البعد الإنساني في الحرب على الإرهاب
عماد يوسف
لا شك أن التخلص من التطرف و الإرهاب هو هدف العالم أجمع بحكوماتهم و شعوبهم لتسخير ما يمكن للقضاء عليه و منابع انتشاره , مع اختلاف كل دولة في التعامل مع هذه الظاهرة حسب استراتيجياتها في الأمن القومي الخاص بها بما يضمن مدى تحكمها بالسلطة و السوق الإقليمية و العالمية , و قدرتها على إدارة الأزمات خارج أسوارها الداخلية , و يحقق في الوقت نفسه نمواً اقتصاديا و تقدماً عسكريا لها على حساب تلك الأزمات في بلدان الصراع التي تعتبر منابع للإرهاب , نتيجة الأجندات الخفية لإنتاج الفوضى و التطرف بغية تغيير المعادلات السياسية و الجغرافية فيها .
و قد ظهرت الازدواجية الدولية و الأممية في التعامل مع الإرهاب المتمثل في استبداد الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها أولاً من التدخل فيها من عدمه لحماية الحقوق الإنسانية , و منع تعرض المناهضين للإبادة و الفتك الوحشي , إلى ازدواجيتهم في التعامل مع الإرهاب الذي تمثله التنظيمات المتطرفة و كيفية القضاء عليها ثانياً , تاركةً الشعوب تحت مظلة فوضى التنظيمات العسكرية الناشئة و الباحثة عن رقعة أرض تثبت بها كيانها على حساب معاناة السكان و تهجيرهم و سن القوانين المجحفة بحقهم و تجنيدهم خدمة لسياساتهم .
و خاب أمل الشعوب بمبادئ حقوق الإنسان التي تنادي بها الأمم المتحدة و أمريكا التي أخذت على عاتقها إدارة الأزمات في العالم لا إنهاءها , لتبقى خيوط اللعبة تحت سيطرتها تتحكم بها بما يرضي تجار السلاح و النفط , بتغيير خارطة الشرق الأوسط و الاعتماد على قوى و حلفاء جدد شكلتهم دواعي الصراع المستمر في المنطقة لاستخدامهم في وجه الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش المتطرف مقابل منحها شرعية السيطرة على المناطق التي تطرد داعش منها في حين تغض الطرف عن تصرفاتها و ممارساتها المنتهكة لحقوق الإنسان , و خير مثال على ذلك ما يقوم به الحشد الشعبي الشيعي في العراق من انتهاكات وحشية بحق نازحي مدينة الفلوجة العراقية , و عمليات القمع و كم الأفواه و اعتقال النشطاء و السياسيين من كرد سوريا الذي يقوم به مسلحو حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يدعم أمريكا و التحالف الدولي جناحه العسكري – وحدات حماية الشعب – في حربهم ضد داعش و يغض الطرف عن ممارساتهم الداخلية , ما عدا الصمت الذي يمارسه المجتمع الدولي تجاه إرهاب نظام الأسد و تجاهله كل التقارير الصادرة من المؤسسات الحقوقية الموثقة لجرائمه و التي كان آخرها تقرير الأمنستي الذي وصف المجازر التي ارتكبها نظام الأسد في سجن صيدنايا بالمسلخ البشري , حيث وثق 13 ألف حالة وفاة شنقاً و تعذيباً , ناهيك عن التدمير و التهجير الممنهج في سوريا عامة .
و إذا كان مفهوم الإرهاب يتلخص في تلك الأعمال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف , ويكون موجهاً ضد أتباع دينية وأخرى سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة غير المدنيين , فإن الحاصل في الأمثلة المذكورة آنفاً و التي تعمل تحت مظلة من الدعم و التوجه من التحالف الدولي و الأمريكي لمحاربة إرهاب داعش فإن ما تمارسه تلك المليشيات المسلحة بحق المدنيين بدواعي أيديولوجية من ترهيب للمخالفين لهم و خطفهم و نفيهم و فرض القوانين التعسفية التي تثقل كاهلهم و تخيرهم بين حمل السلاح أو الهجرة , لا تقل عن إرهاب داعش و قوانينها المنتهكة لإنسانية الإنسان و كرامته .
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا