آراء

التهجير والتغيير الديمغرافي سرّ استمرار الأزمة السورية

فرحان مرعي

لا شكّ أنّ حجم التدمير الذي طال سوريا كان هائلاً ، لم يحصل مثله، منذ الحرب العالمية الثانية ، طال التدمير البنى الاجتماعية والتحتية للبلد.

جاء ذلك على شكل نصيحتين من النظام مع بداية ثورة السوريين : الأسد أو نحرق البلد، وثانيهما: سوريا مع استلامنا للحكم، (عائلة الأسد،) ( ١٩٧٠) كان عدد سكانها ستة ملايين، فلا ضير من بقاء هذا العدد، وهذا ما اشتغل عليه النظام وحلفاؤه من الإيرانيين والروس والميليشيات المرتبطة بهم، خلال أكثر من عشر سنوات، حرق البلد وتهجير سكانه، وما زالوا، فمدنٍ وبلدات وأحياء دُمّرت بالكامل على ساكنيها، وخاصةً على أطراف دمشق وريفها ، ودرعا، وحمص وحماه وادلب وحلب والرقة، ودير الزور، وكلّ التقديرات وإحصائيات المنظمات الدولية المعنية تؤكّد أنّ ٦٠٪ من سكان سوريا صاروا نازحين ومهاجرين، أي بحدود ثلاثة عشر مليوناً بين نازحٍ ومهاجر، خمسة ملايين ونصف في دول جوار سوريا، تركيا، لبنان، الأردن، العراق، والبقية انتشروا في باقي دول العالم ، وخاصةً أوربا ، حتى أصبحت سوريا أضخم أزمة نزوح وتهجير في العالم، وما زال التهجير والتغيير الديمغرافي مستمرين لتؤكّد منهجية المخطّط، في ظلّ انسداد آفاق الحلّ السياسي في سوريا وتعثّره ؛لأنه من ضمن بنود الحلّ السياسي، وفق القرارات الدولية وخاصةً ( ٢٢٥٤) إعادة الإعمار، وعودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم ، إلا أنّ النظام يخطّط طويلاً : البقاء على الموالين له سياسياً وطائفياً ، وعلى الذين لا يشكّلون خطراً على أمن إسرائيل ؛ولذلك فإنّ النظام يفتعل الأزمات السياسية والاقتصادية في طريق الانفراج والحلّ ، لإجبار الناس على الهجرة، حيث لا مستقبل أمامهم سوى الهجرة ، ولمنع عودتهم أو فقدان الرغبة في العودة ،في هذه الظروف ؛لأنه كلّما طال أمد الأزمة، اندمج المهاجرون واستقرّوا في منافيهم ، وأصبحت عودتهم أكثر صعوبة، نفسياً وواقعياً.

لم يكن خافياً على أحد الأهداف الأساسية التي عمل عليها النظام السوري، بالتنسيق مع حلفائه، وخاصةً الإيرانيين والقوى المحلية المرتبطة بهم، وعلى مرأى ومسمع القوى الدولية والإقليمية، المتصارعة على الساحة السورية بدفع الناس إلى ترك مناطقهم، عبر إشعال الحروب فيها وتدميرها وتخريبها ، وإجراء التغييرات الديمغرافية على أسس طائفية، ، وكان أكثر المكونات والقوميات المستهدَفة من هذا المشروع، هم الطائفة السنية(عرب السنة) ،ممثّلاً بالإسلام السياسي السني، وإحلال الغرباء مكانهم ؛ بسبب الصراع التاريخي الطويل بين السنة والشيعة ، والصراع على السلطة،أيّ صراع سياسي وديني ، كما أنّ التهجير والتغيير الديمغرافي شمل المناطق الكُردية من (كُردستان سوريا) ؛ لأن الكُرد كخصوصيةٍ ثقافية وقومية متميّزة، لهم مشروع قومي، ويطالبون بحقوقهم القومية، وفق المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بحق تقرير المصير للشعوب المضطَهَدة، وكشعبٍ يعيش على أرضه التاريخية، ورغم أنه لا توجد إحصائيات دقيقة ورسمية، إلا أنّ التقديرات العينية والميدانية الملموسة، تظهر أنّ ٧٥٪ من الكُرد تمّ تهجيرهم من مناطقهم، نتيجة الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي مرّت على المنطقة.

إنّ النظام وحلفاءه، وميليشياتهم خطّطوا، منذ بداية الثورة، على إضعاف هذيين المكونيين ، الشعب الكُردي و الطائفة السنية ، وتشتيتهم وتهجيرهم، بحيث، يفقدون القدرة- مع مرور الزمن – على المواجهة، والقدرة على المطالبة بالحقوق، والمنافسة على السلطة. وللأسف- أنهم نجحوا إلى درجةٍ ما في هذا المشروع والهدف، وذلك بضرب المكونات ببعضها ، وبإشعال الحروب الداخلية والأهلية، فضرب السنة بالسنة، عن طريق القوى الدينية السنية المتطرفة، وصنع لهم دويلة باسم دولة الخلافة الإسلامية (داعش) كما ضرب الكُرد بالكُرد، عن طريق القوى الراديكالية الكُردية، التي عملت تحت مسميات وشعارات، فضفاضة وغير واقعية طوباوية، مثل الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب.

في المحصلة اختلّت التوازن بين القوى السياسية والاجتماعية والقومية في البلد، وحصلت خلخلة في البنى الاجتماعية للمجتمع السوري عموماً ،بحيث يسمح للنظام بفرض هيمنته وتسلطه على كلّ البلاد، كما سمحت للدول الكبرى من فرض إرادتها على القرار السوري العام، ففقدت القوى المعارضة عامل الاستقلالية الضروري للتعامل مع الواقع الجديد، كما فقد الكُرد، نتيجة عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي، العوامل الأساسية في البناء القومي ؛لأنّ التغيير الديمغرافي أسوأ من الاحتلال، والأرض من دون سكانها الأصليين لا قيمة لها .

كلّ الدلائل تشير إلى أنّ الحل السياسي في سوريا لم يعد من أولويات الاهتمام الدولي، وخاصةً مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي احتلّت الصدارة في الاهتمام الدولي، نتيجة تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية على العالم ، واحتمالات نشوب حرب عالمية أو حرب نووية تهدّد كوكب الأرض، بينما تحوّلت الأزمة السورية إلى مسألةٍ ثانوية ، وإلى قضايا إنسانية، وإغاثة ، وفتح معابر، ومحاولات إعادة التطبيع مع النظام ، وعندما فقد الإنسان السوري الأمل في الحلّ السياسي، على الأقلّ على المدى المنظور ، وانتابه الخوف من المستقبل، بات مضطرّاً إلى التفكير في الهجرة والرحيل.

المقال منشور في جريدة “يكيتي” العدد 304

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى