آراء

الأميركان و القوى المحلية المسلحة

قهرمان مرعي
منذ سقوط الدكتاتورية في بغداد 2003 , أثبتت الوقائع , تفضيل أمريكا التعامل مع القوى المحلية العسكرية و تهيئتها ودعمها في مواجهة المنظمات الإرهابية (القاعدة , داعش) التي تستهدف وجود قوات التحالف الغربي في المنطقة .
السؤال هنا , ما هو أسباب تفضيلها لتلك القوى على التعاون مع الدول الإقليمية وبخاصة تركيا وايران في الملفين العراقي والسوري . وما مدى قدرتها على التوفيق بين مختلف التوجهات لضمان عدم التصادم وتحقيق النصر , وما هي أسباب تبجح القوى المحلية المسلحة تلك بالدعم الأمريكي لإضفاء الشرعية على تحركاتها و إختلاق التبريرات على تعسف سلطاتها تجاه المواطنين الآمنين ومنظمات المجتمع المدني و القوى السياسية الأخرى المناهضة لسلطات الأمر الواقع في معظم المناطق , خاصة إقليم كوردستان سوريا , من خلال التحكُّم و السيطرة بقوة السلاح . ؟
يتلخص أسباب التفضيل بأن الاتفاق بين الدول والجيوش النظامية تترتب عليها إلتزامات متبادلة وتبعات قانونية ومالية وسياسية وفق شروط التعاون والمشاركة كطرفين متعاونين . بينما التعامل مع القوى المحلية لا يترتب عليها تلك التبعات وليس لها تدعايات نتائج فك الارتباط , فهو كعقد مقاولة , ملزم لطرف واحد .
– يتطلب الاتفاق والتعاون بين الدول تكاليف لجان وأركان حرب و تعيين ضباط أرتباط فيما ليست على القوى المحلية سوى تلقي الأوامر وفق خطة القتال والتحرك سواء بمشاركة بعض قوات الجيش الامريكي أو دونه .
– القوى المحلية لها خاصية المكان و تتسم بالتهور في مواجهة غرمائها من الفئات ذاتها التي تشكل جسم تلك المنظمات المنغلقة على ذاتها و عادة يكون قد وقع بينهم الكثير من الثأرات وهو ما يزيد من حدة المواجهة بسبب بنية المجتمع التقليدي العشائرية في البيئات الحاضنة للإرهاب .
– لا تبعات سياسية لعملية الاعتماد على القوى المحلية وسهولة فك الإرتباط معها وقطع التمويل عنها من خلال التخلي عنها وتركها لمصيرها في المواجهة التي تتجدد بصورها الثأرية والعداوات التي تحدث شروخ عميقة بين الفرقاء المحليين .
– القوى المحليه عادة تتنافس على الفتاة أو على اللا شيء , لهذا فإن مجرد تواصل الأمريكان معها . لا تتردد في القبول و الامريكان على ما يبدوا يقدمون المال والسلاح بسخاء لتدوير آلة الحرب ولهم تجارب سابقة حديثة في العراق وأفغانستان .
تدرك أمريكا منذ حرب فيتنام مدى صعوبة مواجهة حرب العصابات بقوات نظامية على الأرض , و أزداد إدراكها خلال حرب المدن والأماكن المبنية في العراق بشكل خاص .
عراقياً : بعد الإخفاقات الكثيرة للجيش العراقي المدعوم أمريكياً في مواجهة موجة الإرهاب التي حصدت أرواح مئات الألاف من العراقيين بإسم المقاومة العراقية لمواجهة الإحتلال الامريكي وبدفع من ايران والنظام السوري أستمر مقاومة مشروع تأهيل العراق ديمقراطياً وتنموياً , خوفاً من عدوى الإنتقال إلى منطموتيهما الطائفية و المذهبية , و بعد معركة الفلوجة 2004 أضطر الأمريكان في النهاية الى تشكيل قوات إسناد محلية (الصحوات) في العراق منذ 2006, من خلال دعم العشائر السنية وخاصة في محافظة الأنبار لمواجهة ( القاعدة) حينذاك , فيما أستثمرت إيران المبدأ بتشكيل (الحشد الشعبي) لتوحيد الفصائل الشيعية المسلحة كقوة توازي الجيش العراقي الوطني أو تفوق قدراته من حيث التعبئة و سهولة الحركة , طبعاً بعد تمكين (داعش) وتمدده من قبل حليفيها في سوريا والعراق نوري المالكي وبشار الأسد , من الموصل إلى الرقة , حيث جاء حشر (الحشد الشعبي) نفسه مؤخراً , في معركة الموصل ضد (داعش) في إطار الجهد الأمريكي والتحالف الدولي لمحاربة ما يسمى بالإرهاب .
سورياً : لم يكن تعامل الأمريكان سابقاً مع فصائل الجيش الحر ولاحقاً مع قوات سوريا الديمقراطية والتي تشكل (وحدات حماية الشعب)العائدة لحزب الإتحاد الديمقراطي نواتها الرئيسية وقوتها الضاربة , خارج هذا الإطار , وما حصل مؤخراً من هجمات جوية تركية على مواقع الحزب المذكور في جبل قه ره جوخ , بالقرب من تمركز بعض قوات الجيش الأمريكي في المنطقة الكوردية , ليست سوى إختبار لـ رد الفعل الأمريكي بعد إستبعاد تركيا من المشاركة في معركة الرقة , التي لم تزل في بداياتها . وكذلك توجيه أنظار الرأي العام الشعبي التركي و تهدئة الجدل الدائر بعد الإستفتاء على تعديل نظام الحكم و إستفراد الرئيس التركي أردوغان بقرار السلم والحرب , بحجة محاربة المشروع القومي الكوردي , بدعوى ملاحقة حزب العمال الكوردستاني , فيما ينتظر ترتيب نتائج على تلك العمليات في لقائه المرتقب في 16/5/2017 مع الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص ترتيب الأوضاع مع تركيا الأطلسية من جديد .
وهذا ما تفعله ايران وتركيا بالتوازي مع التحالف الدولي , من خلال تدخل جيشيهما , لمساندة أطراف النزاع في سوريا لتقاسم النفوذ على الأرض ويلتقي ممارساتهما من حيث المبدأ مع الجهد الأمريكي والتحالف الدولي وروسيا بإدعاء الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً , بينما في الحقيقة الكل يعمل على شاكلته , فيما يدفع الشعب السوري المغلوب على أمره ضريبة الدم في ظل الإنقسام المجتمعي الحاد والتقسيم المناطقي بين أنصار النظام المجرم و مناوئيه في ساحة تقاطعت فيها خطوط الطول والعرض , فأصبحت دوائر ومستطيلات يتحكم بها أمراء الحرب وملوك العنف بمصير الناس بقوة السلاح .
في 27/4/2017

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى