آراء

الائتلاف الوطني السوري وتعزيز الحوكمة

عبدالله كدو

تأسّس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في نهاية عام 2012 وسط ظروف سياسية ونفسية استثنائية رافقت ثورات الربيع العربي، ذلك تجاوباً مع مستلزمات الحراك الثوري السلمي الذي انطلق في آذار عام 2011 على امتداد مساحة سوريا، حيث خرج معظم بنات وأبناء الشعب السوري بمختلف أطيافه القومية والدينية وغيرها، من العرب والكُرد والتركمان والسريان الآشوريين، مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وغيرهم، و ذلك كردّ فعلٍ طبيعي على الاستبداد والقمع الذي مارسه نظام الحكم البعثي، الذي بلغ ذروة التفرد والاستئثار بالسلطة واحتكارها، وكردٍّ على ممارساته في تأليب مكونات الشعب السوري، من الطوائف والقوميات، ضد بعضها البعض، وخاصةً في مرحلة الأسدين، الأب والابن، وذلك لقطع الطريق أمام تصاعد النضال الوطني للشعب السوري في سبيل تحقيق الديمقراطية والتنمية، الأمر رآهُ النظام ضرورة لديمومة الفساد والتفرد اللذيْن يشكّلان أهم ركائز حكمه القمعي والعنصري المقيت.

بعد مضي سنوات من العنف الذي مارسه النظام لوأد الثورة السورية وجد الائتلاف نفسه أمام مهمة إدارية جديدة عليه، إضافةً إلى مهمته السياسية التي يؤدّيها كمعارضة رسمية معترف بها دولياً، وهي إدارة المناطق الواقعة في الشمال السوري الخاضعة لإدارة الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف المدعوم من الحكومة التركية.

فالائتلاف الذي ضمّ مختلف المكونات السياسية الثورية والمعارضة والشخصيات الوطنية، قبْلاً، وجد نفسه أمام مهام إدارية وأمنية وعسكرية، أيضاً، في مناطق الشمال السوري الذي يشمل عفرين وإعزاز والباب وجرابلس وسَري كانييه/رأس العين وتل أبيض، بدءاً من عام 2016، فالائتلاف الذي بدأ كمؤسسة سياسية وجد نفسه، عبر حكومته السورية المؤقتة، مسؤولاً عن إدارة مساحة تأوي نحو خمسة ملايين نسمة من السكان الأصليين والنازحين.

من الجدير بالذكر أنّ تحسين الحوكمة في تلك المناطق ظلّ هدفاً ومشروعاً للائتلاف وحكومته المؤقتة منذ البداية، إلا أنّ الأوضاع على الأرض ظلّت تقول خلاف ذلك، حيث كانت هناك صعوبات تعيق تحقيق ذلك المشروع الإصلاحي الهام، منها شحّ الموارد المادية والدعم المقدّم للحكومة، سواءً من الدول، باستثناء تركيا وقطر، أم من منظمات المجتمع المدني الدولية، إضافةً إلى ضعف فعالية القضاء والشرطة المدنية، واستمرار بقاء الفصائل المسلحة ضمن المناطق السكنية بحالتها الفصائلية غير الخاضعة لوزارة الدفاع بالشكل اللازم، ذلك رغم بدء العمل على مشروع مأسسة الجيش الوطني الموحد والتابع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، منذ سنوات، وعليه استمرّت الانتهاكات في مختلف مجالات حقوق الإنسان في مختلف المناطق، منها عفرين وسري كانييه/رأس العين، انتهاكات في شتى المجالات، لم تسلم منها حتى البيئة، حيث قطعت أشجار الزيتون والأشجار الحراجية بالمئات، إضافةً إلى استمرار تواجد فصائل مسلحة داخل مناطق سكنية، بدلاً من تموضعها خارجاً، على الحدود.

في المراحل السابقة تمّت محاولات عدة لتشكيل لجان للمحاسبة وتقصي الانتهاكات في تلك المناطق، إلا أنها لم تفِ بالغرض ولم تستمرّ، وذلك وسط الازدحام الشديد ضمن البلدات والمدن التي صارت تأوي نازحين من مختلف المناطق السورية بما يزيد عددهم على عدد سكانها الأصليين بأضعاف.

لابدّ من التذكير بأنّ الهيئة العامة للائتلاف في بداية الدورة الانتخابية الجديدة، أعطت الأولوية للبدء بخطوات عملية ملموسة نحو تحقيق الحوكمة الرشيدة بأسرع وقتٍ في الشمال السوري الذي تديره الحكومة السورية المؤقتة، وأكّدت على ضرورة تقديم الدعم الممكن للحكومة المؤقتة للمضي قدماً في تطبيق برنامج تطوير الحوكمة، البرنامج الذي هو حصيلة إجماع أعضاء الائتلاف عليه، وبناءً عليه فقد خرج الاجتماع الأخير للهيئة العامة للائتلاف، الذي عقد في 23/11/2023 ، بمجموعة من التوصيات، ضمّنها البيان الختامي للاجتماع الذي أكّد على ضرورة المحاسبة لوقف جميع الانتهاكات والمخالفات في مناطق الحكومة المؤقتة، والعمل على توفير قضاء عادل وقوى الأمن الداخلي متمثلة بالشرطة المدنية تحت إدارة وزارة الداخلية التابعة للحكومة المؤقتة، والعمل على توحيد فصائل الجيش الوطني لتكون تحت إمرة وزارة الدفاع، وحصر الضرائب بوزارة المالية والاقتصاد.

إنّ قيام الهيئة العامة للائتلاف بنقل المناقشات في كلّ هذه المجالات، في سياق مناقشة تعزيز الحوكمة، من طاولة الائتلاف إلى البيان الختامي لاجتماعها، ليقرأها الشعب السوري، لَهُوَ انعطافة جديدة للائتلاف، وعامل مساعد، لا بل ضاغط، على تنفيذ تلك التوصيات، لتحقيق الأمن والعدالة والاستقرار، الأمر الوحيد الذي من شأنه وقف الهجرة وعودة المهجّرين إلى ديارهم، ليكون الشمال السوري الذي تديره حكومة الائتلاف أفضل من بقية المناطق السورية، وليكون ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بمستوى أهداف الشعب السوري الذي خرج ضد النظام وطالب بإسقاطه لتحقيق العدالة والحرية

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “314

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى