الحراك الأميركي شرقي الفرات: قطع الطريق أمام الروس والنظام وتركيا
تشي التحركات الأميركية المتلاحقة في الشمال الشرقي من سورية، أو ما يُعرف بـ”شرقي الفرات”، بأن واشنطن بصدد وضع ترتيبات عسكرية وأمنية جديدة، على ضوء التهديد التركي بشن عملية في الشمال السوري، وعلى خلفية النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” في شرقي سورية وغربي العراق.
في غضون ذلك، التقى القائد العام لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، في محافظة الحسكة السورية، أمس الأول الثلاثاء، القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسورية، الجنرال ماثيو ماكفرلين، وقائد غرفة العمليات المشتركة في التحالف الجنرال كلود تيودور. وبحسب مصادر إعلامية مقربة من “قسد”، فإن “النقاش تركز على خطورة تنظيم داعش ونشاط الخلايا النائمة التابعة له”.
التحالف الدولي يسعى لتعزيز وجوده في الرقة
بيد أن التطورات المتلاحقة في شرقي الفرات تشير إلى أن زيارة قائد التحالف تندرج في سياق تحرك واشنطن لوضع ترتيبات أمنية وعسكرية على خلفية التهديدات التركية المتكررة بشن عملية واسعة النطاق تستهدف “قسد”.
وشن الجيش التركي، أواخر الشهر الماضي، حملة جوية على مئات المواقع العسكرية التابعة لـ”قسد” رداً على تفجير إسطنبول في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتُهمت هذه القوات بالوقوف وراءه إلا أنها نفت أي علاقة لها بالحادث.
ويسعى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لتعزيز وجوده العسكري في محافظة الرقة التي يقع جلها تحت سيطرة “قسد”. وكانت شبكات إعلامية محلية قد ذكرت أن التحالف بصدد إحياء لواء “ثوار الرقة” الذي كان تابعاً للجيش السوري الحر قبل أن تحيّده “قسد” تماماً بعد سيطرتها على محافظة الرقة في عام 2017 إثر طرد تنظيم “داعش” بحملة واسعة النطاق أدت إلى تدمير أغلب أحياء مدينة الرقة، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته.
وعُقد أخيراً اجتماع لم يحضره أي من قادة “قسد”، بين مسؤولين بالتحالف الدولي وقائد لواء “ثوار الرقة” أحمد علوش الملقب بـ”أبو عيسى” في الرقة، لإقناع الأخير بإعادة عناصر فصيله إلى الخدمة على أن يدفع التحالف رواتب لهؤلاء العناصر.
ووفق مصادر محلية، فإن التحالف يخطط لزيادة عناصر اللواء إلى نحو خمسة آلاف لوضعهم لاحقاً على خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية في ريف الرقة الشمالي، لتبديد مخاوف أنقرة من وجود الوحدات الكردية في المنطقة.
وكان الفصيل المذكور يضم أكثر من ألف مقاتل من أبناء عشائر محافظة الرقة، الذين كان لهم دور كبير في السيطرة على المحافظة، مطلع عام 2013، قبل خروجهم منها في مطلع عام 2014 بعد مواجهات مع تنظيم “داعش”.
وشارك الفصيل في معارك الدفاع عن منطقة عين العرب عام 2014 ضد الهجوم الذي شنه تنظيم “داعش”، وقُتل عدد من عناصره في هذه المعارك، كما شارك مع “قسد” في تحرير الرقة من “داعش” في عام 2017، ولكن “قسد” حيّدته لاحقاً بسبب خلافات حول إدارة المحافظة، إذ أراد الفصيل أن يكون له دور في هذه الإدارة إلا أن “قسد” رفضت ذلك.
ولم تكتف واشنطن بمحاولة “إعادة الروح” إلى فصيل لواء “ثوار الرقة”، فقد أكدت مصادر محلية أنها “بصدد تعزيز حضورها العسكري في المحافظة”. ولفتت المصادر إلى أن “التحالف يقيم قاعدة له في مقرات الفرقة 17 التي كانت تابعة لقوات النظام على الطرف الشمالي لمدينة الرقة”.
التصدي للمخطط الروسي
ومن شأن أي وجود أميركي في محيط هذه المدينة إفشال أي مخطط روسي لإعادة مؤسسات النظام وأجهزته إليها، فالجانب الأميركي يرفض تمكين النظام من مصادر الثروة في سورية، والرقة تضم جانباً كبيراً منها.
وهذه المحافظة التي تبلغ مساحتها أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع من أهم المحافظات الزراعية في البلاد، فضلاً عن أنها تضم سدين على نهر الفرات ينتجان الطاقة الكهربائية.
وتسيطر “قسد” على جل مساحة المحافظة باستثناء قرى وبلدات في أريافها الشرقية والغربية والجنوبية. كما تضم المحافظة اليوم عشرات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية، خصوصاً من أرياف حلب ودير الزور وحمص، ورغم الثروات التي تمتلكها المحافظة، إلا أن سكانها يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.
مقابل ذلك، جدد الجيش التركي، ليل الثلاثاء وصباح أمس الأربعاء، قصفه الصاروخي والمدفعي على مواقع “قسد” في الحسكة وحلب، شمالي سورية.
وقالت مصادر من “الجيش الوطني السوري” المعارض، لـ”العربي الجديد”، إن الجيش التركي قصف أهدافاً لـ”قسد” في قرى وبلدات الشيوخ وزور مغار ومزرعة أحمد منير، غرب مدينة عين العرب، بالإضافة لكوران وجيشان، شرقي مدينة عين العرب، بريف حلب الشمالي الشرقي.
وأشارت المصادر إلى أن القصف طاول مواقع غرب ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، كما طاول أماكن يعتقد أن “قسد” تجري فيها تحصينات وحفر أنفاق، وذلك جاء بعد هدوء استمر لأيام.
وأوضحت المصادر أن هذا التطور جاء بعد تسيير دورية روسية تركية مشتركة، مساء الإثنين الماضي، في مجموعة من القرى في منطقة عين العرب قرب الحدود مع تركيا، بعد توقف تسيير الدوريات من الجانب التركي قرابة شهر كامل على خلفية التصعيد التركي ضد “قسد”.
وفي سياق التطورات الميدانية، نقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر محلية في شمال سورية، أمس الأربعاء، أن قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية إلى محيط مدن منبج وتل رفعت وعين العرب.
وقالت المصادر إن قوات النظام بدأت منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي بإرسال تعزيزات إلى نقاط عسكرية بمحيط المدن الثلاث. ويبدو أن تحركات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شرقي الفرات، تستهدف قطع الطريق أمام أي محاولة روسية لإعادة أجهزة النظام إلى المنطقة بناءً على تفاهمات مع أنقرة.
ومن غير المحتمل أن تعرقل “قسد” أي خطوة أميركية في محافظة الرقة التي يشكل العرب الغالبية العظمى من سكانها، حتى لو أدت هذه الخطوة إلى تقليص دور “قسد” التي توفر واشنطن لها الحماية والدعم العسكري منذ تأسيسها من قبل التحالف الدولي في عام 2015.
من جهته، رأى المحلل السياسي سعد الشارع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة قائد التحالف الدولي إلى محافظة الحسكة “تأتي لرأب الصدع مع قسد على خلفية العملية التي هددت أنقرة بشنها في الشمال السوري”، ولفت إلى أن “قسد كانت قد علّقت العمليات المشتركة مع التحالف الدولي ضد داعش، والزيارة تأكيد على العلاقة التي تربط التحالف وقسد”.
وأشار الشارع إلى “أن هناك تحركاً مريباً لتنظيم داعش في ريف الحسكة الجنوبي، وحصلت عدة عمليات إنزال جوي من التحالف الدولي في المنطقة”، كما شدد على أنه “ربما تأتي الزيارة لوضع ترتيبات أمنية للحد من نشاط التنظيم”.
وأكد الشارع أن زيارة مسؤول التحالف تزامنت مع زيارة رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى المحافظة، وعقد لقاء ثلاثي جمعه مع مظلوم عبدي والجنرال ماثيو ماكفرلين، وأوضح أنه “يبدو أن هناك تنسيقاً عسكرياً مشتركاً بين هذه الأطراف في شمال شرقي سورية وفي شمال العراق”.
بدوره، لفت مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن زيارة قائد قوات التحالف إلى محافظة الحسكة “تأتي في سياق ترتيب الأوراق على خلفية التهديد التركي لقوات قسد”، وأشار إلى أنه يعتقد أن “نشاط تنظيم داعش في شرقي سورية وغربي العراق كان حاضراً في الاجتماع الذي ضم عبدي وماكفرلين وطالباني”.
العربي الجديد