البارزاني ومشروع دولة كوردستان أمام المشروع الإيراني في المنطقة
ميدي بيداوي
ترى إيران في مشروع البارزاني – قيام دولة كوردستان – وبقائه على رأس السلطة في أقليم كوردستان خطراً حقيقياً على نجاح مشروعها الوطني (الاستراتيجية الوطنية). لذلك تسعى الجمهورية الإسلامية من خلال تصميم مُحكَم الدفع بأقليم كوردستان الى حالة اللاتوازن، وبالتالي التخلص من السيد البارزاني وفرض نفوذها وهيمنتها على الأقليم.
يمكن للباحث و المهتم عند الوقوف على الاستراتيجية الوطنية الإيرانية – نظرية ام القرى – واستراتيجيتها العشرينية؛ وأيظا نمط تحركاتها في منطقة الشرق الأوسط فهم طبيعة ومنطق سياستها الخارجية في هذه المنطقة بسهولة.
إذ يتخذ المشروع الإيراني (الاستراتيجية الوطنية) من رؤية اية الله الخوميني – بناء حزام شيعي موالي لايديولوجيتها و سياساتها القومية يتكون من إيران ويمتد الى العراق فسوريا ولبنان – قاعدة له. ثم يأتي مشروع الاسترتيجية الإيرانية العشرينية كوثيقة إجرائية تبدأ بوضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني في المنطقة للفترة ما بين 2005 الى 2025 وكيفية تحقيقهاإجرائياً على الارض.
حسب هذه الوثيقة فإن الجمهورية الإسلامية بصدد التحول الى لاعب وقوة سياسية وإقتصادية وعسكرية إقليمية من خلال خلق مناطق ودول أرتكاز في منطقة جنوب غرب آسيا التي تتضمن شبه الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام، وتفرض بذلك هيمنتها على هذه المنطقة والقيام بإعادة تنظيم المنتظم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فيها حسب رؤيتها ومشروعها.
من هنا يتضح أن جوهر هذه الرؤية وهذا المشروع هو التوسع أقليمياً. وبما أن أقليم كوردستان هو جزء من هذه المنطقة فإن تنمية واستقرار، بل وجود وهوية الأقليم تقع ضمن دائرة التهديد في حال تحقيق هذا المشروع.
وقد أتضح، بعد طلب السيد البارزاني من الاحزاب السياسية في الأقليم بإعداد الأرضية اللازمة لإجراء إستفتاء شعبي كخطوة أولى نحوة الاستقلال، وقبل ذلك رفضه لطلب الحكومة الإيرانية الذي أوصله رئيس البرلمان الإيراني السيد علي لاريجاني الى أربيل في 26 من ديسمبر2014، بفتح ممر من إيران الى سوريا من خلال أراضي الأقليم، أن رؤية وتصورات البارزاني لاتقبل بأي شكل من الأشكال أن يتحول أقليم كوردستان، سواءً كأقليم أو كدولة مستقبلية، الى منطقة أرتكاز خاضعة للهيمنة الإيرانية او لأي جهة أخرى.
ويبدُ أن الإيرانيين فهموا من هنا ووصلوا الى نتيجة مفادها أن البارزاني ومشروعه – بناء دولة كوردستان – خطر وعائق في تحقيق رؤيتهم ومشروعهم في المنطقة، وبناءً على ذلك يبد أنه قد تم القرار بوضع استراتيجية للتخلص منه ومشروعه.
وبالرجوع الى ما جرى في محافظة السليمانية في 10 من أكتوبر 2015 يمكن فهم خطوات وتفاصيل هذه الخطة. إذ تكمن تنفيذ هذه الاستراتيجية بالتعويل على قيادات لأحزاب سياسية في بغداد وداخل أقليم كوردستان في خلق حالة اللاتوازن فيه. فمن خلال أحداث محافظة السليمانية يتضح أن جوهر هذا المخطط كان ومازال يعتمد على ثلاثة مراحل رئيسية. تبدء أولها بخلق الازمات. مستهل هذه المرحلة كانت بقطع ميزانية كوردستان بقرار شخصي من قبل السيد نوري المالكي وبعد ذلك بحرب أعلامية شرسة داخل كوردستان ضد شخصية البارزاني بهدف تشويهها كوردستانيا. مستغلةً في ذلك قضية الميزانية وقانون الرئاسة في الأقليم. ثم أمتدت لتشمل خلق الازمات السياسية نواتها البرلمان الكوردستاني. هنا تم إعاقت العملية السياسية وبذل كل الجهد، بإعتماد المراوغة السياسية، لعدم الوصول الى أي اتفاق في ما يتعلق بقانون الرئاسة واتهام البارزاني وحزبه بذلك. بناءً على ذلك بدأت المرحلة الثانية من الاستراتيجية، ألا وهي شق الصف. إذ استمرت وقامت الماكينة الإعلامية بإثارة الشارع و تحريض بعض الشباب المنتمي لتلك الاحزاب في محافظة السليمانية للخروج في مظاهرات تخريبية أستهدفت أعضاء ومقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الحزب الذي يترأسه السيد البارزاني، بهدف حمل كوادره على الرد بالمثل في العاصمة والمحافظات الأخرى في الأقليم، ليتم بذلك أختراق وهدم البناء الاجتماعي وتحويل الخلاف السياسي الى صراع اجتماعي. فيُستغل بعد ذلك هذا الوضع بإستهداف القنصليات والشركات الأجنبية في أربيل وباالتالي إحداث وخلق حالة اللاتوازن في الأقليم. الحالة التي ستتيح لإيران الفرصة لخرق النسيج الاجتماعي والسياسي وخلق واقع سياسي جديد يُسَهل لها فرض هيمنتها على الأقليم.
مما سبق يتضح أن الرؤية الإيرانية تكمن في توسعة نفوذها على حساب دول الخليج العربي وبلاد الشام والعراق ومن ضمنها أقليم كوردستان. وفيما يتعلق بأقليم كوردستان يبد أن الإيرانيين يجدون صعوبة حقيقية في تحقيق مشروعهم بسبب رفض البارزاني الهيمنة الإيرانية وتعارض مشروعه، أي قيام دولة كوردستان، مع تلك المساعي. لذلك توظف وتستغل إيران قيادات بعض القوى السياسية في العراق والأقليم بخلق الأزمات وشق الصف السياسي وخرق الأمن الاجتماعي لإحداث حالة اللاتوازن بهدف بناء معادلة سياسية جديدة في الأقليم تخدم مساعيها في إنجاز مشروعها وتحويل الأقليم الى منطقة أرتكاز تستغلها كساحة مفتوحة لتصفيت حساباتها السياسية والعسكرية مع القوى الأقليمية والدولية بعيداً عن أراضيها.
لابد مما تقدم من عرض أن يدفع مواطني كوردستان الى التأمل العميق والتساؤل بجد عن الأسباب والبواعث التي تعطي إيران هذا النفوذ على أراضي الأقليم وتهديد أمن وسلامة مواطنيها. ولابد لأعضاء تلك القوى السياسية الموالية للجمهورية الإيرانية، خصوصاً الشباب منهم، في التمعن والتساؤل ملياً في سبب خدمة قيادتها الحزبية المشروع الإيراني وتعاونها مع القوى السياسية المعادية في بغداد لمشروع دولة كوردستان بهذا الشكل على حساب المصلحة الوطنية لمواطني كوردستان. كما ومن المهم من جهة أخرى أن يكون هنالك المشروع الكوردستاني الذي يقدر الرد على إيران وردعها، لأنه إذا كانت إيران قد فشلت في المرة السابقة فإنها بلا شك مستمرة في سعيها، وكما هو معلوم للمواطن الكوردستاني فإن بوادر صولة جديدة ضد مشروع بناء دولة كوردستان على يد السيد البارزاني من قبل إيران قد ظهرت بعد بدء عملية تحرير الموصل بتصميم وأدوات جديدة. فبعد نجاح قوات البشمركة بقيادة البارزاني بالتقدم وتحريرها المناطق الكوردستانية بشكل غير متوقع، بدأت القوى السياسية الموالية لإيران في بغداد وكوردستان مرةً اخرى ببذل قصارى جهدها لخلق أزمات جديدة في الاقليم والعراق لإفشال هذا النجاح لقوات البشمركة بقيادة البارزاني.
K24