آراء

الباحث السوري وائل السواح المختص في قضايا المجتمع المدني وحقوق.الإنسان في حوار خاص مع ( يكيتي )

– عسكرة الثورة كانت أحد الأسباب في وأدها .
– إن تخاذل الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما قد أعطى فرصة العمر للنظام وحلفائه .
– ينبغي أن تكون هناك لامركزية حقيقية وليست ديكورا على طريقة الإدارة المحلية في أيام نظام البعث .
– سوريا البعثية قد ولت .

وائل السواح باحث سوري مختص في قضاياا المجتمع المدني وحقوق الإنسان ومؤلّف للعديد من الأبحاث في هذا المجال. عضو المجلس الاستشاري لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ورئيس منظمة مع العدالة الأمريكية www.pro-justice.org ، ورئيس تحرير موقع The Syrian Observer. عمل سابقاً مديراً تنفيذياً لمنظمة اليوم التالي. وهو مؤلّف مشارك لعدد من الكتب باللغتين العربية والإنكليزية، منها رواية اسمها سورية؛ جدل العلمانية والديموقراطية؛ العلمانية في المشرق العربي؛ الخروج إلى الشارع: النشاط الثوري، الانتفاضة، والديمقراطية في العالم العربي (بالإنكليزية)؛ الربيع العربي: تقرير أولي (بالفرنسية). كما شارك السواح في عددٍ كبير من المؤتمرات الأكاديمية وورشات العمل التي نظّمتها جامعات في هولندة وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، وكتب العديد من الدراسات لهذه المؤتمرات.

وفيما يلي نص الحوار :

س1- الثورة السورية بدأت، سلمياً، قبل 11سنة، بشعاراتٍ وطنية، مثل ” الشعب السوري واحد”. كيف تقيّم أداء المعارضة السياسية والعسكرية السورية التي مثّلت الثورة رسمياً؟
بدأت الثورة سلمية، ويبدو الآن من الساذج القول إنّ انتصارها كان ممكناً لو استمرّت كذلك. كنت دوماً أقول إنّ عسكرة الثورة كان أحد الأسباب في وأدها. السبب الثاني طبعاً إغراق الساحة المعارضة بملايين الدولارات لتشجيع التعصب الديني والكراهية الطائفية والقومية. ومن ثم تأتي أسباب أخرى كالدور الروسي وتخاذل الدور الأمريكي، وغير ذلك.
المعارضة الرسمية لعبت في بداية الثورة دوراً رائداً. ندين مثلاً للجان التنسيق المحلية في قيادة الحراك الثوري في كلّ المناطق السورية، كما جاء المجلس الوطني تعبيراً سياسياً رائداً في مرحلةٍ قصيرة. بعد ذلك بدأت التدخلات الإقليمية والدولية تزداد، وبدأ كلّ طرف يطلب حصةً من الكعكة، ما جعل أطراف المعارضة السورية تعلن ولاءها لهذا الطرف أو ذاك. وبدلاً من أن تستفيد المعارضة الموحّدة من التناقضات الإقليمية لما فيه مصلحة السوريين، انقسموا على أنفسهم، وصارت المعارضة معارضاتٍ غدا التناقض بينها أحياناً أقوى من التناقض مع النظام.
والآن لدينا معارضة رخوة ليس لها قاعدة شعبية ولا تحميها نخبة مثقفة ولا يسيّجها فكر واحد ورؤية منسجمة، وهي غير قادرة على المبادرة. ورغم أنّ الأفراد الذين يشكّلون الأجسام المعارضة أشخاص رائعون ووطنيون وصادقون (في غالبيتهم) إلا أنّ تنافرهم وضيف أفقهم السياسي يجعلهم عديمي التأثير في الساحة السياسية.

س2-  ما هي أهم  الأسباب التي أدّت لإطالة أمد الأزمة السورية، على الصعيدين الداخلي والخارجي؟
السبب الأول والثاني والثالث هو إجرام النظام وفساده وإفساده وعقلية الدكتاتور الصغير التي تسيطر على الأسد وزوجته والبطانة التي تحيط به.
ولكن هنالك أسباب أخرى تلي ذلك، أهمها :ضعف المعارضة وتنافسها وحسابات قادتها الشخصية. ويترافق مع ذلك عسكرة الثورة ونمو التيار الإسلامي الراديكالي في أوساط المعارضة بدعمٍ من الأطراف الإقليمية، الأمر الذي جعل الكثير ممن كان في صميم الثورة في بدايتها يجد أنها لم تعد ثورته، فانكفأ عنها.
إضافةً إلى ذلك موقف روسيا وإيران الداعم للنظام بلا حدود. بالنسبة لإيران، سوريا ملعبها الرئيسي، وهي سعيدة جداً لأنها انتقلت من مكانة التابع في العلاقة مع سوريا تحت حكم الأسد الأب إلى مكانة الآمر. أما الروس فهم كلاعب البوكر الذي أوغل في الخسارة فصار يقامر بمبالغ أكبر وصار انسحابه مستحيلاً. كلاهما يدعم الأسد بلا حدود، ويتقاسمان في الوقت نفسه السيطرة عليه.
الأزمة السورية أيضاً رهينة مواقف الغرب المترددة من النظام. وليس من المبالغة القول إنّ تخاذل الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما في العام 2013 قد أعطى فرصة العمر للنظام وحلفائه ووجّه على السوريين ضربةً قاصمة، جعلتهم يتوهون في أصقاع الأرض.

س3- هناك إثنيات قومية ودينية وطائفية تمّ تغييبها على طول تاريخ الدولة السورية منذ تأسيسها، مثل القوميات الكُردية والتركمانية والآثورية و الديانة الإيزيدية و الطوائف العلوية و الشيعية و الدرزية والمرشدية. كيف تقترح أن يتمّ التعامل مع كلّ هذه المكونات المشار إليها في سوريا القادمة؟
ثمة سبيلان متداخلان لا انفصام لهما. السبيل الأول هو سبيل سيادة القانون والمواطنة المتساوية، فحين يكون كلّ سوري متساوياً مساواةً مطلقة في القانون وأمام القانون مع السوري الآخر بغضّ الطرف عن العرق أو الدين أو اللون أو القومية، سنكون قد توصّلنا لحلّ نصف المشكلة.
السبيل الآخر هو ضرورة الاعتراف الدستوري بأنّ الأمة السورية مؤلّفة من قومياتٍ وإثنيات وأديان وجماعات متعددة، وأنّ من حق كلّ مجموعةٍ بشرية على الأرض السورية أن تتمتع بحرية الاعتقاد والممارسات السياسية والثقافية مادامت تتمّ في إطارٍ سلمي. يترافق مع هذا السبيل مبدأ آخر هو اللامركزية. وهذه ينبغي أن تكون لامركزية حقيقية وليست ديكوراً على طريقة الإدارة المحلية في أيام البعث. اللامركزية تعني أنّ حكام الأقاليم وممثليهم يُنتخبون من قبل السكان المحليين ويكونون مسؤولين أمام ناخبيهم فقط؛ وأنّ لكلّ إقليمٍ حصة من الثروات الوطنية الموجودة في منطقته؛ وأنّ الخلافات في اللغة وطرق التدريس ممكنة، طالما تتمّ في إطار وحدة السوريين في حكومةٍ مركزية تشرف على الأمن و الدفاع والشؤون الخارجية.
س4 – استطاعت أنظمة الحكم المتعاقبة على سوريا أن تغرس في أذهان أغلبية السوريين بأنّ وحدة سوريا مهدّدة وبالتالي لا مكان لغير نظام الحكم المركزي في البلاد بعد شيطنة النظام الفدرالي (الاتحادي)…ما رأيكم في ذلك؟
سوريا البعثية قد ولّت ، وسوريا الجديدة لا بدّ أن تقوم على أساسٍ من اللامركزية الحقيقية التي يتمتّع فيها سكان كلّ منطقةٍ تاريخية وثقافة بحقهم في حكم منطقتهم ضمن إطار الوحدة السورية. هذه اللامركزية تعني أن أقوم بانتخاب ممثلي التشريعيين وحاكمي/حاكمتي، ثم أسائلهم عما يفعلون. وأيضاً من المهم أن تتمتّع كلّ حكومة محلية بنسبة من الضريبة ومن الثروات القومية في مناطقها، لتقوم بالتنمية المحلية اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً.
وأنا أرى ، على العكس، أنّ في اللامركزية قوة أكبر لوحدة السوريين وسيادة سوريا كدولة موحدة ذات سيادة، لأنّ كلّ مواطن أو فئة عندها ستشعر أنّ انتماءها السوري يعزّز انتماءها الثقافي والقومي والديني، وبالتالي ستعمل على دعم الدولة الموحدة بنيةٍ صادقة وعزيمةٍ أكيدة.

تنويه: المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 297

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى