظام التنظيمات الإرهابية إلى سوريا بمساعدة حلفائه؛ بقصد الإساءة إلى الثورة واتهام ثورة الحرية بالانحراف أمام تراجع موقف الدول الداعمة للثورة .
يبدو هنا تلاقت مصالح الجهتين في زعزعة إرادة الشعب السوري ووقف انتصاره بدون أية حلول ، بل ولتكون مجرد أزمة يعيشها السوريون كلّ هذه السنين في رغبة من هذه الدول سواءً كانوا من حلفاء النظام أو حلفاء الشعب السوري بما فيها دور إسرائيل المانع لإسقاط الأسد ، لتستمرّ الأزمة أو الكارثة السورية والتي الهدف منها إركاع الشعب السوري وتنفيذ مخططات لم تكن واضحة المعالم حتى الآن وربما تتجاوز حدود سوريا .
كما ذهبت هذه الدول ذات التدخل والتأثير المباشر مثل أمريكا وأوروبا والدول العربية إلى اللجوء للقرارات الدولية المطاطية التي لم تنتج عنها شيئاً سوى استمرار الأزمة والمعاناة على كلّ مساحة سوريا ، وهم أخلاقياً يتحمّلون الجزء الأكبر من المسؤولية بعكس حلفاء النظام اللذين وقفوا إلى جانبه سياسياً وعسكرياً بكلّ قوةٍ ، بل ويحاربون إلى جانبه حتى هذه الساعه دون تردد.
ولتحديد المسؤولية على ما آلت إليه الأمور عدم وجود موقف أمريكي وأوروبي واضح تجاه الحل في سوريا، فقط التمسك بخيوط الأزمة واستمرارها كما هو الحال،
يضاف إليه موقف أغلب الدول العربية التي كان لها حساباتها من امتداد الثورة إلى بلدانهم .
ويضاف إلى كلّ ذلك أداء المعارضة التي عجزت عن التوحد في قيادة الثورة والتعاطي مع العالم بصورةٍ واضحة وفشلها إلى حد كبير لتكون قوة ذات تأثير على مجريات الأحداث والقرارات السياسية ذات الصلة بالوضع السوري ؛ بسبب تشرذمها وتعدد أشكالها وتنوع أهدافها في رسم خارطة واضحة لسوريا المستقبل وافتقارها إلى القدرة على حشد السوريين على الاستمرار في الثبات والمقاومة لفرض إرادة السوريين على المجتمع الدولي لتطبيق القرارات الصادرة ذات الصلة بالوضع السوري من مجلس الأمن والأمم المتحدة
وأخيراً وانطلاقاً من حتمية التاريخ لايمكن استسلام الشعب السوري بعد هذه التضحيات وهو مستمر في ثورته وأية محاولة لتجاوز إرادته من قبل أية جهة ستفشل ولن يكون هناك استقرار في سوريا ولا في المنطقة .
كبرئيل موشي / مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية :
بعد ثلاثة عشر عاماً من انطلاق الثورة السورية من أجل الحرية والكرامة, والتي شارك فيها كافة أطياف الشعب السوري والتي بدأت سلمية, ثم سرعان ما تحوّلت إلى التسلح، وأيضاً شابتها حالة من الطائفية والإسلاموية, و بالرغم من صدور قرارات مجلس الأمن لا سيما القرار 2254 نجد أنّ الحراك السياسي متوقف والاهتمام بالقضية السورية تراجع إلى مستويات ثانوية بالقياس إلى قضايا أخرى مثل حرب أوكرانيا وحرب غزة.
مسؤولية ذلك لا شكّ تقع على المجتمع الدولي بالدرجة الأولى نتيجة غياب التوافق وتضارب المصالح بين الأطراف المتدخلة في سوريا, سواءً كانت قوى دولية كبرى أو قوى إقليمية نافذة تسعى، في ظلّ التطورات الموجودة في العالم والصراعات الكبرى التي نشبت مؤخراً, إلى نوعٍ من الستاتيكو أو الحفاظ على مراكز النفوذ, فبالتالي لا تتعجّل بدفع العملية السياسية في سوريا إلى الأمام, أيضاً هناك مسؤولية تتحمّلها قوى الثورة السورية التي بدأت بلا قيادة وإلى اليوم تبدو أنها ليس لها قيادة حقيقية رغم وجود أطر وظيفية للمعارضة السورية ولقوى الثورة متمثلة بالإئتلاف وبهيئة التفاوض السورية وكذلك اللجنة الدستورية, إلا أنّ العملية لم تتحرّك بل بقيت تراوح مكانها, طبعاً هذا يعود إلى حالةٍ من التشتت وأيضاً إلى التوجهات المتناقضة ، كذلك أنها لم تستوعب كافة السوريين لا سيما الموجودين في الداخل وكذلك الموجودين في الخارج, فهناك مسؤولية تقع أيضاً على القوى الثورية السورية, لا ننسى أيضاً من يعيق العمل السياسي بالدرجة الأولى أو العملية السياسية ويرفض إجراء أي تغيير أو انتقال سياسي هو النظام الذي أطلق منذ بداية الثورة شعار الأسد أو نحرق البلد, الأسد أو اللاأحد, مدعوماً بحلفائه روسيا وإيران،و هم لازالوا العقبة الأساسية أمام انطلاق العملية السياسية في سوريا, كونهم يرفضون أي تغيير في المشهد السياسي السوري باتجاهٍ يلبّي تطلعات السوريين بالحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية حديثة علمانية تستند إلى أسس العدالة والمساواة والشراكة بين السوريين وضمان حقوق كافة القوميات في سوريا من عرب وكُرد وسريان آشوريين وتركمان وغيرهم, فالنظام لازال يسعى بكل السبل خصوصاً بعد التطبيع الذي جرى معه من قبل الدول العربية ودعوته مجدداً إلى الجامعة العربية – يسعى إلى إعادة الأمور إلى ما قبل 2011م.
أعتقد أنه من المهم جداً في هذه المرحلة لا سيما في المناطق الموجودة خارج سيطرة النظام, حيث فشلت القوى..هناك, هناك فرصة في ظل حالة الانتظار القائمة اليوم وتمثل أيضاً ضرورة ملحة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام, سواءً في شمال غرب سوريا أو شمال شرق سوريا لبناء شكل أو إطار قيادي أو أجسام سياسية تستند أساساً إلى بناء تنظيمات سياسية أي أحزاب, وبرأيي هي الخطوة الأولى نحو استعادة السياسة للمجتمع وتخليصها من هيمنة واحتكار النظام الاستبدادي وكذلك سلطات الأمر الواقع, ويعتبر هذا مهماً جداً للبدء في هذه المناطق حيث لا يتواجد النظام وبناء حالة ديمقراطية تعددية لامركزية تستطيع القيام بأعباء بناء حوكمة رشيدة تنصرف لخدمة المواطنين في قضايا التنمية والتعليم وغيرها, وهذا من شأنه باعتقادي أن يعيد ثقة السوريين ويفتح أبواب الأمل أمامهم, لحصول تغيير ايجابي بشّرت به الثورة السورية وماتزال تبشّر به.
إرهاصات ذلك نجدها اليوم في مناطق السويداء في التظاهرات السلمية في السويداء وكذلك في بعض المناطق الأخرى, لكن هذا يبقى عملاً عفوياً يحتاج إلى تأطيره سياسياً من خلال بناء حالة حزبية سياسية وطنية تقوم على أساس التنافس الإيجابي في المجتمع, كما أنّ هذا من شأنه أن يحظى بقبول المجتمع الدولي ويدفعه لممارسة المزيد من الضغوط لتطبيق القرار 2254 بالاستناد إلى العامل الايجابي الموجود في مثل هذه المناطق في حال ما تحقق ذلك.
كما أنّ ضرورة إجراء التغيير الديمقراطي الذي يتطلع إليه السوريون يقتضي البدء في هذه المناطق ودونما انتظار, ندرك العقبات المتمثّلة بسلطات الأمر الواقع التي تهمها ،هي والنظام ، بقاء الوضع الحالي كما هو عليه, لكن لابدّ في هذه المناطق من بناء هذه الحياة السياسية التي نقول بها, وبغير ذلك فأعتقد أننا سندور في دائرة مغلقة والأوضاع ستزداد سوءاً وتفاقماً، وسيكون المستفيد الأكبر هو النظام الذي سيطول عمره برضى المجتمع الدولي بحجة غياب البديل.
شلال كدو/سكرتير الحزب اليساري الديمقراطي الكردي في سوريا :
لا شكّ أنّ ما آل إليه الوضع في سوريا يتحمّل وزره نظام القمع والاستبداد القابع في دمشق، والجاثم على صدور السوريين منذ ما يقارب النصف قرنٍ من الزمن، إذ أنّ ايديولوجية حزبه الحاكم (البعث) يلغي الآخر المختلف معه سياسياً وثقافياً وأثنياً ومذهبياً، فضلاً عن أنّ سلوكه وتعاطيه مع ثورة الشعب السوري التي دخلت عامها الرابع عشر، أدّى إلى استمرار المعاناة السورية في ظل غياب أي افقٍ للحل السياسي، لا سيما وأنّ الأزمة خرجت من دائرة اهتمام المجتمع الدولي بسبب الأزمات الأخرى الأكثر أهميةً وربما الأكثر دمويةً، كحرب غزة وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن الأزمات الأخرى كالحرب الأهلية في السودان وغيرها من الملفات الدولية والإقليمية الساخنة.
وفي هذا السياق، فإنّ النظام السوري كما هو واضح لكلّ ذي بصيرة يتهرّب بشكلٍ واضح من العملية السياسية التي أطلقتها الأمم المتحدة، منذ صدور القرار الأممي 2254 الذي صدر بالإجماع في 18 ديسمبر 2015 والمتعلّق بالتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، ويفعل المستحيل لعدم تطبيق هذا القرار رغم أنه الحل الوحيد الذي اتفق عليه المجتمع الدولي، إلا أنّ التسويف المتعمد ووضع العراقيل أمام هذه العملية يؤدّي إلى تشابك الوضع وتعقيده واستمرار الأزمة إلى أجلٍ غير معروف، ربما يمتدّ لسنوات أخرى لحين تسوية الأزمات الأخرى المشار إليها أعلاه، لذلك فإنّ المستقبل المنظور لا يحمل أية أفاق سياسية للعثور على أي افق للحل سياسي أو تسوية سياسية للأزمة السورية، نظراً لغياب الإرداة لدى النظام ، وكذلك انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى أكثر إلحاحاً من الأزمة السورية.
الاستطلاع منشور في جريدة يكيتي العدد “318”