آراء

الثوب لا يصنع راهبا

جوان حسين ( كوردي)
إن ما يجري اليوم من انتهاكات لكرامة الشعب الكردي في تركيا ومحاولة الشوفينية التركية الحد من طموحات الشعب الكردي ، وأماله لبرهان ساطع على تخاذل العالم الغربي وامتحان سافر يعري قادة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية من ثوب الديمقراطية المزعومة،وكما يقول المثل أن الثياب لا تصنع راهبا ، فالجرائم الوحشية وأعمال العنف والقتل وأساليب البطش والقوة التي تمارس بحق الشعب الأعزل في كردستان تركيا، والصمت العالمي حيال تلك الممارسات اللاانسانية التي تتكرر على مدى ما يقارب قرن من الزمن، يؤكد يقينا أن مصالح الدول الكبرى مقدم على كل الاعتبارات الإنسانية فما معنى أن يبقى الشعب الكردي مجردا من حقوقه القومية، وحقه في إقامة دولة مستقلة دون أن يتحرك العالم ساكنا لوقف مجازر الدم التي ترتكبها الدول التي تستعمر كردستان وتتقاسم خيراتها وتنهب ثرواتها لقرون عدة ، وعلى مرأى العالم أجمع ، فأين المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والدول المدافعة عن الحريات كما تدعي
لقد عاش الأكراد وأسلافهم في هذه البقعة الجغرافية الممتدة من سفوح جبال طوروس و زاغروس وغربا حتى الجزيرة السورية ونهر الفرات منذ آلاف السنين وكانوا على الدوام عنصرا فاعلا في بناء الحضارة الإنسانية ، منذ قيام الامبراطورية الميدية ومرورا بالعصور الوسطى حيث كان صلاح الدين الأيوبي أروع مثالإ للإخاء والتسامح ،أعاد للدولة الإسلامية أمجادها السابقة وعلى ذلك شهد له مؤرخو الغرب وأشادوا بإنسانيته وعدالته ، فأين الوفاء لأحفاد هذا البطل الكردي الذي حرر القدس وأحقن الدماء وأطلق سراح الأسرى من الغرب وأحسن معاملتهم ،هل جزاء هذه الأمة الأبية أن تتجرّع علقم العيش ومرارة الحياة لأنها من نسل صلاح الدين ، ألا تكفي سنوات المرارة والألم و المعاناة التي ألحقت بهذه الأمة وأبنائها وهي ما تزال إلى ألآن تدفع ثمن حريتها أنهارا من الدماء وقوافل من الشهداء ، هذا الشعب الذي كان ضحية مطامع الغرب و مكائد الإمبريالية العالمية و تنافس القوى الخارجية والمجاورة ، لقد بات العالم برمته يعي حقيقة الوجود الكردي ، كأمة متميزة تمتلك كل مقومات الدولة ، ويدرك الحيف الواقع على رأس هذه الأمة ليس لسبب إلا طابع الوفاء والفداء والإخلاص عنوان هذه الأمة المناضلة التي جزأتها دول الغدر والخيانة بالأمس وترتدي اليوم ثوب الحضارة و الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان وهي ترى اليوم أطفال كردستان و نساءها يقتلون ويذبحون كالشياة برصاص الطورانية ، أين هي مزاعم الغرب الإنسانية كما يدعون ولماذا لا تتحرك أمريكا وحلفائها لترفع الغبن عن الأكراد وتعيد الحقوق إلى نصابها ، لماذا ألأكراد محكومون بالحرمان من حقوقهم في زمن المبادىء والقانون والدساتير ، واليوم ومع تصاعد المد التحرري وانتهاء السيطرة الاستعمارية وحصول معظم الدول على استقلالها بقيت كردستان أكبر أمة على وجه المعمورة محرومة من حقها في دولة تصون كرامتها ، ومحكومة بالعيش تحت رحمة جلاديها ولو صدق القول على دعاة حرية الشعوب لأمكن إيجاد حل جذري لمعاناة هذا الشعب المضطهد و الرازح تحت الظلم و القمع و لأصبحت المسألة الكردية في جدول أعمال مجلس الأمن و المحافل الدولية بما يضمن لهذه الأمة حقوقها المشروعة ، لكن الواقع والملموس غير ذلك ، وكأن ألأكراد مقدر لهم أن يذوقوا العذاب والأمل ، و يعيشوا بلا حدود و وطن ، ففي حين تدافع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها عن حقوق الأكراد في العراق وتدعم العملية السياسية هناك ، نراها تكيل بمكيالين و تغمض أنظارها عن كل الجهود التركية الرامية إلى إنكار الوجود الكردي ، وسحق هويتهم و شخصيتهم المستقلة متجاهلة الممارسات العدوانية اتجاه شعب يناضل من أجل أبسط حقوقه ، في الحرية والاستقلال ، كل هذا الدم الكردي المسفوح بيد آلة الاجرام التركية و صمت العالم المخزي هي ثمن مقايضات فاشلة في المستقبل ، وأين هي دول المثالية من كل ما يلحق بالأكراد في جميع أجزاء كردستان ، من قمع واستبداد ، وقتل وتشريد ، ألم يحن للمدافعين عن حقوق الحيوان أن تستيقظ في نفوسهم مشاعر الإنسانية ويلتفتوا إلى الشعب الكردي المضطهد ويدافعوا قولاً وعملاً عن حقوقه في دولة حرة ذات سيادة، لم يعد خافيا على أحد أن مصالح الدول الكبرى تأتي في مقدمة الأولويات الثابتة وإن كان ذلك على حساب حرية الشعوب و حقوقها وأخيراً فإن ديمقراطية الغرب ليست إلا ثوباً خادعاً تريد أن تغرر به العالم لتحقق مزيدا من المصالح والأطماع في المنطقة وتستكمل سيطرتها على الدول المغلوبة وبالتالي تجني أكبر الفوائد باسم الديمقراطية أما الأمة الكردية فإنها الضحية الدولية والشعب الوحيد الذي يدفع ثمن أطماع الدول الكبرى في بقائه أمة مُجزأة لا تعرف الأمان والاستقرار ، وقد غاب عن بال تلك الدول التي تستعمر كردستان أن إرادة الشعوب لا تقهر و أن الحقوق لا تضيع ما دام وراءها طالب
كاتب ومخرج سينمائي
jiwan.hussin33@gmail.com
ciwan-kurdi@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى