التقرير السياسي للجنة المركزية لحزب يكيتي الكُردستاني – سوريا
Yekiti Media
الوضع العام في المنطقة:
لاتزال منطقة الشرق الأوسط (منطقة ربيع الثورات العربية ) ومنذ ما يقارب العشر سنوات تشهد صراعات داخلية حادة ودامية خاصةً في الدول ذات النظم الجمهورية تحديداً ، تطالب شعوبها بتغيير الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة والمبنية على القمع الأمني للمواطنين ونهب ثروات الشعب وتدمير الحياة السياسية، رافعةً شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية وتأمين لقمة العيش الكريمة، وقد حقّقت شعوب بعض هذه البلدان حريتها أو أنها تسير في طريق تحقيقها بأقل الخسائر الممكنة، مثل تونس والسودان والجزائر، كما أنّ بعضها حصلت فيها ارتدادات معاكسة وعودة الديكتاتورية إليها من جديد ، لكن بطريقة مختلفة عما هي مألوفة عادةً . كما أنّ البعض منها لايزال يعيش مخاضاً وصراعاً عسيراً ودامياً وحرباً أهلية وتدخلات إقليمية ودولية كبيرة، وقدّمت حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا من المواطنين، جلّهم أبرياء ولا توجد في الأفق المنظور بوادر حلحلة الأوضاع فيها نحو التهدئة، مثل سوريا واليمن وليبيا، كما أنّ دولاً أخرى غير ديكتاتوربة استشرى فيها الفساد والمحسوبية والنهب في مؤسساتها، فثارت شعوبها مطالبةً بتغيير هذه السلطات ومحاسبتها على نهبها وفسادها وتغيير منهجية إدارة الدولة لديها، كما حصل مؤخراً في العراق ولبنان .
كما أنّ الدول الخليجية بدأت تدرك عقم العمل وفق آلياتها السابقة وتحاول جاهدةً على العمل على إحداث إصلاحات حقيقية ومواكبة المرحلة كي لاتطالها رياح انتفاضات شعوب المنطقة العربية .
وفي حال عدم قدرة هذه الدول على معالجة قضاياها الجوهرية، واستمرّ الصراع فيها، فإنّ الأمور قد تخرج عن السيطرة وتتوسّع دائرة الصراع إلى خارج حدودها ويفضي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة برمّتها، كما حصلت في أوربا بعد حربين عالميتين وانهيار الاتحاد السوفيتي في القرن المنصرم والتي أدّت إلى ملايين القتلى واختفاء دولٍ من الخارطة وظهور دول جديدة حتى وصلت إلى المرحلة الراهنة في تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية ورغد العيش.
من كلّ ما سبق نستنتج بأنّ التغيير قادم ولصالح الشعوب حتماً رغم كلّ التضحيات و المآسي .
– الواقع السوري :
شهدت الثورة السورية منذ تسع سنوات وحتى اليوم تحولات كبيرة في مساراتها، من ثورة شعبية سلمية تطالب بالحرية والمساواة والكرامة من خلال إصلاح مؤسسات الدولة والدستور إسوةً ببقية الشعوب، إلا أنّ تعنت النظام وعدم تلبيته لمطالب الشعب المنتفض واستخدام الرصاص الحي في قمع المتظاهرين دفعت بالشارع السلمي إلى حمل السلاح خاصةً بعد الانشقاقات المتتالية الكبيرة في صفوف الجيش عام 2012 م ثم حصلت بعد ذلك التدخلات الإقليمية وتحوّل مسار الثورة تدريجياً إلى الأسلمة وظهور تنظيمات متطرفة كالنصرة وداعش و ملحقاتها والتي مارست الإرهاب المنظّم بحقّ كلّ مخالف لرؤاها ، وبعد التدخل الروسي 2015 تحوّل الصراع في سوريا إلى صراعٍ على سوريا من قبل القوى الدولية و الإقليمية، ودخلت الأزمة السورية في نفق مظلم ولم تفلح الأمم المتحدة في وضع حدٍّ لهذا العنف، رغم تعاقب أربعة ممثلين دوليين لمعالجة الأزمة السورية للعمل على تنفيذ قرارين أمميين” 2118 – 2254 ” وتسع جولات من المفاوضات غير المثمرة لحلّ الأزمة، إضافةً إلى العديد من القرارات الدولية ذات الطابع الإنساني والتي لم ينفذ شيئ منها حتى الآن، ولازالت رحى الحرب تدور في العديد من المناطق كإدلب وشمال اللاذقية وشمال حماه وشرق الفرات، وتحصد يومياً العشرات من الضحايا الأبرياء ، إضافةً إلى موجات التهجير بحيث بات أكثر من نصف سكان سوريا بين مهاجر ومهجّر ونازح، مع تدمير هائل للاقتصاد السوري والبنية التحتية وتدني خطير لسعر العملة (أكثر من 13 ضعفاً ) أمام الدولار.
أمام هذا الواقع المأساوي فإنّ أنظار الشعب السوري المكلوم تتّجه اليوم نحو منصة الأمم المتحدة في جنيف والجولة التاسعة واختزال المفاوضات في اللجنة الدستورية، عسى وعلّ أن يكون منفذاً للخروج من هذا النفق المظلم والوصول إلى حلول توقف هذا الدمار وآلة الحرب القاسية.
ومن الجدير ذكره هو مشاركة ممثلين من المجلس الوطني الكُردي لتمثيل الشعب الكُردي في اللجنة الدستورية ، ونعتبر ذلك خطوة جيدة بالرغم من أنّ التمثيل ضئيل قليلاً ولا يتناسب مع نسبة وجود الكُرد في سوريا ، ويتوجّب على كلّ الأحزاب الكُردية ومنظمات المجتمع المدني دعم ممثليهم في اللجنة الدستورية .
-الصراع في وعلى المناطق الساخنة:
تنقسم الجغرافية السورية حالياً إلى أربع مناطق نفوذ :
– النظام وإيران و مليشياتهما بدعم عسكري روسي، يسيطرون على حوالي 60%من مساحة سوريا
– قوات سوريا الديمقراطية وبدعم أمريكي يسيطرون على 25%.
– قوى المعارضة السورية وبدعم تركيا يسيطرون على حوالي 10% بعد سيطرتهم على كرى سبي (تل أبيض ) وسرى كانييه (رأس العين) مؤخراً .
– هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة ) تسيطر على حوالي 5%من مساحة سوريا .
الأوضاع في المنطقة الأولى والثانية تتّجه نحو التهدئة عسكرياً بينما المنطقة الثالثة والرابعة تشهد أوضاعاً غير مستقرة عسكرياً علماً أنّ هناك مايزيد عن ثماني ملايين من السكان المدنيين يعيشون في المنطقتين ويعيشون خوفاً يومياً على حياتهم ومستقبلهم نتيجة حالة عدم الاستقرار هذه ، ولايُعرف بعد كيف ستؤول أوضاعهم في المستقبل القريب.
ففي محافظة إدلب وقسم من شمال اللاذقية، حيث تسيطر جبهة النصرة الإرهابية وملحقاتها على المنطقة، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل بأيّ شكلٍ من الأشكال وجود جبهة النصرة مسيطرةً على المنطقة ، لذلك سوف نشهد في المرحلة المقبلة صراعاً عسكرياً محتدماً يفضي إلى إنهاء وجود هذه المنظمة الإرهابية كما تمّ إنهاء منظمة داعش الارهابية في شرق الفرات ، ولايُعرف بعد لمن ستؤول هذه المنطقة هل إلى المعارضة وتركيا؟. أم إلى النظام وروسيا؟. ومن يقوم بإنهائها عسكرياً ستؤول المنطقة له.
أما في شرق الفرات فالوضع أكثر تعقيداً ، خاصةً بعد التفاهم التركي/الأمريكي وانسحاب أمريكا لصالح تركيا إلى عمق 30 كم مما أعطى الضوء الأخضر لتركيا والفصائل العسكرية الموالية لها لاجتياح المنطقة بعد حربٍ قاسيةٍ مع ( قسد )واستحوذت تركيا على جزء من الأراضي السورية تبلغ مساحتها 120كم طولاً مع الحدود التركية وبعمق 30 كم وتسبّب ذلك باستشهاد وجرح المئات من المدنيين وتهجير أكثر من 250 ألف من ديارهم ونهب ممتلكاتهم، وتعرّض الكثيرين من أبناء المنطقة إلى انتهاكات صارخة من قبل تلك الفصائل التابعة للمعارضة ، التي تمنع المواطنين الكُرد من العودة إلى بيوتهم ، بالإضافة الى المشروع التركي القاضي بإعادة كلّ اللاجئين السوريين الموجودين بتركيا إلى هذه المنطقة، الأمر الذي ينذر بأنها محاولة لتغيير ديموغرافي وتطهير عرقي للوجود القومي الكُردي في مناطقه كما حصل في عفرين أيضاً .
بالإضافة إلى الاتفاق التركي الأمريكي حصل اتفاق آخر بين تركيا وروسيا في سوتشي في 13/10/2019 وفحواه أن يقوم الروس والنظام بحماية الحدود السورية /التركية في كوباني والدرباسية حتى ديريك وإبعاد قوات قسد لمسافة 30 كم مع تسيير دوريات مشتركة روسية/تركية على حدود تلك المنطقة، كما أنّ هناك اشتباكات يومية متقطّعة ما بين ناحية أبوراسين وتل تمر بين قسد وقوات النظام من جهة وتركيا وفصائل المعارضة من جهة أخرى، ولم تستقر الأوضاع في تلك المنطقة على خطوط متفق عليها.
كما أنّ أمريكا وبعد انسحابها من المنطقة عادت إليها بطريقة دراماتيكية بحجة حماية آبار النفط، يبدو لأنها أدركت خطأها ، إضافةً إلى أنّ تركيا ترفض أيّ شكلٍ من أشكال إبقاء الإدارة المدنية بيد (ب ي د )وهكذا يمكننا القول إنّ المنطقة لم تستقر بعد وإلى مَنْ ستؤول السيطرة في هذه المناطق؟
هل ستؤول إلى الروس والنظام بالتفاهم مع قسد؟. وهذا مايعمل عليه الروس وهناك مفاوضات بهذا الاتجاه بين هذه الأطراف.
أم أنّ امريكا ستتدخّل لوقف هذا الحوار وتعمل على توحيد الموقف الكُردي من خلال عقد تفاهم بين المجلس الوطني الكُردي و ب ي د وإبعاد ب ك ك من سوريا وتشكيل إدارة جديدة لمناطق السيطرة الأمريكيةوقسد ويشارك فيهاجميع أبناءالمنطقة ؟ .
وهذه أيضاً يتمّ العمل عليها أوربياً وأمريكياً .
أمام هذا التعقيد في المشهد و المواقف والأدوار حول مصير المنطقة يبقى المشروع الألماني القاضي بوضع المنطقة تحت إشرافٍ دولي وبقوة عسكرية دولية الخيارالأفضل، لتجنّب المنطقة مزيداً من التصادم والصراع وخلق حالة استقرار في المنطقة بانتظار الحلول السياسية في جنيف.
– الواقع السياسي الكُردي:
من المعروف أنّ الحركة الكُردية منقسمة بين تيارين رئيسيين.
– المجلس الوطني الكُردي ويحظى باحترام شعبي ودولي كبيرين وهو جزء رئيسي من المعارضة السورية،ومشارك في مفاوضات جنيف بفعالية منذ 2014.
– حركة المجتمع الديمقراطي( تف دم ) مع مجموعة من الأحزاب التي تسير في ركابها وهم يسيطرون على شرق الفرات عسكرياً وإدارياً، لكنها غير مقبولة من المجتمع الدولي بسبب ارتباطها بحزب العمال الكُردستاني p k k من جهة و مع النظام من جهة أخرى.
وقد مارست تف دم القسوة مع المجلس الكُردي لعدم رضوخه لإدارتها وشروطها، كما انها نسفت ثلاث اتفاقات موقعة بين الطرفين تحت رعاية الرئيس مسعود البرزاني في الأعوام السابقة، وهكذا توقّف الحوار بين الطرفين منذ 2015.
وقد أكّد المجلس على موقفه الثابت بهذا الاتجاه وهو أنه دائماً مع كلّ جهدٍ بنّاءٍ لتوحيد صفوف الحركة الكُردية السورية بعيداً عن هيمنة وتاثيرات ب ك ك التي نسفت جميع الاتفاقات السابقة كما نسفت دعوة الرئيس مسعود البرزاني لبناء استراتيجية كُردستانية شاملة 2013. ومن هذا المنطلق نؤكّد بأنّ أيّ اتفاقٍ مستقبلي يجب أن يكون شاملاً ومتكاملاً إدارياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً بعيداً عن هيمنة ب ك ك وفق مشروع استراتيجي يخدم مصالح الشعب الكُردي في سوريا الذي يعمل من أجل سوريا ديمقراطية اتحادية لكلّ السوريين ، وبدون ذلك لا معنى لأيّ تفاهمٍ و تكرارٍ لخيبات الأمل .
قامشلو ٢٠١٩/١١/١٣