البكاء لا يفيد يا سيادة الرئيس
صبري حاجي
لا أدري نوع العاطفة التي يملكها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ,لم أكن أعرف إنه حنون الى هذا الحد ,ولم أكن أعرف أيضاً بأنه كان يختبأ كل هذه الدموع في عينيه ,والأدهى أنه يرقد على كرسي متحرك يتحكم العالم من خلاله ,ربما لأنه من أصول افريقية ومنحدر من الدول النائية الفقيرة ,كبر وترعرع على الثقافتين ,الإسلامية والمسيحية ,مولود من أبوين مختلفين في العقيدة والديانة ,لهذا يملك حساً مرهفاً وشعوراً عميقاً مليئاً بالشجن وهفوان الحياة ,طبيعي الإنسان لا يدمع إلا في لحظتين ,الحزن العميق والفرح الشديد , سؤال ,ترى على ماذا يبكي أوباما ؟ ما المشكلة التي من أجلها يتعذب ويتألم ؟ ظننتت إنه يبكي على السوريين وحالتهم الإستثنائية الميؤوسة وصعوبة أوضاعهم الحياتية والمعيشية والقتل العشوائي الذي يتعرضون له بشكل يومي بسبب الأزمة التي تعصف البلد ,دخلت عامها الخامس, والنظام مستمر بتمسكه بالحل العسكري, ضارباً عرض الحائط كل المبادرات والطروحات السلمية للخروج منها ,النتيجة,راحت ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص من الأبرياء العزل و الشيوخ والأطفال والنساء ,وإستخدامه المفرط للبرامل المتفجرة والأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً ,وتجاوزه كل خطوط الحمر ,في النهاية وجد نفسه مضطراً عبر الخارجية الى التعامل معه للعمل سوياً ضد الارهاب لأنه لا يمكن القضاء على العصابات والفلول الارهابية إلا بالتنسيق مع طاغية دمشق التي فقد الشرعية.
أم أنه كتم في ذاته ما حل بالعراق , من موصل الى تكريت وصلاح الدين ومن كركوك الى شنكال الجريحة والكارثة التي حلت بالطائفة الإيزيدية وإبادتهم بهذه الوحشية على أيدي قوى الشر والظلام ,المتطرفين الذين دفعهم حقدهم الدفين الى جمعهم وقتلهم ,فإمتلأ الجبل والوديان وما يحيط بهما من قرى ومجمعات سكنية التي بناه لهم البعث الصدامي المجرم بغير إبادتهم ,وتهجير مئات الآلاف منهم وتشريدهم وخطف أطفالهم وسبي نسائهم وبيعهم كالجواري على شاكلة الجاهلية ,ونحن في زمن العولمة , سؤال ,هل الرؤساء يبكون ؟ بالذات رئيس أكبر وأعظم دولة ,القطب الوحيد في قيادة العالم ربما يبكي على زملاءه من الرؤساء والحكام الذين قتلوا في الشوارع رمياً بالرصاص أو أعدموا شنقاً في الساحات العامة أثر ثورات الربيع العربي والإنتفاضات الشعبية العارمة المطالبة بالحرية والكرامة التي سلبت منهم منذ عقود . أو على الرئيس اليمني عبد ربة منصور هادي الذي منحه إياه خاتم الشرعية ,ومطاردة الحوثيين له من صنعاء الى عدن عبر وادي حضرموت ,لما لهذه الحادثة من وقع خاص ألم به ,لم يستطع أن يتماسك أعصابه فانهمر الدموع من عينيه .
أم لأن الدول التي تحالفت في عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية قد أخطأوا الهدف ,كان الأولى بهم شن غارات مماثلة مسبوقة على نظام يداعب شعبه بفوهة الدبابة والمدفع ,يسهرهم بسمفونية جديدة على أنغام أصوات طائرات سوخوي الروسية في الرقة وإدلب وحلب وضواحي دمشق ,أو على كيفية إعادة إعمار كوباني بعد تدميرها من قبل الارهابيين الذين تجمعوا فيها من أصقاع العالم عبر تركيا ,لم يبقى حجر على حجر ,اهلها باتوا لاجئين في مخيمات بشمال كوردستان ,تكلف مليارات الدولارات ,الميزانية المخصصة له لا تكفي . قد يكون سبب بكاؤه الفرح الشديد والمفاجئ من موقف إيران التاريخي حسب زعمه ,الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها بعد جهد وعناء شديدين ,حيث إكتشف فجأة بأن نظام طهران لا صلة له بالحركات الارهابية والمتطرفة وبعيد في تفكيره وممارساته الى تنظيم القاعدة ,وهو يظن أنه وبمجرد التوقيع المبدئي على مسودة الاتفاقية سيحل كل المشكلات ويقضي على كافة التحديات التي تواجه امريكا في المنطقة ,ليتفرغ لحل مشكلاته الداخلية المتعلقة بالبطالة وتأمين الصحي , فهو لا يريد أن يترك له بصمة في التاريخ فحسب بل أن ينقش إسمه بأحرف من ذهب ,تغيير في السياسة عنده مهم ,تماماً كما فعل سلفه ,الرئيس الأسبق نيكسون عندما إنفتح على الصين , إلا أن الفارق كبير جداً ,الصين دولة منغلقة على نفسها ولم تكن طرفاً في الحروب والنشاطات الارهابية في العالم , بعكس إيران التي تحارب وتدمر ,تمول الحركات الارهابية وتثير النعرات الطائفية وتخلق الفتن بين شعوب الشرق الأوسط على وتر الطائفية والمذهبية منذ إستلام الملالي للحكم الى يومنا هذا .
لكن اتضح فيما بعد ان المسألة الجوهرية الصعبة التي تشغل بال رئيس العالم وتجعله مقلقاً ومرعباً الى هذا الحد ,فكرة مغادرة ابنتيه الرشيقتين الجميلتين المنزل العائلي لمتابعة دراستهما في الجامعة ,حيث أن إبنته البكر ” ماليا ” البالغ من العمر ستة عشرة عاماً في المدرسة الثانوية ,عيني والدها تدمع لمجرد التفكير في فرضية انها ستنتقل قريباً الى الجامعة,أما الصغيرة ” ساشا ” فهي ستبلغ الرابعة عشرة في حزيران ,في حدث سنوي يعرف ب” فطور الصلوات ” بدأ سيد العالم حديثه بصوت مرتجف أقرب الى البكاء وهو في وسط النهار ,سائلاً ,لا أدري , لماذا أشعر بهذا الحزن الشديد؟ هل السبب هو انهما ستفارقاني ؟ مردداً , كم أنا بحاجة الى هذه الصلوات والمواساة .