الجوع يهدد 50 ألف سوري في معضمية الشام
يكيتي ميديا – Yekiti media
دأب النظام خلال السنوات الماضية على تظهير ما يسميها “مصالحات وطنية”، على أنها الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية، مسوّقاً لها محلياً ودولياً على أنها شكل من انتصاراته على الإرهاب، على الرغم من أنها لا تتعدى اتفاق وقف إطلاق نار مقابل الغذاء. وكان للمؤسسة الإعلامية الرسمية دور كبير في تسويق هذه الصورة، وآخرها إلزام أهالي معضمية الشام في ريف دمشق في شهر فبراير/شباط الماضي، بقبول دخول مذيعة “الفضائية السورية” كنانة حويجة إلى المدينة، مقابل وعود بتحسين أوضاع الأهالي، إلا أن هذه الزيارة انعكست سلباً على الأهالي، بسبب عدم رضا حويجة عن حديث الأهالي أمام الكاميرا، ما تسبب بتضييق الخناق على أكثر من 50 ألفا من الأهالي وتجويعهم بشكل ممنهج.
وروى عضو المجلس المحلي في مدينة معضمية الشام أبو كنان الدمشقي، لـ”العربي الجديد”، قصة تجويع أبناء المدينة، قائلاً إن “القصة بدأت في 16 فبراير/شباط الماضي، حين طلب النظام إدخال المذيعة كنانة حويجة، لإجراء تقارير عن المدينة ولقاء الأهالي، مقابل وعود لتقديم تسهيلات تُحسّن من حياة الأهالي، إلا أن المذيعة كانت مستاءة جراء خروج تظاهرات حمّلت النظام مسؤولية الدمار والحصار الذي يعيشونه، فما إن غادرت حويجة المدينة حتى تم إغلاق المعابر وقصفها بعدة قذائف ما تسبّب بوقوع عدة إصابات خطيرة”.
ونشر ناشطون معارضون عدة مقاطع فيديو للمقابلات التي أجرتها حويجة، تظهر استياء الأهالي من عدم التزام النظام ببنود ما يسميها بـ”المصالحات”، إضافة إلى عدم تقديم الخدمات الأساسية ونقص المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى رفع أسعارها بشكل ممنهج، للضغط على الأهالي في محاولة لإخضاعهم لإرادته.
وكانت مصادر إعلامية من داخل المدينة، ذكرت في وقت سابق، أن “الفرقة الرابعة” طلبت من الفصائل المسلحة المعارضة السماح بإدخال حويجة، وفي حال نجاح الزيارة، فستضمن إخراج المعتقلات والأطفال الذين تجاوز عددهم 52 معتقلاً ومعتقلة، وتكليف محامٍ من أهل المدينة بمتابعة أمور باقي المعتقلين الذين وصل عددهم إلى 820 معتقلاً، ودعم هذا الإجراء من “الفرقة الرابعة”، ووصل التيار الكهربائي المقطوع عن المدينة منذ ثلاث سنوات، وعودة الموظفين المفصولين إلى وظائفهم، والذين تجاوز عددهم 2400 موظف، إضافة إلى تسهيل حركة المواطنين على الحواجز.
”
قوات النظام فرضت تضييقاً خانقاً على المدينة، ومنعت دخول المواد الغذائية بشكل كامل
”
وأوضح الدمشقي أن “قوات النظام فرضت جراء تلك الحادثة تضييقاً خانقاً على المدينة، إذ منعت دخول المواد الغذائية بشكل كامل، على الرغم من استمرار السماح للموظفين والطلاب في الدخول والخروج من المدينة، إلا أنهم يخضعون لتفتيش دقيق، لتتم مصادرة كل ما يحملونه من مواد غذائية مهما كانت الكمية قليلة”.
ولفت إلى أن “هذا الواقع استمر لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن يعود النظام قبل شهر تقريباً للسماح بإدخال أربعة أرغفة خبز فقط لكل عائلة عبر أحد أفرادها الداخلين، وأعقبها بأسبوعين بالسماح بإدخال حبة من كل نوع خضروات على ألا تتجاوز أربعة أنواع، ومن ثم أصبح يُدخل كميات محدودة من الخضروات إلى داخل المدينة عبر تجار متعاملين مع النظام، مقسمة في أكياس يحتوي كل منها على حبتين من البطاطا وحبة خيار وحبة بندورة، يباع للأهالي بـ250 ليرة، أما سعر السلة الغذائية الصغيرة فيصل إلى 3500 ليرة، في وقت يعيش أهالي المدينة فقراً مدقعاً، في ظل تفشي البطالة واستنزاف المدخرات، إذ يعيش معظمهم اليوم على الإعانة إضافة إلى وجود مجموعة محدودة من الموظفين”.
اقرأ أيضاً: “مصالحات” النظام السوري: وهمٌ وتسويف
مزاجية النظام تتلاعب بالأرواح
ولفت الدمشقي إلى أن “قوات النظام أغلقت المعابر يوم أول أمس الأحد لساعات عقب محاولة فاشلة للتسلل من قِبل عناصرها من جهة الحي الشرقي قبل يومين، تسببت في سقوط قتيل وإصابة شخص آخر، واستمرت الاشتباكات العنيفة ليومين متتاليين”. وأضاف أن “المزاجية وجشع الربح هو ما يتحكم بقوت أهالي المعضمية اليوم، والناس مجبرة على الشراء بشروط تجار النظام، لأنهم غير قادرين على شراء المواد من الخارج”.
”
النظام يشترط على أهالي المعضمية لإنهاء الحصار، إغلاق الطريق بينهم وبين داريا وإيقاف عمل المكتب الإعلامي، وعدم التواصل مع أي جهة خارج المدينة
”
وكشف الدمشقي أن “النظام يشترط على أهالي المعضمية لإنهاء الحصار، إغلاق الطريق بينهم وبين داريا ورفع سواتر ترابية بين المدينتين، وإيقاف عمل المكتب الإعلامي، وعدم التواصل مع أي جهة خارج المدينة، إضافة إلى تحويل الجيش الحر للجان شعبية تابعة له”.
وأوضح أن “فصائل الجيش الحر رأت أن هذه المطالب تعجيزية، حتى إن التفاوض مع النظام غير مجدٍ لأن لا ثقة فيه، فاتفاق الهدنة الموقّع منذ نحو عام ونصف، والذي نصّ على 14 بنداً، لم يُنفذ منه حتى اليوم سوى بندين، الأول رفع العلم الأحمر المعتمد من النظام داخل المدينة، والثاني وقف إطلاق النار، في حين تتم المماطلة بتطبيق البنود الأخرى وعلى رأسها البند الخاص بإطلاق سراح المعتقلين، الأمر الذي قد يتسبب في تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية داخل المعضمية خلال الفترة المقبلة”.
يشار إلى أن النظام يعتمد ذات السياسة في مختلف المناطق المناوئة له في دمشق وريفها، ساعياً إلى تقليب الأهالي على الفصائل المسلحة، في ظل عجزها العسكري وتدهور الأوضاع الإنسانية للأهالي. ومن جهة أخرى يسعى لخلق عداء بين المناطق التي وقّع معها على هدنة وجاراتها التي لم يكن النظام جدياً في توقيع هدن مماثلة، دافعاً باتجاه حدوث اقتتال داخلي بين الفصائل المسيطرة على تلك المناطق، ما يجعله في مأمن منها، إضافة إلى استنزافها وإفقادها الحاضنة الشعبية، منها بين برزة والغوطة الشرقية، وبين ببيلا ويلدا وكل من مخيم اليرموك والتضامن.
وكالات