الانتخابات بين هدف الدستور الجديد وشبح انقسام سوريا
د.سميرة مبيض
/باحثة أكاديمية في العلوم الانسانية والبيئية /
يسعى الاسد جاهداً للتظاهر بأن شيئاً لم يتغير في العقد الماضي من الزمن، رغم أن مسار التغيير باتت بوصلته واضحة وتصب حتماً في مصلحة شعوب المنطقة جميعها وليس فقط الشعب السوري، الا أن حالة الانفصال عن الواقع والتشبث بالسلطوية والتمسك بكرسي الحكم لازالت من سمات الاسد في توافق كامل مع المنظومة الايديولوجية التي اوصلته لهذا الموقع واوصلت سوريا لهذا الخراب.
فنراه اليوم يعمل على التحضير لانتخابات رئاسية جديدة رغم أن القرار الدولي ٢٢٥٤ ينص بوضوح أن دعم الانتخابات في سوريا مرتبط بوجود دستور جديد، هذا القرار الدولي الذي توافقت عليه جميع الدول المنضوية بالعملية السياسية السورية بما فيها حلفاء النظام وضامنيه في العملية الدستورية، ووافق عليه النظام ايضاً بانخراطه والتزامه ضمن اللجنة الدستورية التي انطلقت تحت رعاية الامم المتحدة في جنيف وفق مسار الانتقال السياسي وارتكازاً على القرار الدولي ٢٢٥٤ والمتضمن لبند ينص على دعم انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد، على عكس ما صرح ويصرح ممثلو النظام عبر عدة منابر بأن الانتخابات لا صلة لها بالعملية الدستورية، بل هي وفق القرار المعني مرتبطة بالوصول لدستور جديد.
ذلك يعني على اقل تقدير بأن أي انتخابات تجري قبل الوصول لدستور جديد لن تكون مدعومة من الدول التي توافقت على القرار المذكور مما يعني أيضاً، نظرياً على الاقل، أن الانتخابات، إن جرت وأفضت الى انتخاب الأسد لسبعة سنين عجاف اخرى، لن تلقى الشرعية من المجتمع الدولي ولا حتى من الدول الداعمة له.
لكن ذلك لا يعني ان الاسد لن يسعى لاجراء هذه الانتخابات بل وكما اعتاد على التلاعب لنصف قرن من الزمن سيعمل، ان اتيح له الامر، على التلاعب عبر عدة احتمالات أولها هو سعيه لوضع دستور معدل كنسخة موازية لدساتير ١٩٧٣ و٢٠١٢ دون اي تغيير جذري وفعلي يسمح بانتهاء حقبة الشمولية والقمع في سوريا والاعتماد على هذه النسخة لاعادة انتخابه، رغم ان هذا السيناريو صعب التحقق لكنه من غير المستبعد ان يسعى الأسد له اذا استطاع خلق حالة من التواطؤ حول هذا السياق مع بعض اطراف اللجنة الدستورية ويحاول عبر ذلك تفادي نقض شرعية انتخاباته المزعومة.
أما في حال لم ينجح بوضع دستور معدل يعيد تأهيله واجراء الانتخابات في موعدها فقد يعمد الى المتابعة بوضعية الرأس في الرمال مدعيًا ان لا صلة تذكر بين الدستور والانتخابات ويعيد تأهيل نفسه بناء على دستور عام ٢٠١٢ وهو الدستور المصاغ ليمنحه السلطة المطلقة والابدية والمركزية بالتحكم بكافة مفاصل وسلطات الدولة، وهو بهذه الحال مهدد بعدم الحصول على شرعية للانتخابات التي سيجريها وانعدام هذه الشرعية لن يكون على الصعيد الدولي وحسب بل على الصعيد الداخلي اي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتي تقع تحت هيمنة قوى أخرى، هذه القوى في حال عدم اعترافها بشرعية انتخابات النظام يمكنها اعتبار أن المناطق الخاضعة تحت هيمنتها قادرة على التوجه بمسارات أخرى مفتوحة لتنظيم امورها وادارتها بشكل محلي.
هذه السيناريوهات أو سواها من محاولات التلاعب وحالة الانكار السياسي المتبعة في منهج الكذب الاسدي لن تؤدي الا لترسيخ واقع انقسام سوريا، فاليوم وعلى مساحة واسعة من المناطق الخارجة عن سيطرة الاسد والتي يعيش فيها ما يقارب نصف الشعب السوري تعتبر العودة لما قبل آذار ٢٠١١ أمر لا يرد في قواميس السياسيين ولا المواطنين ولا الفاعلين في المجتمع المدني بل هو بمثابة العودة لحكم الاعدام لمن استطاع كسر حواجز السجن والنجاة بحياته.
لا انتخابات شفافة ونزيهة منذ نصف قرن في سوريا ولمزيد من المصداقية فلا شرعية لاي انتخابات جرت خلال هذه الحقبة ولا انتخابات ممكنة في العام القادم او المستقبل السوري عموماً دون عقد اجتماعي جديد ينطلق من واقع سوريا اليوم ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات التناغم المجتمعي المطلوب ومتطلبات تحقيق الامن والاستقرار لجميع السوريين ومتطلبات الحفاظ على وحدة سوريا من منطلق عدم امكانية اي جزء منها بالاستمرارية منفصلاً عن جواره أو معادياً أو محارباً له، ثوابت علينا احترامها لنضمن السير قدماً في عملية التغيير السياسي.
دستور جديد يحقق مطالب التغيير السياسي هو الهدف الذي يضمن تحقيق مطالب الثورة السورية وعدم الالتفاف عليها من اي جهة، فلا تغيير ممكن في ظل دستور يقيد السلطة بيد جهة شمولية ويلغي وجود شعب كامل، دستور جديد يتطلب بدوره تفعيل حقيقي لعمل اللجنة الدستورية بعد تقييم وتقويم آلية عملها التي اثبتت عدم فاعلية خلال العام المنصرم ولم تفضي الا الى اوراق تدور في فلك الدساتير السابقة، دون دستور جديد اي انتخابات يجريها الاسد لا شرعية لها الا في نطاق دائرة الاسد نفسه، الدائرة التي ارتكبت جرائم انتهاك للانسانية بحق الشعب السوري وفُرضت عليها عزلة سياسية واقتصادية مُحقة، شرعية هذه الدائرة لا تتجاوز حدودها أما سوريا فستبقى تحت وطأة الدمار والمعاناة الى أن يكتب السوريون عقدهم الاجتماعي الذي يعيد لها امكانية الحياة.